الأول من أيار... يوم المقاومة والنضال

إن إنجازات نضال العمال التي حققوها قد سجلت في صفحات التاريخ، ويوم ١أيار/مايو أصبح رمزاً للنضال والمقاومة، يتم الاحتفال به كعيد وكيوم "نصر" في تاريخ العمال.

ساريا دنيز

مركز الأخبار ـ لقد أجبر العاملين والعاملات منذ مئات السنين على العمل في ظروف صعبة من أجل البقاء على قيد الحياة، ودائماً ما يتم تجاهل أو تأجيل مطالب أولئك الأشخاص الذين يصنعون الحياة، أو حتى لم يتم أخذ هذه المطالب بعين الاعتبار أبداً، كما قتل المئات من الناس الذين رفضوا أن يتم سحقهم بين عجلات النظام الرأسمالي، والذين طالبوا بحقوقهم وناضلوا من أجل حقوق العمال أجمعين.

وتأتي أصول يوم ١أيار/مايو كجزء من النضال من أجل تحديد ساعات العمل في اليوم، ولقد كان هذا الطلب ذا أهمية كبيرة بالنسبة للعمال، كان يعمل العمال ما يصل إلى ١٨ ساعة في اليوم في القرن ١٩ ومقابل أجر لا يمكنهم من خلاله سوى البقاء على قيد الحياة، وأن معظم العمال الذين لم يكن لديهم أي حقوق اجتماعية على الإطلاق، عاشوا في ثكنات أقيمت بجوار المصانع مباشرة، في ظروف العمل تلك لم يكن بإمكان العمال رؤية ما بعد سن الأربعين، وفي ٢١ نيسان/أبريل ١٨٥٦ ترك عمال الأحجار الأستراليون في فيكتوريا العمل بشكل جماعي لمدة ٨ ساعات كجزء من فعالياتهم، وأصبح هذا التوقف أو الأضراب عن العمل يوماً يتم الاحتفال به سنوياً وكان هذا أول توقف للعمال في أمريكا، حيث دخل آلاف العمال في البلاد في إضراب، ثم كانت هناك أحداث دخلت التاريخ باسم حادثة هايماركت وكانت السبب في تحديد يوم ١أيار/مايو يوماً للعمال عالمياً.

وفي ١أيار/مايو من عام ١٨٨٦، تم تنظيم مسيرة عمالية في هايماركت بشيكاغو، كان من أحد أسباب ذاك التجمع هو انتصار النقابة في شيكاغو قبل التجمع بثلاثة أسابيع، في مصنع ينتج المعدات الزراعية، احتج العمال على شروط العمل الغير إنسانية وأعلنوا أنهم سيضربون عن العمل، وتم فصل العمال بشكل جماعي، وكان من المتوقع حينها أن يتقدم المهاجرون الذين كانوا ينتظرون أمام المصنع لشغل الوظائف الشاغرة بنسبة ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ شخص، ولكن في تلك الفترة نتيجة للحملة التي قامت بها صحيفة العمال، تقدم فقط ٣٠٠ عامل جديد فقط إلى المصنع، وكان هذا الأمر كان يعتبر إنجازاً بالنسبة للعمال، ثم فيما بعد نظم في شيكاغو إضراب استمر لبضعة أيام.

 

قاموا بقتل العمال

أراد الأمن تفريق العمال المضربين في 3 أيار/مايو، وفي تلك المداخلة قتل 6 من العمال وأصيب العشرات منهم، ولم يغادر العمال الشارع وساروا باتجاه ساحة هايماركت، وفي اليوم التالي أي 4 أيار/مايو ألقيت قنبلة على العمال المجتمعين في ساحة هايماركت، فقد حينها 12 شخصاً حياتهم، كما قتل ضابط للأمن أيضاً، وعلى إثر ذلك أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، مما أسفر على الأقل عن مقتل 4 مدنيين و7 من رجال الشرطة، وبالإضافة إلى إصابة ٦٠ من عناصر الأمن و١١٥ مدنياً، ونتيجة لذلك قبض على المئات من القادة العماليين وتم أعدم أربعة منهم بعد إجراء محاكمة غير قانونية، وفي 5 أيار/مايو تم إطلاق النار مرة أخرى على المضربين، وتوفي ٧ أشخاص وكان من بينهم طفل، وأصبح يوم١أيار/مايو أحد أهم التواريخ بالنسبة للحركة العمالية العالمية.

 

عيد العمال في عهد العثمانيين وفي تركيا

وخلال فترة الدولة العثمانية، بدأ الاحتفال بيوم ١أيار/مايو منذ سنوات١٨٦٠ من قبل الأرمن، ومع عام ١٨٨٦ توسعت هذه الاحتفالات، حيث كان يتم الاحتفال به بمشاركة كبيرة من معظم القرى الأرمنية في بوتانيا وكيليكيا وأرمينيا الغربية، حيث قام العمال بتبني ١أيار/مايو كيوم العمال وبدأوا بالاحتفالات به.

وفي عام ١٩٢٣ احتفل عمال إسطنبول العاملين في التبغ والمصانع العسكرية وعمال السكك الحديدية والخبازين وعمال قطار اسطنبول والهاتف والنفق وعمال الغاز بعيد العمال في الشارع، وسار العمال رافعين لافتات تحمل عبارات مثل "مصادرة الشركات الأجنبية"، و" ٨ ساعات عمل في اليوم"، و"عطلة في الأسبوع"، و"نقابة حرة والحق في الإضراب". 

 وبحلول عام ١٩٧٦شاركت الحركة العمالية وحركة الشباب في النضال معا في تركيا، وبعد ٥٠ عاماً بالضبط من عام ٩٢٣ ، تم الاحتفال بيوم العمال ١أيار/مايو من خلال تجمع كبير في ساحة تقسيم في إسطنبول، وكان احتفال يوم ١ أيار من عام ١٩٧٦، الذي نظمه اتحاد نقابات العمال الثوريين (DISK)، بداية الاحتفالات الجماهيرية بعيد العمال في تركيا.

 

١أيار/مايو الدامي

وفي عام ١٩٧٧ أيضاً أراد الموظفون والعمال والنساء والشباب مواصلة مجد عام ١٩٧٦، ولكن عيد العمال هذا لم يمحى أبداً من الذاكرة في تركيا، حضر ما يقرب من ٥٠٠ ألف موظف وعامل إلى المسيرة التي نظمتها DİSK في ساحة تقسيم في ١ أيار عيد العمال، عندما وصل رئيس DİSK كمال توركلر إلى نهاية خطابه، بدأ سماع أصوات لطلقات نارية، وبينما كان لازال السير مستمراً في مداخل الساحة، تم إطلاق النار على الحشد من مبنى إدارة المياه ومن فندق Intercontinental والذي يدعى الآن (فندق مرمرة)، كما هجم عناصر الأمن على الحشد، وتم إطلاق النار مرة أخرى لترهيب الحشد الذي كان يحاول الفرار من كازانجي يوكوشو، حيث استمر الناس في الفرار وهم يسقطون أسفل الدبابات ويسحقون بعضهم البعض للعبور، وتوفي ٢٨ شخصاً بسبب السحق أو الاختناق، وتوفي ٥ أشخاص بإطلاق النار عليهم، وقتل شخص واحد بواسطة الدبابات، وأصيب حوالي ١٣٠ شخصاً، في ذلك اليوم الذي سيسجله التاريخ باسم "١أيار/مايو الدامي" ، قتلت ٩ نساء أيضاً في كازانجي يوكوشو وهن ديرن نركيز، خديجة ألتون، هاجر أيبك سارمان، وجالى يشيلنيل، مارال أوزكول، نازان ونالدي، وسيبل أجيكالن، ولم تتم محاكمة المسؤولين عن مجزرة ١أيار/مايو عام ١٩٧٧، ولم يتم محاسبة الفاعلين.

 

١أيار/مايو المحظور

في عام ١٩٧٩ في اسطنبول تم حظر احتفالات عيد العمال تماماً، وفرض حظر تجول في ذلك اليوم، تمت ملاحقة رئيسة حزب العمال الأتراك (TIP) وما يقارب الألف شخص بسبب نزولهم إلى الشوارع في يوم ١أيار/مايو، وفي تاريخ ٦ أيار تم القبض على بهيجة بوران و٣٣٠ من أعضاء TIP وفي عام ١٩٨٠ نظم اتحاد نقابات العمال الثوريين DİSK مسيرة في مرسين بمشاركة ٥٠ ألف شخص، واعتقل حينها نائب رئيس DİSK رزا كوفن في المسيرة، وتم حظر يوم ١ من أيار عقب الانقلاب العسكري في١٢أيلول/سبتمبر.

العمال الذين لم يتراجعوا عن ١أيار/مايو ولم يعترفوا بالحظر، عندما تم حظر الاحتفال بيوم ١أيار/مايو في عام ١٩٨٩، تعرض أولئك الذين أرادوا الذهاب إلى ميدان تقسيم للهجوم من قبل الأمن، حيث فقد عامل شاب يبلغ من العمر ١٧ عاماً يدعى محمد عاكف دالجي حياته، نتيجة لإطلاق النار من قبل عناصر الأمن.

وفي عام ١٩٩٠، تقرر الاحتفال بـ ١أيار/مايو في المجلس العام لاتحاد النقابات العمالية التركية Türk-İş، واحتفلت لأول مرة في تاريخها، بيوم العمال ١أيار/مايو، اتخذ الأمن إجراءات أمنية مشددة في اسطنبول لمنع مظاهرات ١أيار/ مايو، واندلعت اشتباكات في الأحياء بين الأمن والمجموعات التي أرادت التظاهر، وخلال الأحداث التي وقعت في بانغالتي، أطلق عناصر الأمن النار على الطالب الجامعي غولاي بجرن وأصيب بالشلل جراءها.

وظل ميدان تقسيم مغلقاً أمام العمال حتى الذكرى السنوية الثلاثين لعيد العمال ١ أيار/ مايو الدامي، في عام 2٠٠٧، سار الآلاف من الموظفين والعمال إلى ساحة تقسيم، في تلك الأثناء منطقة تقسيم كانت محاصرة بأكملها، وتعرض حينها مئات الأشخاص للعنف من قبل الأمن وتم اعتقالهم، وعلى الرغم من ذلك تخطوا الحواجز وتمكن المئات من الأشخاص الوصول إلى ساحة تقسيم في ١أيار/مايو في عام ٢٠٠٧ لإحياء ذكرى من قتلوا قبل ٣٠ عاماً واستعادة ساحة احتفالات عيد العمال، وحدث حظر مماثل لهذا في ١ أيار/مايو في أعوام ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ وتمكن العمال من الوصول بطريقة أو بأخرى إلى ساحة تقسيم على الرغم من كافة الإجراءات الاحتياطية ووحشية الأمن ضدهم.

وفي يوم 22 نيسان/أبريل من عام ٢٠٠٩، في الجمعية العامة للبرلمان التركي TBMM، تمت الموافقة على مشروع قانون بشأن ١أيار/مايو ليكون عطلة رسمية تحت اسم "يوم العمل والتضامن"، احتفل أكثر من ٥ آلاف شخص في ١أيار/مايو في ساحة تقسيم، وبالرغم من ذلك أيضاً تم اعتقال مئات الأشخاص في١أيار/مايو مرى أخرى، وفي عام ٢٠١٠ تم افتتاح ساحة تقسيم "للفعالية" لأول مرة منذ ٣٢ عاماً، حيث أقيم احتفال كبير شارك فيه أكثر من ٢٠٠ ألف مشارك بحماس وإثارة كبيرين.

وكان ٢٠١٣ هو العام الذي زادت فيه الدولة من درجات العنف في البلاد، حكومة حزب العدالة والتنمية AKP، التي كانت ستدخل بعد ٢٧ يوماً فقط في مواجهة مع مقاومة جيزي وتقسيم، وأغلقت ساحة تقسيم في ١أيار/مايو ٢٠١٣ بحجة "إجراءات السلامة" وأيضاً بسبب "إنشاء مشروع تقسيم للمشاة"، تجاهل العمال هذه الحجج، وحاولوا الذهاب إلى تقسيم، واندلعت اشتباكات في عدة أماكن بين الأمن والمتظاهرين هناك، بعد أن أعلنت الحكومة أنها لن تسمح باحتفالات ١أيار/مايو في عام ٢٠١٤، وأغلقت قوات الأمن جميع الطرق المؤدية إلى ساحة تقسيم، وتم إعلان حالة الطوارئ في اسطنبول، حيث كان هناك ٣٩٠٠٠ عنصراً من الأمن في الخدمة حينها، وقاموا باعتقال حوالي ٣٠٠ شخص في ذلك اليوم.

ولقد كان عام ٢٠١٥ نقطة فارقة في ممارسة الحقوق الديمقراطية في العديد من النواحي، وتم "سن" الحظر الفعلي مع محاولة الانقلاب في ١٥ تموز/يوليو، كانت ساحة تقسيم مغلقة أمام العمال والمعارضين والأكراد والنساء والشباب، أن الموظفين والعمال الذين لم يستسلموا أو يتراجعوا عن يوم ١أيار/مايو وتقسيم رغم كل قرارات الحظر، مازالوا يواصلون مقاومتهم.