الفقر والإقصاء والإهمال... نساء مهاباد تعانين من التهميش
تشكل النساء نصف السكان، وتواجهن ألماً مزدوجاً، فهن الأصوات المهمشة بسبب هيمنة النظام.

فيان مهروبرور
مهاباد ـ نتيجة غياب التكامل في النظام الاقتصادي والاجتماعي، تعاني النساء في بعض أحياء مدينة مهاباد شرق كردستان، من الإقصاء، الفقر، العنف الأسري، الزواج القسري، والإدمان والأمية، دون أن يحرك أحدٌ مسؤولٌ ساكناً لحل تلك المشاكل.
من زواج القاصرات إلى العنف الأسري
سارة إحدى النساء اللواتي تعانين من التهميش في مدينة مهاباد. أُجبرت على الزواج في طفولتها، وعن حياتها تقول "فقدتُ والديّ في سن المراهقة، وتزوجتُ في السادسة عشرة وأنجبتُ طفلاً. بعد فترة اختطف طفلي وتم العثور عليه جثة هامدة، وقام زوجي برفع دعوى قضائية ضدي، وتم سجني وأنا في العشرين من عمري بقيتُ لمدة عامين دون معرفة الجريمة التي ارتكبتها، وأطلق سراحي بعد أن تنازلت عن المؤخر".
وأضافت "بعد إطلاق سراحي، تزوجت مرة أخرى من شخص يكبرني بثلاثين عاماً، لكن واجهت مشكلة أخرى وهي العنف فقد كان يضربني بشكل دائم. هناك نساء كثيرات مثلي. زوج إحداهن في حيّنا المجاور مدمن ويُجبرها على ممارسة الدعارة بالرغم من أن لديها طفلان".
"انضم أبنائي إلى داعش وتوفي زوجي بسبب الإدمان"
على مشارف المدينة، يوسع التردي الاقتصادي السائد دائرة الفقر ويعيد إنتاج الفقر الثقافي، قد يقع العديد من هؤلاء الأشخاص ضحايا أو يتأثرون بمسارات خطيرة مثل الإدمان وارتكاب الجرائم. على سبيل المثال كلثوم، التي فقدت زوجها بسبب إدمان المخدرات وخُدع ابناها المراهقان للانضمام إلى داعش وقتلوا، كما أن ابنتها متزوجة أيضاً في العراق وتزور والدتها مرة واحدة في السنة.
وعن حياتها، تقول كلثوم إنها تزوجت عندما كانت صغيرة لكن زوجها أصبح مدمن مخدرات ودمر حياة أبنائها، مضيفةً "أحصل على ملابسي من الصدقات وأعيش من تنظيف منازل الناس أو تعبئة المنتجات أو العمل في فرن الطوب أو قطف الفاكهة".
الإقصاء والفقر والتخلي
شيدا، إحدى النساء اللواتي تعيش مع والدتها في منطقة أراضي البلدية، تُلقّب بـ "المهندسة". تعاني من صعوبة في المشي بسبب مرض التصلب العصبي المتعدد، وعن حياتها تقول "بعد وفاة والدي، لم يبقَ لي سوى أمي. هاجر والداي من القرية إلى المدينة، ولم يكن لدينا أملاك أو رأس مال".
وأوضحت "درست وحصلت على شهادة الهندسة. كان كل شيء على ما يرام حتى يوم إغمائي، فأدركتُ حينها أنني مريضة. بسبب مرضي لم أعد مؤهلة للعمل ولم أجد من يعولني. أنا ربة منزل منذ 14 عاماً، وحياتي تتدهور بشدة في ظل الفقر والرفض والمرض".
دُفعت شيدا إلى الهامش بسبب المرض والفقر. وحسب قولها، فإن العديد من نساء حيّها لم يلتحقن بالجامعة، وبعضهن لم يحصلن حتى على شهادة، أما من حصلن على شهادات جامعية فتبقين في منازلهن بعد الزواج.
"نجلس في الزقاق ونتحدث عن الألم"
تُحرم النساء في هذه المنطقة حتى من الحدائق والنوادي الرياضية والمكتبات، كما يُحرمن من الفرص الاجتماعية، والشعور بالأمان كلمة غريبة عليهن. إن عدم ثقتهن بالسلطات، والعمل غير مدفوع الأجر أو منخفض الأجر، والمنازل الصغيرة المزدحمة، وانخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة، وزواج القاصرات وما إلى ذلك، تُشكل جزءاً من أحاديث هؤلاء النساء ومصيرهن اليومي. أحياناً لا تجدن أحداً سوى الزقاق وجيرانهن، وكما تقول زينب "نجلس في الزقاق ونتحدث عن ألمنا. ألمٌ متجذر في حكومة غير فعّالة".
إن المعاناة التي تعيشها النساء على هامش مهاباد تتجاوز كونها مجرد تجارب فردية، فهي تمثل وثائق حية للظلم الهيكلي والتمييز المستمر الناتج عن الفجوات الاجتماعية ولامبالاة المؤسسات الرسمية.
النساء اللواتي تم تسليط الضوء عليهن في هذا التقرير لا يُعتبرن مجرد ضحايا للفقر أو العنف الأسري، بل هن ضحايا لنظام حكم تخلى عن مسؤولياته لسنوات طويلة.
تساهم السلطات الإيرانية، من خلال سياساتها غير الفعالة وافتقارها إلى التخطيط الشامل في مجال العدالة الاجتماعية، وتجاهلها للمجتمعات المهمشة، بشكل مباشر في تفاقم هذه المآسي. فالفقر والإدمان وزواج الأطفال وانضمام الأطفال إلى الجماعات المتطرفة، وعدم الالتحاق بالمدارس، وانعدام الوصول إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، ليست مجرد استثناءات، بل هي نتائج مباشرة لغياب السلطات في هذه المجالات.
ومع ذلك، لا تتحمل السلطات المسؤولية وحدها، فالمجتمع الحضري وطبقة الوسط، اللذان "تجاهلا" هؤلاء النساء وأسرهن و"أبعدوهما"، إذ ينظر إليهن إما بشفقة دون أن يعترفوا بدورهم في هذا الإقصاء والتمييز.
الهوامش لا تتشكل بشكل عشوائي، بل هي نتيجة للظلم، وعندما يكون نصف السكان المهمشين من النساء اللواتي يتعرضن لهذا العنف المتعدد الأبعاد، يبرز السؤال الأهم: متى ستُسمع أصوات هؤلاء النساء؟ وإلى متى سيستمر صمت المجتمع وسوء إدارة السلطات في قمع هذه الأصوات؟