الألم الذي أصبح كنزاً... أطفال متلازمة داون

في قلب بلدة صغيرة، وفي خضم الحياة اليومية الصعبة، هناك أمهات لم يقفن ضد المعاناة، بل في أحضانها، بفضل حبهن اللامحدود وجهودهن المتواصلة، فقد منحن أطفالهن المصابين بمتلازمة داون فرصة النجاح، مرات عديدة.

سوما شيباني

سنه ـ يعتبر الأشخاص المصابون بمتلازمة داون أفراداً قادرين وأذكياء، ولكن التعليم يلعب دوراً أساسياً في استخدام هذا الذكاء والقدرة وتطويرهما، وتلعب الأسرة والنظام التعليمي دوراً هاماً في تربية وتعليم هؤلاء الفئة.

كم عدد الأطفال المصابين بمتلازمة داون الذين فقدوا فرصة الحصول على حياة ذات جودة بسبب قلة أو نقص الاهتمام؟ كما أن العائلات التي لديها طفل مصاب بهذه المتلازمة تفتقر أيضاً إلى فوائد الحياة الطبيعية في كثير من النواحي، لأنها مضطرة إلى قضاء المزيد من الوقت وبذلك الطاقة، وأحياناً حتى التضحية بنفسها ورغباتها الخاصة، لرعاية أطفالها، ومن بين القضايا التي تعاني منها هذه الأسر المزيد من الاهتمام والتربية والتعليم، ويجب عليهم العمل بجهد أكبر من الأسر العادية للوفاء بأدوارهم كأمهات وآباء على النحو اللائق.

يقع الأهل في حيرة في الأيام والأشهر وربما السنوات الأولى من ولادة هؤلاء الأطفال، ويتساءلون عن كيفية التعامل مع هذه المهمة، قد يشعرون بالملل والاكتئاب، ويفقدون أنفسهم، أو يشعرون بالإحباط ويتوقفون عن المحاولة، ويتخلون عن طفلهم كما هو، ويتوقفون عن تربيته، ومع ذلك، فإن بعضهم يعتبرون أيضاً هذه المعاناة فرصة لتحقيق رسالتهم، ويرونها فرصة لمزيد من التعلم والنمو.

على الرغم من أن الأم والأب في العائلات التي تعاني من متلازمة داون يعانيان من صدمات نفسية وعاطفية، إلا أنه يتعين علينا أن نقبل أن المعاناة والصعوبات الأكبر تقع على عاتق الأمهات كونهن يقضين أغلب وقتهن مع هؤلاء الأطفال ويستخدمن قوتهن لتوفير حياة طبيعية لهم، وعليهن أن يخصصن سنوات عديدة من وقتهن لتعليمهم التخصصات الفنية والرياضية، لأن بعض هؤلاء الأطفال ليس لديهم القدرة على الكلام أو الحركة ويحتاجون إلى مزيد من الوقت للتعلم.

تعاونت مجموعة من العائلات المهتمة في مدينة سنه بشرق كردستان والتي لديها طفل مصاب بمتلازمة داون وساعدت بعضها البعض لإنشاء مركز يسمى مركز متلازمة داون، وقد توصلوا إلى أن الأطفال ليسوا وحدهم من يحتاجون إلى المساعدة، بل إن الأسر أيضاً هي التي تحتاج إليها، ومن خلال إنشاء مركز خاص، فإنهم يستطيعون مساعدة أنفسهم وكل الأسر المماثلة، وربما من خلال القيام بذلك يمكنهم تقليل معاناتهم وصعوباتهم ومساعدة الأشخاص المصابين بمتلازمة داون على التطور، وحركة جماعية مفيدة وفعالة بالتأكيد يمكنها أن تجعل هذا المعاناة الكبيرة مفهومة وتحولها إلى كنز نادر، وقد تمكنوا حتى الآن من تعليم العديد من الأطفال ومساعدتهم على النجاح في مختلف المجالات الفنية والرياضية.

الدكتورة إلهة قادرمزي هي واحدة من هؤلاء الأمهات المهتمات، وعضوة في مركز متلازمة داون، ولديها ابنة تبلغ من العمر 21 عاماً تعاني من متلازمة داون، ومجال عملها هو المختبر، ورغم أن دورها كأم أخذ الكثير من وقتها وطاقتها، إلا أنها استطاعت أن تنجح في مجالاتها الأكاديمية والمهنية، وقالت "تعرّفتُ على متلازمة داون عام ٢٠٠٤ مع ولادة ابنتي التي تعاني من حالات خاصة، ومنذ ذلك العام، تواصلتُ وتعاونتُ مع عائلات مماثلة، كنا نُقيم اجتماعات لتشجيع بعضنا البعض وتبادل خبراتنا، حتى نجحنا في عام ٢٠١٩ في تسجيل مركز خيري لمتلازمة داون على مستوى مدينة سنه بمساعدة عدد من الأشخاص، وأصبحت صفوفنا رسمية وقد شملت الموسيقى والرسم والمسرح وعلم النفس".

وأوضحت أن "السنوات السبع الأولى من حياة هؤلاء الأطفال هي سنوات ذهبية وهم يحتاجون إلى تلقي التعليم اللازم، فإذا تمكنا من توفير علاج للنطق والعلاج المهني وغير ذلك من الأنشطة الضرورية لهم خلال هذه السنوات، فإنهم يستطيعون حتى الذهاب إلى المدارس العادية".

وأضافت "في بعض الأحيان يكون لديهم مواهب خاصة وبعضهم أبطال السباحة، شاهو محمدي من مهاباد هو بطل السباحة في المياه المفتوحة، وبيام يارالي من سنه بطل السباحة في شمال كردستان، وباريا زاندي ومريم زاندي ونيدا أحمدي ينشطن في رياضة الكاراتيه وحصلن على ميداليات، ولعب أطفال آخرون أيضاً أدواراً مهمة في السينما والمسرح والموسيقى".

وأشارت إلهة قادرمزي إلى أن معظم أعضاء المركز من النساء "كما ترون، لعبن دوراً مهماً هنا أيضاً، ولم يستسلمن للظروف، واستفدن مواهب أطفالهن إلى أقصى حد وساعدنهم على النجاح، كما لدينا مجلس أمناء في المركز يقدم لنا التوجيهات وقد يقدم لنا الدعم المالي في بعض الأحيان، وبالطبع هناك أشخاص آخرون يدعموننا"، مضيفةً "لقد قمنا بعمل مسابقات محلية وإقليمية ووطنية للأطفال قدر الإمكان، كما قمنا بعمل معارض لأعمالهم اليدوية والفنية الفردية والجماعية بالتعاون مع منظمات أخرى".

وأشارت أنه "في البداية، عندما واجهت مثل هذه الحالة، شعرت بالاكتئاب وظننت أن العالم قد انهار عليّ وقلت: لماذا أنا؟ لكنني توصلت لاحقاً إلى هذا الاستنتاج وأدركت أن هذا الطفل كان يدلني على طريق النمو والتطور، ولعل مهمتي هي توفير مكان آمن لهؤلاء الأطفال، ومنذ عام 1997، نطالب بالحصول على أرض لبناء فصول دراسية، وحمام سباحة، وصالة ألعاب رياضية، ومساكن، وما إلى ذلك".

ولم تسمح هذه العائلات، وخاصة الأمهات، لمعاناتهم بتعطيل حياتهم، بل على العكس، فقد نظروا إليها كتحدٍ في الحياة وآمنوا أنهم قادرون على التغلب على هذا التحدي بأمان، ورغم أنهم لم يعيشوا سنوات طويلة يكرسون أنفسهم فيها لهؤلاء الأطفال، إلا أنهم يعتقدون أنهم نضجوا من خلال هذه المعاناة وأصبحوا نسخة أكثر جمالاً من أنفسهم.