الإسلام السياسي وتداعياته الكارثية على النساء في المنطقة
أوضحت المشاركات في ندوة "الإسلام السياسي وتداعياته الكارثية على النساء في المنطقة" تأثير الإسلام السياسي خلال تسلمه السلطة على حقوق وحياة وتعليم النساء وعلى الحركات النسوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ تناولت مشاركات من سوريا ومصر ولبنان وتونس والجزائر في ندوة حوارية رقمية أقيمت أمس الأحد 15 أيلول/سبتمبر قضية "الإسلام السياسي وتداعياته الكارثية على النساء في المنطقة"، حيث جرى عرض لتعريف الإسلام السياسي، وكيف تعامل مع النساء بعد تسلمه السلطة لجهة الحقوق في القوانين والتعليم وغيره، وأثره على الحركات النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أدارت الندوة عضوة سكرتاريا تحالف ندى ومراسلة وكالة أنباء المرأة في تونس زهور المشرقي، وقدمتها الرئيسة المشتركة لـ "مؤتمر الإسلام الديموقراطي" من شمال وشرق سوريا أفين يوسف الحجي، إضافةً للخبيرة في شؤون التطرف والإرهاب من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية من مصر أمل مختار.
وحول تراجع مكاسب النساء بسبب ضغوطات الإسلام السياسي التي مارسها سواء في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا من ترهيب وكتم للصوت، وصولاً للثورة التي ألهمت الجميع في المنطقة قالت أفين يوسف الحجي "منذ نشأة الدين كان هدفه خدمة المجتمع والفرد، لكن مع تغير الوضع الذي مر به الدين، تحول الإسلام إلى السلطوية أو السياسة، ووضع بصمته على كل مناحي الحياة وفئات المجتمع والمرأة خاصة، فكل الفرق أخذت من الإسلام ما يناسب مصالحها وكانت تطبقه على المرأة أولاً، لأنها النقطة ذات التأثير الأكبر في المجتمع، ولها دور في التربية".
وأوضحت "نتحدث من واقع التجربة في سوريا فالإسلام السياسي، عمل على تكفير أبناء الديانات الأخرى، فهل هناك قانون إلهي مع الاغتصاب والحرمان من الميراث وتزويج القاصرات، هي ليست أحكاماً إلهية بل تناقض ما ورد في القرآن، فهي أحكام بشرية قامت على أساس المصالح، وأخذت جزءاً من آيات القرآن وطبقتها لمصالحها، كل هذه الأمور مجتمعة، بالإضافة لوجود داعش في المنطقة، أدى إلى تعرض المرأة للكثير من الخوف والرعب وقد عملوا على تشويه المرأة، حيث فرضوا عليها البقاء في البيت واللباس الشرعي، فليس هناك آية أو حديث يدل على سفور المرأة أو نقابها، ولكن التفاسير جعلت المرأة تقبل هذه الأمور، بتخويفها من الغضب الإلهي، ثم قام داعش ببيع النساء في سوق النخاسة كسبايا حرب، وهو منظور جديد في التاريخ الحديث يتمحور حول مفهوم "ما ملكت إيمانكم" وهو مشين بحق المرأة، وقد قامت ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا ضد كل الأعراف والتقاليد البالية وكل القيم الدينية التي تقلل من شان المرأة، وما يقوم به داعش ليس من القيم الدينية السمحة التي دعا إليها الإسلام، والنساء في حياة النبي وفي التاريخ الإسلامي كان لهن دور بارز في التعليم والحياة المجتمعية، ولكن مع وصول الإسلام للسلطة خرج من صفته الأصلية وبدأ بخدمة مصالح فرق تدعي الإسلام".
وعرضت أفين يوسف الحجي في مداخلتها الثانية تجربة إقليم شمال وشرق سوريا في محاربة هذه الأفكار التي اقتنعت بها بعض النساء، وكيف تعرضت النساء للتنكيل وكذلك عوائلهن وبقين صامدات وقاومن داعش وحررن المنطقة منها.
وأوضحت أنه "يجب التفريق بين الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية، فالإسلام والسياسة متفقان في منظور الإسلام الديمقراطي، ونحاول إيصاله إلى العالم من خلال الإدارة وليس سياسة للقتل والإجرام، فالحركة والتجربة النسائية في منطقتنا متماسكة وخصوصاً في مجال السياسة أي الإدارة، فالمرأة وتجربتها في المنطقة مميزة بكل المقاييس، بالرغم من كل التضحيات فالأمهات قدمن أبنائهن وبناتهن لبناء الإدارة مع الصعوبات التي تمر بها المرأة والمنطقة".
وأكدت أن تجربة إقليم شمال وشرق سوريا "استثنائية استندت على فكر المرأة، ابتداء من المجتمع الطبيعي والتاريخ الكبير، وكيف كانت المرأة تلتف حولها الجماعة الصغيرة وتقوم بإدارتها بحكمتها وبكل القيم الأخلاقية والجمالية، وهو ما نقوم بتعليمه لأولادنا من الصدق والاحترام والوفاء وإتقان العمل".
وأضافت أفين يوسف الحجي "اعتمدنا على شعار Jin Jiyan Azadî وهو شعار رفعته نساء إيران بعد مقتل جينا أميني على حكومة تتدعي الإسلام، كما رفع منذ أيام في الهند على خلفية اغتصاب طبيبة هندية وقتلها، فالكفاح النسوي والمرأة وحقوقها، جزء من المدى الديني تحت اسم المؤتمر الإسلامي الديمقراطي وفي صلب استقلالية المرأة في طرح ونقاش المواضيع المهمة للمؤسسات النسوية الأخرى، في مجال الإصلاح الديمقراطي، فنحن أتينا بشيء جديد، لكن الإسلام هو المبادئ، مع ارتباط الديمقراطية بالإسلام وميثاق المدينة لجهة احترام الأديان والمعتقدات والمرأة، حيث تم إعطاء صدى للنساء اللواتي تعشن ضمن ظروف صعبة وضغوطات وعنف".
ولفتت إلى أن "الحركة النسائية وصلت الى درجة هامة ولكن ليس الأمثل، فلا زال هناك معاناة مع الذهنية الذكورية والعائلية والعشائرية، فالتطبيق مختلف من مجتمع لآخر، ولكن وجود هذه الحركة وقوة المرأة، والتضحيات من النساء من مختلف الأديان والمعتقدات والاثنيات، أعطت الثورة أرضية وسنداً للحركة النسوية على مستوى الشرق الأوسط والعالم، فمجالس الحكم والرئاسة المشتركة مناصفة، ضمن حلف ديمقراطي وسياسي وبالاتحاد نصل إلى حقوقنا".
ونوهت أفين يوسف الحجي إلى أن "دور تركيا بضرب السجون وفتح الممرات لداعش وأفرادها للخروج وارتكاب العنف ضد الناس، وبوجود بعض الخلايا النائمة التي تمكن داعش كل فترة بالقيام بعملية، وهناك أطفال يقولون ويهددون أننا سنقتلكم، وللأسف نعاني من عدم تقبل الدول للأطفال والنساء، فالديمقراطية لديهم تحقيق غاية معينة، وهناك محاولات للفصل بين النساء واحتواء جماعات، عبر مشروع لإعادة تأهيل النساء الخارجات من مخيم الهول، مثل منظمة هيئة العدالة عبر محاضرات أسبوعية، وهناك نقطة أنه لا مجال للوصول إلى النساء من خلال الدين، فلديهن مسلمات راسخة، ولكن التغيير تدريجي وبشكل غير مباشر، كما ومن الملحوظ كثرة الأجنبيات اللواتي يريدن الخروج من وضعوا اللواتي هن فيه لكن دولهم لا تقبل رعاياها أو الاتصال بهن".
وأشارت إلى أن "هناك مشاريع لتطوير خبرات النساء والاستفادة منها، وعلينا العمل على قراءة الماضي والعودة إليه كما حصل في الجزائر مثلاً، حتى نفتح مجالاً لنستفيد ونمشي بخطى أفضل نحو المستقبل".
من جهتها، ألقت الدكتورة أمل مختار الضوء على "وضع مخيم الهول وغيره، وما يجري من عنف نساء ضد نساء ووضع مخيف من اعتداء على الحرس واغتصاب وعنف وإنجاب الأطفال أو اشبال الخلافة، وأن هناك حركة وتمويل مرتبط بدول كبرى، لتتحمل مناطق إقليم شمال وشرق سوريا هذا العبء من وجود هذه القنبلة الموقوتة، مع رفض الدول إعادة رعاياها، وهناك دور أساسي للنساء لوقف العنف داخل هذه المخيمات، حيث تقوم النساء اللواتي لديهن الخبرة الأكثر في نشر السلام، وعلى المجتمع النسوي العمل على الرواية العكسية وبقوة من الداخل والبحث عن الحلول بأسرع وقت ممكن".
وعن سبب التركيز على استقطاب النساء لدى التنظيمات الإرهابية من خلال الأبحاث، أوضحت الدكتورة أمل مختار أنه "من الأمور الأساسية للتفريق بين تنظيمي القاعدة وداعش، فطالبان والتي أسست القاعدة حالة مختلفة، حيث تعمل على أرض أفغانستان، وضمت مجموعة من الأفغان العرب ضد الاتحاد السوفييتي، ولم تكن طالبان تركز على المرأة، ولم تحاول استقطاب النساء من الخارج، أي وضع المرأة كان ثانوياً، أما داعش ومنذ نشأتها، قامت بتنظيم مختلف تماماً ابتداء من دولة الإسلام في العراق، ثم امتداداً إلى الشام أي تاريخ إعلان الدولة، فهي أول حركة تفتح الدعوة للنساء قبل الرجال، وهي حالة جديدة في دراسة التنظيمات، فقد ضمت داعش محترفين من السياسيين والعسكريين السابقين في العراق ومنذ نشأتها هناك دعوة قوية للنفير للدولة أي الإعلان أنها الدولة الوحيدة التي يمكن أن تسمى بالإسلام، وهي تشبه تماماً بداية تشكيل نشأة إسرائيل، أي مجموعة من المقاتلين جاءوا إلى أرض لتشكيل دولة، وجاءت الدعاية وإغواء للنساء والفتيات للهجرة إلى داعش، فتوجهت للنساء بصورة كبيرة، للقيام بواجب الزواج والإنجاب المستمر، كونها تحتاج لإنشاء دولة وتحتاج لمواطنين، وهي حالة خاصة ومستمرة بهذه الطريقة وفي كل مكان تتواجد فيه، وتجند النساء والأطفال والنساء المنجبين أطفالاً وتقتطع أراضٍ، والغريب أنه حتى في مخيم الهول فحالة التجنيد مستمرة وتجنيد النساء وتربية الأطفال على مبادئ داعش وهو أمر مقدس بالنسبة لهم، وبخلاف القاعدة وأي تنظيم آخر".
وكانت هناك مداخلة من العضوة في مسيرة المرأة العالمية شريفة خضر من الجزائر التي أوضحت أن "الحالة في الجزائر خلال فترة العشرية الحمراء أو السوداء في تسعينيات القرن الماضي، ضمت مصطلحات دخيلة على الجزائريين كزواج المتعة، حيث كانت العائلات ترفض هذا الأمر، عندها بدأ الاختطاف واغتصاب الفتيات، وكانت تحصل حالات قتل بالمئات في كل ليلة وفي كل قرية، ولو اتعظنا من هذه التجربة، لما وصلنا إلى داعش، من خلال الخبرة الأليمة التي عاشتها الجزائريات، والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الدول العربية والمنظمات العالمية التي اتهمت النسويات بأنهن نساء الجنرالات والسلطة، فلم يتم اعطاء الحق للحركات النسوية، لأنهم اعتبروا أن الإسلامي يمارس حقه الديمقراطي، وعند محاربتنا العنف الديني تم اتهامنا بأننا ضد الديمقراطية، حيث كانوا يدرسون الديمقراطية بعدم تكلم النساء عن الإسلاميين رغم مجازرهم المرتكبة، وفي 1991 فازوا بالانتخابات الإسلامية ولكن لم يأخذوا السلطة، وكانوا يقتلون الأخ والأب، فإذا لم يقتلوا الرجال لا تصبح النساء حلالاً وسبايا، وهي أيضاً كلمة دخيلة على المجتمع الجزائري، وكذلك زواج المتعة".
وأضافت "وللأسف، هناك أربعة آلاف امرأة اختطفت واغتصبت ومعظمهن بصورة جماعية، وقد حصلنا على الأرقام من الصحف، لكن الأرقام الرسمية لا أحد يعرفها حتى الآن أو التكلم عنها لأن كل مؤسسة لها أرقامها الخاصة، والمؤسسات الأمنية لا تتعامل مع بعضها البعض، وأحياناً من عائلة واحدة يتم إبادة معظم أفرادها، فكل المجتمع القريب منها يعطون الأرقام، واللواتي عادوا فقط 20 فتاة".
وأوضحت "في العشرية الحمراء والسوداء حسب الإسلاميين، تم قتل أكثر من 200 ألف شخص والبعض فقدوا أعضائهم، والشهادات من القلة القليلة من الفتيات المغتصبات اللواتي عدن وكما ذكرت لا يتجاوزن 20 من أصل 4 آلاف".
من جهتها قالت الدكتورة نعمت الكوكو من السودان في مداخلتها "ما يحصل في السودان من تنكيل بعيداً عن عيون الإعلام للنساء والفتيات كارثي بل ربما بصفة أكبر، فلا زالت نضالات المرأة السودانية تأتي إلى البال والهجمات الهمجية ومنها الأخيرة ضدها"، مضيفةً "ما يحصل في السودان نموذج حي للإسلام السياسي، فخلال 30 عاماً عاشت السودانيات في ذل ومهانة وكانت الثورة وسيلة لاسترجاع الحقوق".
وأكدت أنه "كل ما تقوم به الدولة الدينية هو إقصاء النساء، ومنها قانون النميري 1983 واعتماده رفع الشعارات القومية، مثل الرئيس المؤمن، وتتوالى الأحداث في كل الدول والحقيقة أن الدول التي لا تتحمل الدولة المدنية والمواطنة سواء جاءت باسم الاشتراكية والإسلام، فهي دكتاتورية وتنتهك حقوق الإنسان ولا سيما النساء على مستوى التشريعات والقوانين، كما تنهب الموارد عبر الرأسمالية الإقليمية أو الدولية، والمحصلة لا علاقة بين الديمقراطية والإسلام السياسي، ومن هذه الأمثلة من تونس من الإخوان المسلمين، وكانت أهم شعاراتها المحافظة على العلمانية والديمقراطية، لبدأوا بالانقلاب ضمن خطط ممنهجة للوصول إلى السلطة والتغيير على حساب النساء".
وترى نعمت الكوكو أن الحل هو "بالديمقراطية كمنهج صالح لكل زمان ومكان، مع ربطها بالمدنية، والدولة المدنية بوجه الدولة الدينية، وبوجه الرأسمالية الإمبريالية المتوحشة وداعش الدولة الدينية، فالنساء هن الفئة الاجتماعية المتاح استغلالها، فهذه الحركات دعوة دينية مغلفة بالديمقراطية، ولكن جوهرها إسقاط الآخر والتنكيل بالنساء بهدف الحصول على الموارد والسلطة".
وأشارت إلى أن "الوضع في السودان كارثي، وقد دفع جيل الثورة والنساء والأطفال والرجال ثمنه، حيث يعمل التنظيم الإسلامي على تهريب الذهب والحصول على الموارد والأراضي واستنزافها، واستخراجها لمصلحة تركيا وماليزيا وإندونيسيا والمنظومة الإسلامية للدول، ومنها تدخل الإمارات مع قوات الدعم السريع وامدادهم بالأسلحة لكي يستمر استنزاف السودان من الذهب، فهي حرب للحصول على الموارد والمياه".
وختمت حديثها بالقول "السودان مرشح لصفة الجريمة ضد الإنسانية باستخدام سلاح الاغتصاب ضد النساء، وبأنه يتحول إلى النموذج الليبي وتقسيم السودان على دولتين، حيث يتم ترويض الحكومتين وهي كارثة ستدفعها كل المنطقة، فعلينا تفادي أي مشروع تحت عباءة الإسلام".
ولخصت رئيسة تحالف ندى بشرى علي الندوة بأن "الإسلام السياسي السلطوي سلفي أو تكفيري وطريقة الوصول إلى الحكم، هي في مقابل ثقافة الإسلام الديمقراطي، وهي ثقافة تخص الفرد بعيداً عن الحكم، وتطوير العادات والتقاليد، لأن كل التيارات الإسلامية تقوم باستخدام الدين للوصول إلى الحكم، ليصبح أداة للتكفير واقصاء الغير بعيداً عن سياسة التسامح والتشارك، وهي قوى بيد الدول الكبرى مستفيدة من الأرضية الخصبة والاستفادة من عوامل الفقر والبطالة والهجرة وغيرها، وقد أدى ضعف الحركات النسوية إلى انخراط النساء في هذه التيارات، ولكن مع صعود الحركات النسوية مع دخولنا الألفية الثالثة، أصبح الأمر معاكساً، وصار يشكل خطراً على هذه التنظيمات، فأصبحت هناك ضرورة لديهم لإسكاتهن وهي طريقة الإسلام السياسي باستهداف النساء والأطفال كما ترغب سياساتهم".
وبينت أنه "تم استخدام داعش بمواجهة الحركات النسائية، لذا فإن أهم أداة تستخدمها النساء هو الإعلام بشكل فعال، وكلما تزداد النبرة النسوية يمكن وقفهم، لذا يعتمدون حالة من الحرب الممنهجة لإيقاف المد النسوي".
وأوضحت أن "العراق كنظام حالي يهاجم داعش والقاعدة، ولكن قانون الأحوال الشخصية بوجود جماعة من المحافظين او التيارات القديمة الذكورية الذين يريدون المحافظة على التقاليد القديمة سواء في اليمن والعراق، وبينما عليهم مواجهة الصراعات يتجهون للسيطرة على الفتيات، فهم يقبلون بكل النزاعات والحروب ولكن لن يقبلوا تغيير الأنماط والمفاهيم التقليدية بما يخص المرأة".