"ظل أعرج" قصة تجسد واقع نساء تعشن داخل مجتمع ذكوري
تحاول الكاتبة التونسية زهرة الظاهري عبر روايتها "ظل أعرج" الخروج من طابع السيرة الذاتية لتسرد قصص عدد من بنات المدن الرّيفيّة على وجه الخصوص اللاتي عشن قصص تفضيل الرجل على المرأة.
إخلاص الحمروني
تونس ـ الكتابة الأدبية بالنسبة لزهرة الظاهري وسيلة لتعرية الواقع وتجاوزه من أجل العبور إلى الضفة الأخرى حيث أحلامها الشاهقة، فرواية "ظل أعرج" آخر إصداراتها تحمل قصص سردتها الكاتبة عن طفولتها وما عاشته مع شقيقها الذي فضّله والداها عليها فقط لأنّه ولد.
تكتب زهرة الظاهري الشعر والقصة والرواية وقصص الأطفال وفي رصيدها خمسة إصدارات وهي مجموعة شعرية ومجموعة قصصية وقصة للأطفال وروايتان، مولودة في مدينة قفصة ومقيمة منذ طفولتها في سيدي بوزيد، متزوجة وأم لولدين، علاقتها مع الكتابة قديمة قدم إحساسها بأنها ذات مرتجلة متمردة تبحث عن البديل الموجود في الحكايات والكتب التي تقرأها واكتشفتها بعد ذلك في الكتابة التي كانت لها الملجأ والملاذ.
وعن كتاباتها تقول "في البداية كنت أكتب الخواطر، وأقوم في هزيع متأخر من الليل حيث يكون الكل نائمين لأن الكتابة في حد ذاتها كانت من الممنوعات والتابوهات لطفلة مثلي، شيئا فشيئاً كنت اتصور واتخيل شخصيات وحكايات فأكتب عنها في خيالي وكنت أوصفها في دفاتري الصغيرة، مع ذلك كنت أحلم بأن أصبح يوماً ما كاتبة".
وأوضحت "كنت أسأل نفسي هل يمكن أن يأتي يوم ويكون اسمي مكتوب على غلاف كتاب، وأخيراً، تحقق هذا الحلم عام 2014، عندما صدر لي كتابي الأول "صفو الكلام" كانت تجربة شعرية ثم تركت الشعر نهائياً، ليكون لي منعطفاً مع السرد والقصص، اهتممت بالسرد وكتابة الروايات وقصص الأطفال، وكتبت بعد ذلك قصة للأطفال "ابنة الشهيد" الذي تم تحويله إلى شريط قصير ونلت عليها الجائزة الثالثة على المستوى الوطني كأحسن سيناريو، وكتبت أيضاً المجموعة القصصية الأولى "مواعيد آثمة" ثم روايتي "طيش الاحتمالات" وصدر لي مؤخراً كتاب "ظل أعرج"".
وحول إذا ما كانت مضمون هذه الرواية يتحدث عنها، أوضحت أن هذه الرواية "سيرة ذاتية" تندرج ضمن كتابة الذات، تحتوي على مئتان واثنا عشر صفحة وخمسة عشر فصلاً "وهو عبارة عن حكاية طفلة عاشت ضمن أسرة محافظة وداخل مجتمع ذكوري لا يرى في المرأة غير كائن تابع لسلطة العادات والتقاليد المدمرة لكينونتها وللحد من حريتها وحقوقها، كان الأب هو رمز لتلك السلطة الذكورية المهيمنة، فهو صاحب السيادة وأولاده هم ورثته، في حين كانت الأم وبناتها هن تابعات لتلك السيطرة وما يملي عليهن القانون الأبوي المتسلط".
ولفتت إلى أن تلك الطفلة عاشت كل تلك الاكراهات داخل أسرتها ومجتمعها وشيئاً فشيئاً تمردت على قوانينهم التي كانت تراها جائرة كانت تصرخ في وجه كل من يحاول سرقة أحلامها منها ويحاول أن يفرض عليها بعض القوانين الجائرة التي كانت تراها متسلطة وقررت أن تتمرد عليها.
وأوضحت أن هذه الفتاة كانت في ممارستها لذلك الصمت والانعزال عن العالم تتكون عندها مسالة (الكتابة)، وثم تكون لديها نوع من الوعي الرافض والمتمرد الذي تجلى في تصرفاتها وسلوكيتها وفي محاولة الانعزال عن العالم والاهتمام بذاتها وبالكتابة التي مثلت لها المخرج الوحيد للتعبير عن هواجسها وأفكارها ونظرتها إلى العالم.
وأشارت إلى أن واقع حكاية "ظل اعرج" هو في الحقيقة ذاتي لأنها تكتب سيرتها الذاتية وتتحدث عن نفسها في فترة عمرية من حياتها (الطفولة، المراهقة، الشباب) وكانت تلامس هواجس تلك الطفلة وهي تعيش تلك الفترة، مضيفة أنها تجاوزت بالكتابة كل ذلك الحرمان والكبت الذي عاشته في بيئة نفسية قاسية زادته النظرة الاجتماعية والأسرية الدونية للمرأة.
ولفتت إلى أن الأمر كان ذاتي في بداية الأمر لكنه تعدى الواقع، لأنه في الحقيقة واقع كل فتاة تعيش في مناطق الوسط والجنوب التونسي، "لقد ذكرت في رواية "ظل أعرج" قصص حية مثل قصة صديقتي سمية التي كانت تشبهني في ظروفها الاجتماعية وكذلك ابنة الجيران التي تزوجت من الرجل الذي احبته واختارته لنفسها في حين لم تكن السلطة العائلية موافقة على مثل هذا الزواج مما أثار خنق الأب وغضبه، بعض الصديقات اللاتي كن تعشن المعانات ذاتها بسبب النظرة الدونية، فحين اتحدث عن ذاتي وعن صديقاتي يبدو وكأنه تجريد لواقع تعيشه الفتاة أو المرأة فقط لأنها انثى"، مشيرة إلى أنها بوصفها كاتبة "ابنة الجنوب" تكتب كثيراً عن معاناة بنات جنسها "أنا اؤمن برسالة الكتابة عندما كنت أتحدث عن ذاتي في كتاباتي، فأنا حتماً وبطريقة ما اتحدث عن مشاكل الأخريات وهمومهن".
وأضافت "في الحقيقة أنا مهتمة دائماً بهموم المرأة وقضيتها الأزلية في وجدان الحرية وتحقيق ذاتها، يرافقني دوماً ذاك الهاجس بأن المرأة تعيش مظلمة كونية، ربما المسألة تختلف من جهة إلى أخرى ومن مجتمع إلى أخر ومن حقبة زمنية إلى أخرى، لكن هذه القضية موجودة بطريقة ما وكل كتاباتي تناولت تقريباً هذه المسألة ليس من ذاتي كالمرأة فقط ولكن مما عاينته من خلال تجارب الأخريات".
وبالنسبة لعلاقتها بالكتابة أشارت إلى أن علاقتها قديمة ومتجددة بحكم أنها كانت تكتب منذ صغرها، وقد بدأت مشوارها مع الشعر كخطوة أولى لتتركه وتختص في كتابة الرواية والقصة لأنه وفق قولها وجدت ذاتها في السرد بشكل عام، مؤكدة أنها تناولت مسائل كثيرة في كتاباتها سواء القصصية أو الروائية "وهي جميعها مسائل واقعية لها صلة بحياتنا اليومية المتشعبة وبتلك التفاصيل الصغيرة وأنا عاشقة لتلك التفاصيل، كتبت عن الحب والخيانة بكل تجلياتها وكتبت أيضاً عن المسكوت عنه مثل زنى المحارم والطلاق الصامت بين الأزواج، وعن كل ما يمكن ما نجده وراء الأبواب الموصدة".
وعما إذا لامس الأدب التونسي عموماً قضايا المرأة في الأوساط الداخلية (الوسط والجنوب التونسي) ومدى نجاحه في الدفاع عنها، تقول "في الحقيقة الأدب بالنسبة لي هو مسألة كونية فأنا اهتم بالأدب الكوني العالمي والإنساني بمعنى الأدب الذي يلامس الإنسان في جميع قضاياه الشائكة بغض النظر عن المكان الذي يوجد فيه، ومع ذلك سأذكر بعض العناوين التي أرى أنها اهتمت بالمرأة مثل "ذاكرة الأقفاص" لكريمة العباسي التي تحدثت فيها عن معاملة النساء العاملات، كذلك عفيفة السميطي التي تحدثت عن النساء اللاتي فقدن أنوثتهن بسبب مزاولة الأعمال الذكورية الخشنة وأيضاً رواية بعنوان "ونيس" للكاتبة منية الفرجاني التي روت فيها قصة حقيقة عن امرأة يُهينها زوجها وهي مصابة بمرض السرطان".
ولفتت إلى أن "هذه الكتب وغيرها من الانتاجات الأدبية لامست بدرجة كبيرة قضايا المرأة في تلك الربوع القاسية وحتى التي تعيش في الأوساط الحضرية غير أن هناك عدد من القضايا تنتظر تسليط الضوء عليها حتى نضمن أن يكون الأدب وسيلة أو أداة لنصرة قضايا المرأة التونسية والعربية".