اختتام فعاليات مهرجان أيام بيروت السينمائية

جذبت فعاليات مهرجان أيام بيروت السينمائية بدورته الـ 11 جمهوراً كبيراً، بسبب الأزمات التي يعيشها الشعب اللبناني والذي جسدت بعضاً من واقعه وأزماته.

كارولين بزي

بيروت ـ اختتم مهرجان أيام بيروت السينمائية دورته الـ 11 أمس الأحد 19حزيران/يونيو، في حفل موسيقي للفنانة اللبنانية ريما خشيش تعود فيه إلى الزمن الجميل وتقدم فيه أغنيات لفنانات وممثلات مصريات.

بالعودة إلى الأفلام التي عُرضت ضمن فعاليات مهرجان "أيام بيروت السينمائية"، سلطت وكالتنا الضوء على عدد من الأفلام التي تنوعت بين وثائقي وروائي.

 

"البحر أمامكم"

فإلى جانب فيلم الافتتاح "فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلّام، تابعت وكالتنا أفلام أخرى مثل "البحر أمامكم" للمخرج اللبناني ايلي داغر، فيلم "كباتن الزعتري" للمخرج المصري علي العربي، والفيلم الوثائقي "إعادة تدمير" للمخرج اللبناني سيمون الهبر.

يروي فيلم "البحر أمامكم" قصة شابة تُدعى "جنى" تؤدي دورها الممثلة اللبنانية منال عيسى. تعود جنى من باريس إلى بيروت، بعد أن سافرت لاستكمال دراستها في الخارج. لكن جنى الضائعة في عالم لا تكشف عنه، تعود إلى عائلتها من دون أهداف ولا أحلام ولا طموحات، عادت إلى بيروت التي فقدت الحياة والتي لطالما كانت مقصداً للسيّاح، كما يذكر حبيبها في العمل.

يسلط المخرج الضوء على المباني التي ارتفعت أمام شرفة منزل جنى والتي حجبت رؤية البحر. في الفيلم الذي لاقى بعض الانتقادات من المشاهدين في العرض الذي خُصص للصحفيين بسبب تساؤلات التي لم تلق جواباً، تكتشف جنى في النهاية بأنها تسعى لأن تغيّر من نفسها ولكن من دون هدف، جنى التي أُتيحت لها فرصة الدراسة في فرنسا والعمل، لم تستفد من تلك الفرصة لأنها لم ترسم لمستقبلها هدفاً تسعى لتحقيقه أن كان في فرنسا أو لبنان أو أي بلد آخر فكان مصيرها الفشل.

 

"كباتن الزعتري"

أما "كباتن الزعتري" الفيلم الذي شارك بمهرجانات سينمائية عالمية، كان له وقعه الخاص على المشاهدين وعلى أبطال العمل. "كباتن الزعتري" الذي مشى خلف أحلام شباب حرمتهم الحرب في سوريا من الفرص ولكنها لم تستطع أن تسلبهم الحلم.

لم تكن مهمة المخرج علي العربي سهلة لتصوير الفيلم الوثائقي الطويل "كباتن الزعتري" في مخيم الزعتري في الأردن، على غرار صعوبة الحياة التي كان يعيشها كل من محمود داغر وفوزي قطليش خلف الأسلاك الشائكة، لكن الحلم والطموح بالوصول إلى العالمية في لعبة كرة القدم، لم تحبسها تلك الأسلاك.

خلال زيارته لمخيم الزعتري اكتشف علي العربي شغف "محمود" و"فوزي" في لعبة كرة القدم، الفيلم الذي كان يتطلب أشهراً تحول إلى أكثر من ست سنوات، فعاش مخرج العمل تفاصيل حياة اللاجئين في المخيم، لم يلتقط معاناتهم بل استطاعت كاميرته أن تلتقط أحلامهم ومشاعرهم وتلك الإرادة الصلبة في تحقيق الحلم، في غد لم يستسلم للحرب.

من مخيم الزعتري في الأردن تم اختيار محمود وفوزي وغيرهما للمشاركة في تدريبات تنظمها أكاديمية "أسباير" في قطر، وبالفعل يستطيع الثنائي مع عدد من اللاجئين السوريين الذين تم اختيارهم من المخيم بأن يصعدوا بداية سلم النجاح، بدأ ذلك الحلم بالتحقق عندما أدخل فريق "أحلام سوريا" الأمل مجدداً إلى قلوب أولئك الذين دمرت الحرب بيوتهم وحوّلت فيها المواطن إلى لاجئ. إذ يقول محمود بعد الفوز الذي حققه فريق "أحلام سوريا" في قطر "لما صار اسمي لاجئ سلبوا مني الفرص ولكنهم لن يستطيعوا أن يسلبوني أحلامي".

محمود وفوزي اليوم يستكملان مسيرة بدأت بكرة قدم كانا يلعبان بها في المخيم، وهما يستعدان لاستكمال هذا الحلم الموجود لدى العديد من الشبان/الشابات الموجودين في الملاجئ في كل مكان.

نال "كباتن الزعتري" إعجاب المشاهدين الذين تأثروا بأحداث الفيلم، فدمعت عيونهم عندما عرقلت الأحداث في البداية اختيار فوزي للمشاركة مع فريق "أحلام سوريا" في قطر، وعلت الصيحات والتصفيق عندما فاز فريق سوريا في المباراة.

 

"لاستكمال الحلم"

وبعد العرض، قالت الفنانة التشكيلية ريما كبي لوكالتنا "اصطحبنا الفيلم للعيش داخل مخيم الزعتري. العمل لم يسلط الضوء على المأساة والمعاناة والبؤس والمرض التي اعتدنا أن نرصدها في أعمال عن اللاجئين أو النازحين، لا بل على العكس جعلنا نركض خلف الحلم الذي هو الهدف".

وأوضحت "كنا نرصد كل خطواتهم ونمشي معهم وراء حلمهم. أنا لا أتابع كرة القدم ولكنني كنت أريد أن يفوزوا، شعرت بالحزن عندما شعروا بالحزن، تضايقت عندما أُصيبت قدم فوزي، شعرت أنني جزء من هذا الفيلم، وكأن أولادي هم الذين يلعبون كرة القدم، ونعم شعرت بأنني أريدهم أن يحصلوا على ما يسعون إليه".

وأضافت "أتمنى ألا يتوقف حلمهم أو هدفهم هنا، لأنهم يتمتعون بقدرات بدنية جيدة، لذلك أتمنى لهم استكمال الحلم".

وعن مشاركتها في المهرجان، تقول "تشّكل مشاركتنا كـ "بيت ثقافة وفنون" في شبعا في فعاليات الدورة 11 من أيام بيروت السينمائية نجاحاً كبيراً. أن يُذكر اسمنا في أقل سنة كمساحة ثقافية وفنية تعرض أفلاماً من "أيام بيروت السينمائية"، هذه بالنسبة لنا نجاح لم نحلم به".

وأوضحت "شبعا متعطشة لكل شيء، من ثقافة وفن. نظمنا من خلال بيت ثقافة وفنون على مدى سنة تقريباً عدداً من الورش الفنية (رسم، مسرح، نحت) والآن قمنا باستقدام السينما إلى شبعا فهذا إنجاز كبير لنا وللمنطقة".

 

 

"الأصداء فاقت التوقعات"

المديرة التنفيذية لأيام بيروت السينمائية جيسيكا خوري، قالت لوكالتنا عن أصداء المهرجان "عندما نظمنا المهرجان بدورته الـ 11 لم نعتقد أن فعاليات المهرجان ستجذب جمهوراً كبيراً بسبب الأزمات التي نعيشها، حتى منطقة "أسواق بيروت" حيث تقع سينما سيتي أصبحت مدينة أشباح. إلا أن كل بطاقات الأفلام نفذت لذلك اضطررنا إلى فتح صالتين لعرض كل فيلم، إذ شاهد كل فيلم بين 200 و250 شخصاً، سعيدون جداً باستعادة بعضاً من الحياة الثقافية في لبنان".

وعن تفاعل الجمهور مع الأفلام، تقول "الجمهور سُعد بالأفلام المعروضة في المهرجان لأنها لا تُعرض في صالات السينما في لبنان، فحال السينما تدهور ككل شيء في لبنان، كما تدور حلقات نقاش وتبادل آراء بعد كل فيلم بين المخرج/ة والجمهور".

اعتبرت جيسيكا خوري أن الأفلام اللبنانية كانت جاذبة للجمهور لأنها تشبه الشعب اللبناني أكثر، لذلك تنال الأفلام اللبنانية في كل الدورات التي تم تنظيمها أصداءً مختلفة عن أصداء الأفلام العربية.

وأضافت "استطاع الفيلم المصري "كباتن الزعتري" أن يحدث تفاعلاً كبيراً بين الجمهور والمخرج، إذ امتدت حلقة النقاش لنحو ساعة ونصف الساعة، واضطررنا إلى ايقاف حلقة النقاش لاستكمال العروض التالية. عندما يكون المخرج موجوداً يكون هناك تفاعل أكبر مع الفيلم وأحداثه".

وعن كيفية تحديد جنسية الفيلم، تقول "يتم تحديد هوية الفيلم وفقاً لجنسية المنتج، علي العربي هو المنتج والمخرج للفيلم لذلك نقول بأن الفيلم مصري، كما أن الفيلم حصل على تمويل من لبنان وقطر، تم إنتاج جزء منه في لبنان ولكن باقي العمل أُنجز في مصر".

وأكدت جيسيكا خوري أنها المرة الأولى التي يختتم "أيام بيروت السينمائية" فعالياته بحفلة موسيقية، وتقول "تستعيد ريما خشيش في الحفل أغنيات الأفلام القديمة، بهدف إدخال البهجة إلى المدينة التي تحتضر ولكننا لا نريدها أن تموت".     

 

 

"إعادة تدمير"

وبين المدينة التي يحاول "أيام بيروت السينمائية" إحياءها وبين ما دأبت الدولة اللبنانية بأذرعها كافة على تدميره، أعاد الفيلم الوثائقي "إعادة تدمير" مشاهد تشويه مدينة بيروت التي انتهجتها شركة إعادة الإعمار "سوليدير" وشركات التطوير العقاري وخلفها المنظومة السياسية في لبنان منذ ثمانينات القرن الماضي.

على الرغم من أن مشروع ما بعد الحرب الأهلية حمل عنوان "إعادة إعمار" إلا أن إعادة الاعمار كانت عبر تهجير أبناء المدينة وتشويه معالمها.

سلط العمل الضوء على كيفية تحويل المباني القديمة والتراثية إلى مطاعم ومقاهي وحانات، ولم تعد البيوت التراثية التي سُلبت من اللبنانيين إلى أهلها. لم تسع شركات التطوير العقاري إلى ترميم تلك المباني ولكنها اعتمدت سياسة الهدم وإعادة الاعمار، وذلك عبر استخدام عبارة حفاظاً على السلامة العامة تم تدمير المبنى وسيتم تشييد مكانه مباني تطمس تراث المدينة.

أعاد تفجير سينما ريفولي في وسط بيروت، المبنى الذي عاند سقوطه بالطرق التقليدية على مدى يومين، نسفه الجيش اللبناني بـ 700 كيلوغرام من مادة "تي أن تي"، إلى أذهان الحاضرين انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020. وبالفعل ربط مخرج العمل تفجير الريفولي بانفجار المرفأ، على الرغم من أن الأول كان مفتعلاً والثاني لم يتم الكشف عن خيوطه بعد، إلا أن المخرج اعتبر في رد على سؤال لوكالتنا بأن الإهمال والفساد ومعرفة الجميع بنيترات الأمونيوم التي كانت السبب في الانفجار كلها عوامل تدفعنا لأن نقول بأن هذا الانفجار مفتعل بطريقة غير مباشرة.

رصد الفيلم شهادات لشخصيات عايشت مرحلة التدمير، علماً أن مخرج العمل شارك في بداية الفيلم ساخراً عبارة أن كل الأماكن والأسماء وما يذكره الوثائقي هو من نسج الخيال، ويوضح سيمون الهبر بعد عرض الفيلم بأنه فكر بتغيير تلك العبارة فعلياً إلى "كل ما يُذكر في هذا العمل واقعي وغير هذه الأفكار هو من نسج الخيال".

 

"التدمير الممنهج لبيروت"

كان لوكالتنا محطة مع آراء المشاهدين بعد الفيلم الذي عُرض في "سينما سيتي" في أسواق بيروت وفي سينما "اشبيلية" في صيدا، وتقول تلميذة الإخراج في الجامعة اللبنانية لين عون، وهي احدى تلميذات المخرج سيمون الهبر "يعكس الفيلم الكثير من المراحل التي مررنا بها ولا زلنا، من خراب ودمار وفوضى تعيشها بيروت والبلد والمؤسسات والمعالم وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، ويوثق "إعادة تدمير" التشويه العمراني على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، الذي لحق بالمدينة والتدمير الممنهج على بيروت والعلاقة السامة بين بيروت والسلطة".

وأضافت "أكثر ما أثر بي في الفيلم أنه كيف أصبحت بيروت وكأنها مجرد معرض فني ومدينة نحاول إنقاذها، علماً أن السياح عندما يأتون إلى بيروت يشاهدون التنوع علماً أنها ليست الحقيقة. كما أحزنني كيفية تدمير سينما ريفولي".

 

 

"اكتشفت حقب زمنية أجهلها"

وعن رأيها في "إعادة تدمير" تقول ملاك دياب "أحببت الفيلم واكتسبت من خلاله معلومات كثيرة لم أكن أعرفها لأنني كنت أقيم خارج لبنان. من الأهمية أن يتعرف جيل الشباب الذي أنتمي إليه إلى الواقع الذي يعود إلى حقب زمنية قديمة وموثق بفيديوهات. كما أنني لم أكن أفكر في السابق بأن بيروت التي أعرفها وأستمتع بها اليوم، مرّت بما شاهدته في إعادة تدمير، كيف تأثرت المدينة وكيف عاش أبناؤها وتأثروا سلباً، أعتقد أن كل مدينة تعيش التغيير يكون هناك انعكاس إيجابي وسلبي لهذا التغيير وفقاً لتأثير هذا التغيير على كل شخص، ولكن أتمنى أن تتحسن بيروت أكثر وتهتم الحكومة اللبنانية ليس فقط ببيروت بل بكل المناطق اللبنانية".

 

 

وعن أكثر مشهد أثّر بها، تقول "المشهد الذي تتحدث فيه السيدة التي كانت تعيش في منزل تم بناء مبنى مواجه لشرفته وحجب عنها الرؤية لكنها تقول إن ما يميز لبنان هو الشرفات المطلة على المناظر الطبيعية".