الإيزيديات بين ألم الفرمان الـ 73 والمطالبة بالحقوق
طالب شهود الفرمان الثالث والسبعين، الذي وقع في 14 آب/أغسطس 2007 وأسفر عن مجزرة راح ضحيتها مئات الأشخاص، بالاعتراف الرسمي بأن الهجمات التي استهدفت منطقتي تل عزير وسيبا شيخ خضر تُشكّل إبادة جماعية، وبضرورة تقديم المسؤولين عنها للعدالة.

جيهان زمو
شنكال ـ في الذكرى السنوية للفرمان الـ 73 الذي تعرض له المجتمع الإيزيدي، يحيي شهود هذه المأساة ذكرى الضحايا، مجددين مطالبهم بالكشف عن هوية الجناة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات.
يُعد شهر آب من أكثر الأشهر إيلاماً في ذاكرة المجتمع الإيزيدي، ففي 14 آب/أغسطس 2007، انفجرت خمس سيارات مفخخة في بلدتي تل عزير وسيبا شيخ خضر، ما أسفر عن مقتل 700 شخص وإصابة المئات بجروح متفاوتة، ورغم مرور 18 عاماً على تلك التفجيرات الدامية، لا يزال مصير العديد من الضحايا مجهولاً حتى اليوم.
يطلق المجتمع الإيزيدي على الهجوم الذي انفجرت فيه خمس سيارات مفخخة في بلدتي تل عزير وسيبا شيخ خضر، وأسفر عن مقتل 700 شخص وإصابة المئات بجروح متفاوتة، اسم "الفرمان الثالث والسبعين"، في إشارة إلى سلسلة المآسي التي تعرض لها عبر التاريخ، وبسبب الظروف التي أحاطت بذلك الوقت، لا تزال تداعيات هذا الفرمان غير واضحة تماماً لعامة الناس.
استذكار لحظات الفقد والخوف بين الأنقاض والوداع الأخير
كانت باران بركات تعيش مع عائلتها في قرية تل عزير عندما وقع الفرمان الثالث والسبعون، وقد شهدت المجزرة بكل تفاصيلها المؤلمة، وروت ذلك اليوم بقولها "كما نعتبر الثالث من آب 2014 يوماً أسود في تاريخنا، فإن الرابع عشر من آب عام 2007 لا يقل سواداً وألماً".
وأضافت "في ذلك اليوم، كنا نجلس في منزلنا كما نفعل كل مساء، وفجأة انهار المنزل فوق رؤوسنا، وعلقنا تحت الأنقاض، كان من نجا يحاول إنقاذ من بقي تحت الركام، أثناء وجودي تحت الأنقاض، شعرت بالناس يركضون فوقي، وظننت أنني سأموت، لكن زوجي تمكن من انتشالي، رغم الصدمة والخوف، جاء شقيق زوجي أيضاً ليساعدنا، رغم أنه فقد ابنه في الهجوم".
وتابعت "اثنان من أطفالي علقا تحت أنقاض المنزل وفارقا الحياة، بعد إنقاذي، بدأت أبحث عنهما، رأيت أولاً جثة ابنتي، ثم وجدت ابنيّ الاثنين تحت الأرض، استطعت إخراج أحدهما، لكن الآخر بقي عالقاً، فذهبت أطلب المساعدة، وعندما عدت، كان قد اختنق وفارق الحياة".
وصفت باران بركات ذلك اليوم مليئاً بالألم "كانت الجثث منتشرة في كل مكان، والناس ينقلون أحبّاءهم إلى قبور حُفرت بواسطة الرافعات، ويدفنونهم وسط مشهد لا يُنسى، مستشفيات شنكال وتلعفر لم تستطع استيعاب الأعداد الهائلة من الجرحى والقتلى، وعندما توجهنا إلى تلعفر، قيل لنا إن المستشفى محاصر، وإنهم سيقتلوننا، هناك، طلبوا منا ذكر أسمائنا لإرسالنا إلى خارج البلاد، لكنني رفضت ذلك".
وأشارت إلى أن عدد الشهداء آنذاك قُدّر بـ 400 شخص، لتُعبّر عن حزنها العميق بكلمات تنزف ألماً "استشهد أربعة من أفراد عائلتي، كانت ابنتي تبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، وابني ستة أعوام فقط، حُوصرا تحت أنقاض المنزل نتيجة الانفجار واستشهدا".
وأضافت "مرّت ثمانية عشر سنة على ذلك الفرمان، ومع ذلك لم تعترف الحكومة العراقية بابنتي وابني كضحايا للفرمان، لقد فقدنا الثقة بأي دولة، ما زلنا نعيش في خوف داخل منازلنا، نخشى أن يتكرر ما حدث، نطالب الحكومة العراقية الاعتراف بنا كمواطنين عراقيين وتمنحنا حقوقنا، هذه أرضنا وديارنا، لكننا لا نشعر بالأمان في هذا الوطن، لا نعلم متى سيُغدر بنا من جديد، قبل الفرمان، كنا نعيش بسلام ونؤدي أعمالنا ومسؤولياتنا، لقد سلبونا كل شيء في هذا الفرمان".
ألم عميق لا يزال يعيشه الإيزيديون
سيفي خوديدا، إحدى الأمهات اللواتي عايشن الفرمان الثالث والسبعين، فقدت العديد من أفراد عائلتها في ذلك اليوم المأساوي، روت أن شائعات كانت تنتشر قبل الهجوم تُنذر بوقوعه، لكن لم يكن لديهم القوة أو الوسائل لمنعه "قبل الانفجار، رأيتُ السيارات المفخخة من بعيد، وأخبرتُ عائلتي بشكوكي، وبعد وقت قصير، وقع الانفجار، وسقط المئات بين قتيل وجريح".
وأضافت "فقدتُ العديد من أفراد عائلتي، بمن فيهم الأطفال، إحدى العائلات من أقاربي قتلت بالكامل، مع أطفالهم الخمسة، كانت أشلاء النساء والأطفال تتناثر في الهواء، تتصاعد من كل مكان كألسنة اللهب".
وتُحمّل سيفي خوديدا الحكومة العراقية مسؤولية ما حدث "الحكومة العراقية نفسها خانتنا، أخذوا الكثير من الشهداء والجرحى، وحتى الآن لا نعرف عنهم شيئاً، نجهل مصيرهم، لم نرىَ أي رد فعل من أي دولة، ولم يعترف أحد بحقوقنا حتى اليوم، لم يُقدَّم لنا أي دعم أو حماية في ذلك الوقت، رغبتنا الوحيدة هي أن نعيش بسلام وأمان، لا نطلب شيئاً آخر من أي دولة".