"الأربعين" فيلم يسلط الضوء على معاناة النساء في حياتهن اليومية
سلط فلم "الأربعين" الضوء على معاناة النساء اليومية والضغوطات التي تتعرض لها سواءً من العائلة أو المجتمع أو حتى في العمل حتى يصل بهن أن تنسين صوتهن الداخلي.
رجاء خيرات
المغرب ـ "على الرغم من القوانين التي تحمي النساء، لكنهن لا تزلن تصطدمن بالهيمنة الذكورية التي تحول دون تحقيق المساواة، وهو ما يستدعي ضرورة تغيير العقليات والمعتقدات السائدة في المجتمع"، بهذه الكلمات أكدت المخرجة التونسية سناء الجزيري ما تعانيه النساء في حياتهن اليومية.
تخوض النساء معارك يومية للقيام بمهام روتينية تثقل كاهلهن من تنظيف وطبخ واعتناء بالأطفال وغيرها من المهام التي تنفردن بإنجازها، وتنسين في خضم كل ذلك أن تلتفتن لذواتهن، ذلك ما أراد فيلم "الأربعون" أن يبرزه بشكل مكثف أثناء عرضه، أمس الأحد 12 أيار/مايو خلال المهرجان الدولي للسينما الإفريقية الذي تتواصل فعالياته لليوم الثاني ويستمر حتى الثامن عشر من الشهر الجاري.
ويشارك فيلم "الأربعين" للمخرجة والسيناريست التونسية سناء الجزيري ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، حيث تدور أحداثه حول الشخصية المحورية "فاطمة" وهي أم لطفلين وتعمل صحافية، لكنها تعيش في دوامة يومية من المهام الروتينية التي لا تخرج عن نطاق خدمة أفراد أسرتها والتزاماتها المهنية، إلى أن تقرر ذات يوم أن تأخذ يوما للتحرر من كل تلك الأعباء المنزلية، لتكتشف أنها في خضم كل ذلك نسيت أن تفكر في ذاتها ومشاريعها الخاصة، وتنخرط في سلسلة من الأسئلة التي تتناسل في رأسها عن جدوى كل ما تقوم به بشكل يومي.
يوم كامل تقضيه "فاطمة" لوحدها في البيت كان كافياً ليخرجها من شرنقة الالتزامات الأسرية ويجعلها تدخل في جدال مع نفسها حول الأيام التي تنسل من بين يديها.
وعن موضوع الفيلم قالت المخرجة التونسية سناء الجزيري إن فكرة الفلم مقتبسة من قصة "صباح الخير أيها الأربعون" ضمن المجموعة القصصية "حفل الأشباح" للكاتبة والروائية التونسية آمال مختار، بعد أن أعجبت بأسلوبها في الكتابة.
وأضافت أن مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورته الأخيرة خصص جزءاً للاقتباسات الأدبية التونسية، مما دفعها لاختيار هذه القصة والمشاركة فيها، حيث انجذبت للقصة لواقعيتها، لأنها تتضمن رسالة قوية لا تهم فقط التونسيات بل كل النساء.
ولفتت إلى أن النساء جميعاً تعشن ضغوطات يومية خانقة، سواء من العائلة أو المجتمع أو العمل، وفي خضم كل ذلك تنسين صوتهن الداخلي، إلى أن تقعن فيما يسمى بأزمة منتصف العمر، حيث رحت هذه الفكرة بشكل رمزي في الفيلم وقد يمكن أن يكون في كل مراحل العمر.
وأكدت أن الإدراك والوعي الذي حصل لدى "فاطمة" بطلة الفيلم كونها تكرس جهدها ووقتها لخدمة أفراد عائلتها وعملها، دون أن تمنح نفسها وقتاً يسيراً للاعتناء بذاتها، لافتةً إلى أنه من الصعب أن تهتم المرأة بالآخرين أن لم تهتم بنفسها.
وحول ما إذا كان هذا الوعي يتحقق لدى بعض النساء خلال الأربعين من عمرهن، قالت إنها عندما فكرت في تحويل قصة "صباح الخير أيها الأربعون" لسيناريو، أخبرتها الكاتبة آمال المختار أن كل قصص مجموعتها خيالية باستثناء هذه القصة فقد كانت واقعية مستمدة من تجارب عاشتها الكاتبة.
ولفتت إلى أن هذا الوعي الذي يحصل عند النساء للاعتناء بذواتهن، ليس بالضرورة أن يرتبط بهذه المرحلة العمرية "الأربعون" لكنه قد يحصل قبل ذلك أو بعده بحسب الظروف، أما عن الفيلم فقد طرح هذه المرحلة العمرية بشكل رمزي فقط، ليظهر أن النساء في خضم الحياة اليومية وانشغالاتهن الروتينية تنسين أحيانا أن تمنحن أنفسهن فسحة للتفكير في ذواتهن وأحلامهن المؤجلة ومشاريعهن الخاصة بعيداً عن الالتزامات الأسرية والمهنية.
وأشارت إلى أن الموروث الثقافي للمجتمعات العربية يكرس هذا الوضع الذي تعيشه النساء، حيث أنه أحياناً يبدي الرجال رغبة في المساعدة وتقاسم المهام الأسرية، لكن بعض النساء بحكم التربية والمعتقدات الخاطئة تنفردن بهذه المهام وتحتكرنها ظناً منهن أنهن الأقدر على إنجازها.
وحول وضع المرأة التونسية، أشارت سناء الجزيري إلى أنه بفضل القوانين التي تحمي النساء، فإنهن استطعن أن تتمتعن بالكثير من الحقوق وذلك منذ عام 1956 مع تحرر البلد، لكنهن لا تزلن تصطدمن بالهيمنة الذكورية التي تحول دون تحقيق المساواة، كما أن بعض النساء لازلن تعانين من العنف، رغم صدور قانون مناهضة العنف ضد المرأة عام 2017، وهو ما يستدعي ضرورة تغيير العقليات والمعتقدات السائدة في المجتمع، لأن القوانين وحدها لا تكفي لتحقيق التغيير.
وعن القضايا التي تشغلها في السينما وحضور المرأة فيها، أشارت إلى أن ما يهمها في المعالجة هو نظرة المرأة وحساسيتها ورؤيتها الفنية الخاصة، من خلال طرح قضايا ذات أبعاد إنسانية تلامس وتخاطب وجدان أي متفرج كيفما كانت ثقافته وانتماءه.