100 عام... الأسباب الكامنة وراء "كارثة القرن"

اختتمت تركيا يوم الخامس من شباط/فبراير جدول أعمال الانتخابات المحتملة والتي تسمى بـ "انتخابات القرن"، واستيقظت في اليوم التالي على حدوث زلزال بقوة 7.7 درجة، تحول هذا الزلزال إلى كارثة القرن، فهل الأسباب التي هيأت لكارثة القرن مستقلة عن نظام دام ١٠٠عام؟

بريتان ساريا

في اليوم الـ 32 بعد حدوث الزلزال حيث كانت غالبية المقاطعات الـ 10 المتضررة من الزلزال الذي ضرب تركيا ومناطق من شمال كردستان، وبينما لم يتمكن الناس من العثور على جثث موتاهم، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان ممثل حزب العدالة والتنمية AKP البداية الرسمية للانتخابات.

الأسباب التي أدت إلى تحويل الزلزال الذي هو حدث طبيعي إلى كارثة القرن هي نفس الأسباب التي حولت الانتخابات العامة التي هي حالة طبيعية ومعتاد عليها في الديمقراطيات، إلى انتخابات القرن.

بدلاً من تأمين حياة كريمة للشعوب في هذه الأراضي التاريخية القيمة التي تعتبر مهد الإنسانية وانطلاقتها، قامت الدولة وحكومتها التي تمارس الفاشية بأعداد نظاماً على أساس الإنكار والتدمير وقامت بالتهيئة لكارثة القرن، لقد كانت هذه الأراضي مسرحاً للقتل الجماعي والإبادات من قبل الدولة لأكثر من قرن، والطابع الحالي للدولة أدى إلى تحويل حدثٍ طبيعي مثل الزلزال إلى جريمة قتل جماعي، لذا ستكون الانتخابات والعملية التي سبقت الانتخابات خطوة أساسية في اتخاذ موقف ضد هذه السياسات القائمة منذ قرون.

إذا كيف وصلنا إلى كارثة القرن؟ لماذا نقول "الدولة هي من قتلت وليس الزلزال"؟

 

الدمار والموت في الزلزال لم يكونا قدراً، ولكن…..

الزلزال يعتبر ظاهرة طبيعية، ويحدث في كل مكان في العالم، تقع معظم تركيا وشمال كردستان على خطوط صدع حيث تحدث الزلازل الشديدة فيها، ولكن عند حدوث كل زلزال قوته تتجاوز الـ 6 درجات في تركيا لابد من أن يؤدي ذلك إلى خسائر في الأرواح، حيث توجد مثل هذه الخسائر في الأرواح في المناطق التي تعاني من زلازل أشد بكثير وطويلة الأمد في العالم، ومن الأمثلة على ذلك تشيلي واليابان.

إن أكبر زلزال معروف في تاريخ العالم هو الزلزال الذي ضرب مدينة فالديفيا في تشيلي عام 1960، والتي بلغت قوته 9.5 درجة واستمر حوالي 10 دقائق، وأدى إلى فقدان 6 آلاف شخص لأرواحهم في كافة المناطق المتضررة نتيجة الزلزال الذي تسبب في حدوث تسونامي وثوران البراكين، كان عدد سكان فالديفيا في ذلك الوقت يبلغ حوالي 100 ألف نسمة، لا يمكننا مقارنة هذا العدد مع عدد سكان مناطق الزلازل في تركيا، صحيح أن ارتفاع معدل السكان يزيد من الخسائر في الأرواح، ولكن يمكن للمرء أن يتخيل، في حالة حدوث مثل هذا الزلزال في تركيا اليوم وفي تاريخها، فلن يكون من الممكن حتى لمبنى واحد أن يبقى صامداً على أعمدته، ومع ذلك في فالديفيا وتشيلي مركز الزلزال، انهار 40% فقط من المباني إثر الزلزال، وفي عام 2011 ضرب زلزال بقوة 9.3 درجة واستمر 6 دقائق، العاصمة اليابانية طوكيو التي يبلغ عدد سكانها قرابة الـ 30 مليون نسمة، أدى الزلزال إلى مقتل 20 ألف شخص، كما أدى زلزال بقوة 7.3 درجة ضرب فوكوشيما باليابان في السادس عشر من آذار/مارس 2022، إلى فقدان 4 أشخاص حياتهم.

إذا عدنا بالذاكرة إلى تركيا ففي الزلزال الذي بلغت قوته 7.9 درجة واستمر 55 ثانية في 27 كانون الأول/ديسمبر عام 1939، فقد 32 ألفاً و962 شخصاً حياتهم، والزلزال الذي ضرب مدينة كولجوك في 17 آب/أغسطس عام 1999 بقوة 7.4 درجة واستمر لمدة ٤٥ ثانية، فقد على إثرها بالمجمل 17 ألفاً و480 شخصاً حياتهم في كوجالي ويالوفا وسكاريا واسطنبول ودوزجي، وتسبب كذلك الزلزال الذي ضرب إزمير في 30 تشرين الأول/أكتوبر عام 2022، بقوة 6.6 درجة واستمر لثانية واحدة فقط، بفقدان 17 شخصاً لحياتهم، وفي السادس من شباط/فبراير ضرب زلزال بقوة 7.7 مدينة مرعش، ثم تلاه زلزال آخر بقوة 7.6، امتد إلى مينة البستان، لقد تسبب الزلزالان بدمار كبير في 10 مقاطعات حيث يعيش 13.5 مليون شخص.

وبحسب الأرقام الرسمية فقد حوالي ٤٨ ألف شخص حياتهم، ويقول الخبراء والناجون من الزلزال، الذين لم يتمكنوا حتى من الوصول إلى جثث موتاهم أنه هناك في الواقع أكثر من ٢٠٠ ألف شخص فقدوا حياتهم، تظهر المباني القليلة المتبقية التي تقع على خط الصدع في مرعش وسمسور، أن الدمار والموت في الزلزال لم يكن قدراً.

 

النظام الرأسمالي والدولة القومية قاتلان

إن نسبة الدمار والموت في الزلزال هو نتاج إدارة الدولة وسياسات الحكومة، والسبب في تحول الزلازل في مرعش إلى كارثة القرن هو الدولة وحكومتها الحالية حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، لا يمكننا اعتبار الدولة التركية وحكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية منعزلة عن النظام العالمي الذي ينتميان إليه، واستنادا إلى الزلزال كمثال فلن يكون من المبالغة القول إنهم أكثر ممثلي هذا النظام تخلفاً.

إن نظام الهيمنة الذكورية البالغ من العمر ٥٠٠٠ عام قد حول التاريخ البشري إلى مسلخ دموي، إن النظام الرأسمالي الذي استمر ٥٠٠ عام قد قام بتطوير كوارث كبيرة مع الحروب العالمية بواسطة الذهنية الذكورية المنفصلة تماماً عن الطبيعة، ومن ناحية أخرى اليوم يواجه عالمنا العديد من المخاطر، بدأً من تغير المناخ، وخاصةً من الاحتباس الحراري، والجفاف والفيضانات، إلى الأوبئة، يجري العلماء الأبحاث على تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على الكوارث الطبيعية والزلازل، وكما يبدوا فإن الوضع الحالي خطير للغاية، لذا إن أحد أهم نضالات القرن هو النضال البيئي، لا يمكنهم الاستغناء عن فوضى الحرب والأزمات والطاقة الإنسانية والحروب الدينية و….إلخ، فعلى الأقل تمكنت الأنظمة المهيمنة التي تعمل على استغلالها بطرق مختلفة، من إيجاد حل لحوادث الزلزال الكارثية في بلدانهم من خلال العلم والتقنيات، ومع ذلك فإن الدولة الأكثر تخلفاً هي الدول القومية في الشرق الأوسط، وخاصة تركيا.

إن الدولة القومية التركية، التي ربطت وجودها بالإبادة الجماعية للشعوب الأرمنية واليونانية والشركسية الآشورية والكردية منذ عام ١٩٢٥، تسببت دائماً في قتل جماعي في الزلازل بسياساتها التي لا تبالي بحياة الإنسان، وعملت على هندسة نظام اجتماعي ضد النساء والشعوب على أساس التحيز الجنسي والعنصرية، فحتى لو تطورت على أسس الجمهورية الديمقراطية بقبولها لشعوب وثقافات بلاد ما بين النهرين التاريخية والأراضي الأناضولية، فإن هذه الأراضي الخصبة التي تلقب بالجنة تحولت إلى جحيم للشعوب من قبل الدولة المعادية للديمقراطية والإبادات الجماعية، حيث لم يتم اتخاذ أي احتياطات لأزمة الزلازل في تلك المناطق في فترة حكم حزب العدالة والتنمية التي منحت كل طاقتها وقوتها لإزالتها وتدميرها بدلاً من إحيائها وتجميلها.

إن حزب العدالة والتنمية AKP وحكمه الذي استمر 21 عاماً، تم سحبه إلى الساحة من قبل كافة الآليات الدولية والداخلية للدولة لإكمال الإبادة الجماعية للكرد.

حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، استثمرت حتى ضرائب الزلزال في الحرب، إن مسؤولية حدوث زلزال مرعش كاملةً يقع على عاتق الحكومة الحالية، فقد أصبحت ممارساتها المعادية للديمقراطية منذ ١٠٠ عام في أعلى المستويات، وحولت العزلة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان إلى عزلة مطلقة، وصعدت من آفاق الحرب داخل البلاد وأوصلتها للخارج والشرق الأوسط، تم ممارسة ضغط كبير على جميع الفئات خاصة النساء والفتيات، لقد تم اغتصاب حقوق المرأة وازدادت نسبة جرائم القتل ضدها لتبلغ 1000%، وتم استثمار كل شيء في البلاد في الحرب بما يتماشى مع مشروع الميثاق الوطني التابع لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ومصالحه، تم ملء جيوب مسؤولي حزب العدالة والتنمية وأنصاره عبر جني الأرباح من خلال الحرب، في واقع الأمر لقد قام العلماء بالتحذير دائماً من الزلازل الكبيرة التي قد تحدث في تلك المنطقة طوال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، ولكنها قامت بضم حتى ضريبة التواصل الخاص بعد زلزال عام 1999، المعروفة باسم ضريبة الزلزال؛ إلى ميزانية الحرب.

أحد الأسباب التي تحدد الانتخابات التي من المقرر إجراؤها في الرابع عشر من أيار/مايو المقبل، على أنها انتخابات القرن هي شخصية الرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية AKP التي لا تقدر الناس بأي شكل من الأشكال، أنه شخصية يستطيع القيام بأي شيء من أجل الحفاظ على سلطة دائمة واستمرارية ثراء حزب العدالة والتنمية وأنصاره، أن حزبي AKP وMHP ورائدهما أردوغان، الذين نفذا جميع أنواع السياسات الوحشية ورموا المسؤولية على الآخرين، استغلوا عجز وانعدام الوعي لدى الشعب الذين معظمهم من الفقراء، واستخدامهم كمستودع للتصويت، قبل الانتخابات المحلية لعام ٢٠١٩ زار أردوغان محافظات مثل هاتاي ومرعش وعنتاب، وأشاد فيها بعفو التقسيم الذي يستند إلى اتفاق مقابل رسم معين، بين الدولة وصاحب العقار، الذي يتم بناؤه دون الامتثال لأي رقابة وتشريعات، إن مدن مثل هاتاي ومرعش التي عانت من دمار كبير في الزلزال، أعادت إلى الأذهان كلمات أردوغان "بسلام تقسيم المناطق، قمنا بحل مشكلة ٢٠٥ آلاف مواطن بالمجمل في هاتاي"، "بسلام تقسيم المناطق، تمكنا من حل مشكلة ١٤٤ ألفا و٥٥٦ شخصاً من مواطني مرعش".

على الرغم من أن كل شيء مدون ومسجل إلا أن أردوغان يحاول أن ينسب الخسائر في الأرواح والدمار في الزلزال إلى الحكومات التي حكمت قبل حزب العدالة والتنمية AKP، بعد مرور ٥ أيام على الزلزال، في 14 شباط/فبراير قام بالتحدث من أمام مقر إدارة الكوارث والطوارئ AFD قائلاً "إن ٩٥ من المباني التي دمرت جراء الزلزال الذي كان مركزه مرعش تم بناؤها قبل عام ١٩٩٨، إن الزلزال الذي وقع في ٦ شباط/فبراير والذي ضرب البستان بقوة 7.6 دمر 70% من المدينة، معظم المباني التي دمرت هي تلك التي تم بناؤها في السنوات العشر الماضية، في التقرير الذي أعده اتحاد النقابات العمالية العامة KESK نتيجة تحقيقاته في مناطق الزلزال، ذُكر أن تدمير المباني التي شيدت في السنوات ٢-٣ الماضية في الزلزال الذي وقع في البستان كان جسيماً مثل المباني القديمة، هنالك حقيقة أن مقاولي العديد من المباني الجديدة المنهارة هم من أنصار حزب العدالة والتنمية AKP وهذا يظهر أنه إذا قلنا "حزب العدالة والتنمية والحكومة هم القتلة، وليس الزلزال" لن يكون افتراء.