الديانة الكاكائية "اليرسانية" تنبذ التمييز بين الجنسين

باعتبارهن ورثة طقوس قديمة وحاملات لثقافة غنية، لم تقف نساء الديانة الكاكائية ضد الهياكل الأبوية والقيود المفروضة فحسب، بل من خلال إحياء مكانتهن في هذه الطقوس، حاربن الهيمنة الثقافية والاقتصادية للرأسمالية.

إيرين أصلاني

توشامي - أقيم احتفال اليارسانيين أو الكاكائيين بعيد خافانكار أو خاونکار في صمت يوم الاثنين 18 تشرين الثاني/نوفمبر بحضور مجتمع كبير من اليرسانيين والمهتمين بهذه الثقافة من مختلف مناطق إيران، وشمل الاحتفال مثل كل عام أداء جماعي لرجال ونساء يعزفون على الطمبور، وتلاوة الكلمات، وتقبيل الأيدي، ومعايدة البعض كل ذلك في قرية توشامي التابعة لكرمشان شرق كردستان.

بحسب الباحثين في الديانة الكاكائية أو اليارسانية فإن هذه الطقوس والتفكير يعتمد على الكلمات المكتوبة في جغرافية كردستان وزاغروس، ويعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين، وتم إعادة إنشاء هذا النظام الفكري بواسطة بهلول دانا وشاكوشين ونساء مثل ماما جلالة وأصدقاء آخرين على أساس الدين القديم للمجتمع الكردستاني، والذي نعرفه اليوم باسم ياري ويارستان، وكانت ضرورة إنشاء هذا النظام الفكري هي محاربة التحجر والجهل، والمركزية، وبهدف بناء مجتمع قائم على العدل والعدالة وبعيداً عن ثقافة الرأسمالية والبرجوازية.

وهذه الضرورة التاريخية، بعد حوالي 300 عام من تأصيل الإسلام ونشره في هذه المنطقة، تعود إلى الحياة من جديد، وفي الفترة التي ألقت فيها ثقافة الإسلام السياسي الشمولية بظلالها على المنطقة بأكملها، وحاولت تدمير الثقافة الغنية وأدب المجتمع الحديث بالقسوة والقمع والعنف، نزلت النساء والرجال الحكماء إلى الميدان لإحياء دين الإسلام، وأعلنوا بإرادة حازمة أنهم عازمون على إحياء الديانة الكردية، أي ديانة الغوران، وإعادتها إلى كتاب التاريخ.

وفي هذا الوقت يبدأ النضال والمقاومة السرية، بيتاً بيتاً، جماعة جماعة، ومنطقة منطقة، حتى الوصول إلى المجتمع المثالي، وتُحارب الثقافة الدخيلة والشمولية واستمرت خمسمائة عام حتى الوصول إلى فترة السلطان إسحاق الذي كان ابن ديراك وهي امرأة حكيمة ذات مكانة عالية، وكانت فلسفة هذه الأيديولوجية والتفكير هي تحقيق الحرية والتحرر، ويستمر هذا النضال والمقاومة بغض النظر عن الجنس ويشترط وجود المرأة.

إحدى عازفات الطنبور تحدثت لوكالتنا حول التغييرات التي فرضت على الثقافة الياراسانية مع مرور الوقت، ووجود المرأة ودورها في هذه الطقوس، ومهرجان خافانكار، هذه المحادثة مبنية على تجربة امرأة في مجتمع المساعدين وآرائها الشخصية.

وقالت إن دور المرأة في الدين اليراساني كان موجوداً دائماً، سواء في مجال الموسيقى أو في العبادة وغيرها، لكن بسبب تأثير الإسلام فيها، وبعد الموجة الثقافية التي سادت بإيران، أصبح دور المرأة أقل بروزاً، وكان ذلك مخالفاً لاتجاه الدين اليرساني "في السنوات الست أو السبع الأخيرة لم تكن هناك مغنيات، وكانت الفتيات يرغبن بالمشاركة في ذلك الوقت، الأمر الذي قوبل بمعارضة شديدة، لكن إصرارنا، ودعم عائلة الحيدري جعل ذلك يحدث، وفي السنوات التالية، شاركت المزيد من النساء في العزف على الدف".

وأضافت إن العازفات على الطمبور والمغنيات كن دائماً موجودات في الديانة اليرسية، ويمكن ذكر درويش شكر على أنها أقدم وأول النساء، أو فرانك درويشي وغيرها من النساء، ولكن بسبب الثقافة السائدة في المجتمع، لم يكن لدى المرأة الظروف التي تمكنها من أن ينظر إليها مثل الرجل، لكن هذه العقبة لا علاقة لها بالدين اليراساني لأنه في الثقافة الياراسانية لا يتم ذكر الجنس وحتى أن النساء، مثل الرجال، يتم تشجيعهن على تحرير أنفسهن من القيود".

وترى أن المشكلة ليست بالديانة اليرسانية التي هي ديانة كردية "الكتب مكتوبة باللغة الكردية، والثقافة هي الثقافة الكردية، ونفس المكانة والقيمة التي كانت للمرأة في المجتمع الكردي هي نفسها في الديانة اليرسانية، فإذا قرأت كتب المساعدات فلا كتابة مبنية على تقييد المرأة وإهمالها".

وأكملت "في عقيدة ياراسان، لا يوجد فعل يعتمد على كونك امرأة أو رجلاً، لكن الثقافة مختلفة ويمكن أن تتغير، ولأن ثقافتنا تم التلاعب بها مع مرور الوقت، فقد ابتعدت عن أصلها، ولهذا السبب هناك تجمعات لا يحق للمرأة حضورها والتي يجب العمل عليها من أجل تحقيق تغييرات إيجابية مع مرور الوقت، والجيل الجديد لديه القدرة على ذلك لأنه اكتسب المزيد من الفهم، لكن المهم هو أنه في جوهر الدين الياراساني، لم يتم تحديد الجنس، وربما في بعض الأماكن، تم مدح المرأة أكثر".

وأكدت على أن "حرية التعبير، وحرية الملابس، وعبادة الرجل والمرأة نفسها، وغياب قوانين أو قيود محددة للنساء، هي تعبيرات عن العديد من الحقائق، ويجب أن نذكر أن العديد من المساعدات اللاتي تمكنّ من تحقيق أهدافهن أو السفر إلى الخارج أو متابعة مواهبهن، يتبعن هذا النظام الفكري من خلال جهودهن الخاصة".

وأشارت إلى أنه "قبل سبع أو ثماني سنوات، كنا نستبعد فعلاً من بعض معلمي وأهل الطنبور، لكن بمساعدة شيوخ هذا الدين، انفتح لنا الطريق، وكسرنا كجيل الشباب تلك الحواجز، لذا يجب أن تعلم المرأة أنه لا توجد عوائق أمامها، وأن كل ما تعتقد أنها قادرة على القيام به، عليها أن تفعله، لأن كل العوائق ستزول بالجهد".

وعن المساواة بين الجنسين في العزف على الدف، قالت إن الدف ليس مجرد آلة موسيقية، فكل موضع يتم غنائه والصوت الذي تصدره يحمل في طياته ثقافة ومثالاً وقيمة، فعلى سبيل المثال، في حفل التجمع يقوم شخصان بإلقاء خطاب ويرافقهما الحشد بأكمله، يتواجد فيه الرجال والنساء، صغاراً وكباراً، ويشكلون مجتمعاً يتواجد فيه الجميع، وهذا يظهر عدم أهمية أن يكون المغني رجل أو امرأة، والعزف على الدفوف كذلك، وحقيقة أن العبادة في الديانة اليرسانية يتم التعبير عنها بلغة الطمبورة والموسيقى، والرجال والنساء يعزفون على الآلات ويغنون معاً، فهذا يعني أنه لا يوجد شيء يمكنك فعله كرجل وأنا لا أستطيع فعله كامرأة".

ولفتت إلى الطقوس "يصوم أهل يارستان ثلاثة أيام، وفي اليومين الرابع وهو يوم مبارك عند الناس، وكذلك الخامس يذهبون إلى توشامي ويحتفلون بالعيد مع آل حيدري، ليس هناك قيود على صيام المرأة بهذه الطريقة، فمثلاً في دين مثل الإسلام إذا كانت المرأة في فترة الحيض فإن عباداتها غير مقبولة ولدى اليهود تعتبر نجسة، لكن لا يوجد شيء من هذا القبيل في دين اليرسان".

وأكملت "في اليوم الخامس، يتصافح الرجال والنساء ويقبلون الأيدي، مما يدل مرة أخرى على المساواة بين الجنسين، ويتحدث الرجال والنساء مع بعضهم البعض في هذا اليوم، وأثناء العبادة، الملابس النسائية اختيارية، ويمكنك الظهور كما يحلو لك، وشعر المرأة له قيمته الخاصة، وبما أن الطقوس هي طقوس كردية، فمصدرها الثقافة الكردية".

واختتمت بالتأكيد على أن الدين اليرساني أو الكاكائي لم ينتهك حقوق النساء في التواجد بالعديد من الأماكن "نظراً لوجود المجامع في الأماكن العامة، فإن التجمعات المختلطة وغناء الرجال والنساء معاً غير ممكن بسبب الحواجز الأمنية، والنظام الذي يحكم المجتمع، لهذا السبب فإن تواجد النساء في العديد من الأماكن محظور ولا علاقة له بثقافة ودين ياراسان".