تميمية أغصان الزعرور تزين الأطفال

صنعت هاجر توك من أغصان شجرة الزعرور التي تعتبر مباركة منذ القدم، تمائم وتزينها بالخرز وتعلقها على أكتاف الأطفال

هيفيدار تالي
الموصل- ، تقول إنها كانت تراقب جدتها وهي تصنع التمائم ومن ثم تعلمت منها طريقة الصنع.
تنتشر في العديد من مناطق كردستان الريفية ظاهرة استخدام الرموز والتمائم لحماية الأموال والأروح. وتختلف أشكال التمائم من منطقة إلى أخرى، وبشكل عام يستخدم معظم أهالي المناطق الريفية شجرة الحرمل للحماية من الحسد حيث تعلق الأغصان في المنازل. وفي منطقة باتمان وبعض المناطق الأخرى يلصق الأهالي العجين على شكل رغيف خبز على الأبواب فيجف العجين ويبقى معلقاً على الأبواب لسنوات عديدة. يعتقد الأهالي أن العجينة حين تسقط عن الباب فإن ذلك يعتبر إشارة على أن غائباً طال غيابه سوف يعود إلى المنزل قريباً، لذلك يستعدون لاستقباله حين تسقط العجينة. العديد من الأمهات اللواتي يقبع أبنائهن في السجون التركية والمحكومين بالسجن المؤبد، يعلقون العجينة على أبوابهن وينتظرن سقوطها بانتظار عودة أبنائهن من السجن. كما توجد العديد من أشكال التمائم والرموز التي أضحت مع مرور الزمن رموزاً مباركة.
 
شجرة الزعرور
تعتبر العديد من أنواع الأشجار رموزاً مباركة في العديد من مناطق بوطان، ومن هذه الأشجار بشكل خاص شجرة الزعرور، وتسمى الشجرة بعدة أسماء كردية بحسب كل منطقة، منها "تعوك وتاييف" وغيرها من الأسماء. وتنمو الشجرة في المناطق الجبلية، وهي شجرة عالية الساق، قوية وجميلة. 
ويتم جلب أغصان شجرة الزعرور وتقشيرها وحفها بشكل جيد لتصبح أغصان رفيعة، ومن ثم يتم تزيينها بالخرز وتعليقها على أكتاف الأطفال. يصنعون رمزاً على شكل مثلث كما تصنع تمائم الحرمل، إلا أنها تختلف عنها بأنها تزين بأربع خيوط. بينما مثلث الحرمل يزين بـ 12 خيطاً. وتعتبر الخيوط الأربعة رمزاً لفصول السنة. وعندما يتم تعليقها على سواعد وأكتاف الأطفال يتم ربطها بالثياب، فتمنح منظراً جميلاً من ناحية، كما أنها تعتبر جزء من معتقدات الأهالي كرمز للحماية. ولا يستخدم هذا الرمز لحماية الأطفال فقط، بل أيضاً لحماية المنازل والبساتين والحيوانات. لأن الأهالي يعتمدون على تربية الماشية والطيور أكثر من اعتمادهم على الزراعة، لذلك فإنهم متعلقون بحيواناتهم ويحمونها كما يحمون أطفالهم. وغالباً ما يتم تعليق التميمية برقاب الخراف أو الجداء، فهم يعتقدون إن إصابة أحد الحيوانات الجميلة بالحسد، سوف يؤدي إلى إصابة باقي الحيوانات بالمرض مما سيؤدي إلى نفوق الحيوانات، لذلك يتم تزيينها بتميمة أغصان الزعرور.
من النساء اللواتي تعملن على صناعة هذه التميمة الجميلة وتزيينها، وتصنع منها أشكال جميلة بواسطة الخرز وتعلقها على سواعد الأطفال، هاجر توك، التي تقول أنها تعلمت صناعة التمائم منذ كانت صغيرة.
 
"منحت أول تميمية صنعتها لإحدى خرافي"
تقول هاجر توك أن تميمية أغصان الزعرور تحمي الأطفال من جميع الشرور والأمراض، وتضيف إلى ذلك "عندما كنت صغيرة كنت أنا ووالدتي نصنع هذه التميمية، في البداية كنا نرتب الأغصان بشكل متوازن ومن ثم نزينها بالخرز ونعلقها على أكتاف الأطفال. كان عملاً مسلياً ويأخذ الكثير من الوقت. ورغم المشاق والأعمال الكثيرة في القرى والتي لم تكن تمنح النساء فرصة للاستراحة، إلا أنهن لم تمتنعن عن الانشغال بصناعة التمائم. 
انشغال النساء بهذا العمل أثار فضولي، لذلك كنت أجلس بالقرب منهن لساعات طويلة، وأمعن النظر في أيديدهن. ومن خلال المشاهدة والمتابعة تعلمت صناعة التمائم. في البداية كنت أساعد جدتي في صناعتها، وفيما بعد بدأت أصنعها بنفسي. عندما أكملت صناعة أول تميمية شعرت بسعادة كبيرة، وبدأت بصناعة واحدة أخرى. التميمية الأولى التي صنعتها كانت من نصيب إحدى خرافي التي كنت أحبها كثيراً.  ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن لا زلت أصنع التمائم بكل ثقة وإيمان، كما كانت تفعل جدتي التي كان عمرها قد تجاوز وقتها المائة عام، أنا أؤمن بهذه الشجرة، لذلك أصنع التمائم للأطفال".
وحول مراحل صناعة تمائم أغصان الزعرور تقول هاجر توك "في القرية كنا نعمل في رعي وتربية الماشية، كنا نذهب يومياً إلى الغابات والحراج لأجل حلب الماشية، أو لأجل جمع العلف وتخزينه لفصل الشتاء. وفي الليل وبعد تناول العشاء وحين كنا نحتسي الشاي، كنا نبدأ بصناعة التمائم. أثناء ذهابنا إلى الحصاد أو حلب الماشية، كنت كلما صادفت شجرة زعرور أقطع منها بعض الأغصان وأحضرها معي إلى البيت. لذلك لم يكن المنزل يخلو من الأغصان أبداً".
 
"أوصي بجلب الأغصان من الجبال"
هاجر توك حالياً بعيدة جداً عن حياة الريف والحصاد والرعي، وتعيش في مخيم مخمور للنازحين في إقليم كردستان. لكنها تقول إنها تطلب من أهلها في المناطق الجبلية بأن يحضروا لها أغصان شجرة الزعرور "لم يعد بمقدوري اختيار أغصان الزعرور المناسبة بنفسي وقطعها وجلبها، ولكنني لم أتخلى عن هذا العمل. أطلب من معارفي أن يحضروا لي الأغصان من المناطق الجبلية، وهم يرسلونها لي. وأنا أصنع التمائم هنا وأعيد لهذه التميمية صفتها المباركة. وبسبب صعوبة الحصول على الأغصان وصناعة التمائم هنا، فإنني أستخدم بدلاً عنها الخرزات الزرقاء. أنا لا استبدل أغصان شجرة الزعرور بأي شيء آخر، ومهما كانت الطريقة فإنني سوف أحصل على الأغصان وأصنع منها التمائم. لا زلت متمسكة بذلك الإيمان الذي منحتني إياه جدتي، كما أنني أعلم ابنتي أيضاً. وأنا على ثقة أن كل النساء هن مثلي، تواصلن العمل في المهن والأعمال اليدوية التي تعلمنها على أيدي أمهاتهن، وينقلن تلك المهن إلى أبنائهن. ولولا ذلك لما كانت هذه التميمية استمرت آلاف السنين لتصل إلى وقتنا الراهن، ولا كان لي أن أعرف أنها مباركة".