157 عاماً على ذكرى تهجير الشركس من روسيا
خلفت الحرب بين روسيا القيصرية والشركس والتي دامت لأكثر من مئة عام، مئات آلاف الضحايا، وتسببت بتهجير السكان الأصليين من وطنهم.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ فالحرب التي استمرت من عام (1763 ـ 1864)، تصنف على أنها من أكثر الحروب دموية في التاريخ.
أطلقت تسمية الشركس من قبل الأجانب في البداية على إحدى قبائل شعب الآديغة، ومن ثم شملت كافة شعوب شمال القوقاز "قفقاسيا" الممتدة بين البحر الأسود وبحر قزوين، والمتواجدة منذ العصر الحجري وما قبل التاريخ.
منذ التهجير والشركس يعيشون في عدة دول عربية منها لبنان والأردن وأغلب تواجدهم في مناطق شمال وشرق سوريا وخاصة مدينة منبج، ففيها نحو 150 عائلة، لكن عدداً كبيراً منها هاجر مع اندلاع الحرب السورية في عام 2011.
تقول الرئيسة المشتركة للجنة العلاقات الاجتماعية في مدينة منبج زهيدة إسحاق لوكالتنا عن هذه المجزرة "خلال ربع قرنٍ من الحرب ارتكبت أبشع المجازر بحق الشركس، ولم تكن الوحيدة لكنها كانت الأكبر والأكثر بشاعة".
وشكل تاريخ 21 أيار/مايو 1864 بداية النهاية للشركس وشعوب شمال القوقاز المسلمة، فبعد انتصار روسيا القيصرية هجر نحو مليون ونصف شركسي نحو مناطق سيطرة الدولة العثمانية، وهناك فقد نحو 500 ألف شركسي حياته، بسبب الأوبئة والجوع.
وعن سبب اندلاع فتيل الحرب تقول زهيدة إسحاق "أرادوا الاستيلاء على الأراضي الشركسية، للاستفادة من مواردها الاقتصادية، وهذا ما تحقق لهم بعد حرب طاحنة هُجر على إثرها مئات الآلاف قسراً، وتم تغيير المنطقة ديموغرافياً، إضافة لمجازر متعددة".
الكفة لم تكن متكافئة بين القوى المتحاربة والحديث لزهيدة إسحاق، لكن الشعب الشركسي دافع بشراسة عن أرضه حتى الرمق الأخير "عدم التوازن في العدد والعتاد، خلف عشرات الآلاف من الضحايا، والمجاعات، وانتشار الأمراض والفقر، واليوم تمر الذكرى الـ 157 عليها".
ويجتمع شركس شمال وشرق سوريا في الجمعية الخيرية الشركسية التي تأسست في 14 آب/ أغسطس 2017، في كل عام لاستذكار ضحاياهم "نريد أن نحيي هذه المأساة في ذاكرة أبنائنا، لأن المرء بلا تاريخ لا مستقبل له".
وشهدت تلك الفترة الدعم العثماني لروسيا "طَمِع العثمانيين في طريق تركمانستان الذي يعبر من شمال قفقاسية، وروسيا أرادت الوصول إلى البحار، فاجتمعت أطماع الطرفين على أبناء الشعب الشركسي".
وتضيف "الشركس في تركيا يرمون الورود في البحر الأسود، إذ أن أجدادهم فقدوا حياتهم هناك، ولا نأكل الأسماك الموجودة في هذا البحر، لأنها تغذت على جثامين أجدادنا".
وبعد التهجير نحو سوريا، والعراق، ولبنان وعدد من الدول العربية لم يكن الأمر سهلاً "فقدنا الوطن الذي هو الكرامة، واضمحلت ثقافتنا مع مرور الزّمن، ومنع الشركس من إقامة أفراحهم وأتراحهم في تركيا، أو حتى التحدث بلغتهم، وفي باقي المناطق تآلفوا مع الشعوب على الرغم من حرمانهم من حق إعطاء الرأي".
وتشير زهيدة إسحاق إلى أنه من الصعب الحفاظ على ثقافتهم وهم تحت الرقابة، لكن المتواجدين في مناطق شمال وشرق سوريا يتمتعون بحقوقهم كاملةً، "الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا أعطتنا مساحة أكبر لنتمكن من ممارسة ثقافتنا عبر مشروع الأمة الديمقراطية والتعايش المشترك، فافتتحنا جمعية خاصة بنا وبدأنا بجمع بعضنا، وتعليم اللغة والتقاليد الأصلية".
والأقليات هي الأكثر عرضة لمحاولات الإبادة بشكل مستمر، والحديث لزهيدة اسحاق "يريدون سحق الشعوب القليلة، بذرائع واهية، وتاريخنا حافل بالمجازر". وتضيف "المجتمع الدولي لم ينظر إلى هذه المجازر بعين الاعتبار، ولم يحاسب مرتكبيها، وحاول تناسيها، على الرغم من أن ذلك مخالف للمواثيق الدولية".
ولأن تاريخ تركيا حافل بارتكاب المجازر وسياسات التغيير الديمغرافي ضد الكرد، والشركس، والأرمن، والايزيديين، وحالياً في شمال وشرق سوريا بحق أهالي عفرين، وتل أبيض/ كري سبي، ورأس العين/ سري كانيه، فإن سياسية فصل الجذوع عن الجذور، أصبحت منتشرة، بحسب ما تبين.
وفي ختام حديثها ترحمت الرئيسة المشتركة للجنة العلاقات الاجتماعية في مدينة منبج زهيدة إسحاق على شهداء مجزرة الشركس، وعلى جميع الشهداء، وشددت على أنه ينبغي تذكير أبناءهم بهذه المجزرة، وإحيائها في ذاكرتهم، كي لا ينسوا أجدادهم، وما عانوه من شتات.