"تل أم عامر" شاهد أثري على تنوع الحضارات في غزة

يعتبر "تل أم عامر" من أهم الأديرة التاريخية في فلسطين، والتي لم يعثر على مثله من حيث المساحة والتصميم، وهو شاهد أثري على تنوع الحضارات في مدينة غزة.

رفيف اسليم

غزة ـ "تل أم عامر" شهد تتابع الحضارات في غزة ونقل الصورة الحقيقة لما جرى على أرضه، ليكون كتاباً تاريخياً يغني الأجيال القادمة بالعلم والمعرفة.

يقع تل أم عامر في منطقة وادي غزة بالقرب من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث كان التل مأهولاً بالسكان خلال الفترة البيزنطية وحتى بدايات الفترة الإسلامية، يستطيع الناظر رؤية تل أم عامر كونه يقع على منطقة مرتفعة من الأرض تبرز المكان عما سواه.

وبحسب ما أفادت به الباحثة في التاريخ ناريمان خلة، فإن تل أم عامر منطقة أثرية يعود تاريخ نشأتها للعام 329م، ويعتبر من أهم الأديرة الموجودة في بلاد الشام والمضافة على قائمة التراث العالمي، لافتةً إلى أن التل يقع على منطقة مرتفعة من الرمال تبعد 15 كم جنوب غرب مدينة غزة وترتفع عن مستوى سطح البحر بـ 22 م.

ونوهت إلى أن هذا الموقع الأثري سمي أيضاً بدير القديس هيلاريون نسبة للراهب المسيحي الذي هرب إلى قطاع غزة وأنشأ صومعته داخل الدير، وقام بتعليم أكثر من 400 طالب/ة، وعندما توفي تم دفنه داخل الصومعة، وأصبح أيقونة ورمز للديانة المسيحية.

وبالعودة لتسمية تل أم عامر بهذا الاسم لفتت ناريمان خلة إلى أنه أطلق عليها هذا الاسم نسبة لامرأة تدعى أم عامر، وكانت ترعى الأغنام على هذه التلة برفقة كلبها، حيث كانت أم عامر تجلس على التلة من ساعات الصباح الأولى حتى غروب الشمس، مضيفةً أن هذه التسمية أطلقها أهل المنطقة لأنهم لم يكونوا على علم بقصة الراهب مؤسس هذا المكان.

وأضافت أن بعض المتداول حول تسمية التلة بهذا الاسم يعود إلى أن كلمة عامر باللغة العربية الفصحى تعني أنثى الضبع ونظراً لأنها كانت عامرة بالضباع، ففي تلك الفترة من الزمن لم يكن يقطن هذه التلة سواها.

وأشارت إلى أنه تم اكتشاف الموقع لأول مرة في عام 1995 من قبل باحثات فلسطينيات في علم الآثار، لكن في وقت لاحق أعلنت إسرائيل أن المكان منطقة عسكرية مغلقة حتى إشعار آخر، أي إلى أن انسحبت من القطاع، لافتةً إلى أنه بحسب شهادات أهل المنطقة فقد سرقت العديد من اللوحات والتحف المعمارية التي تم نقلها بطائرات مروحية، وأما عن التحف المعمارية الموجودة حالياً فقد تم التنقيب عنها حديثاً بجهود خبراء محليين وأجانب.

وأوضحت أن الموقع يتكون من مجموعات معمارية محاطة بسور خارجي من الحجر المسنود بدعامات يحفظ عدة مقتنيات أثرية داخله، منها أنقاض كنيستين ومكاناً للدفن وقاعات للعمّاد والطعام، ومرافق صحية وصهاريج مياه، بالإضافة للحمامات البخارية والنافورة والديماس والمصلى وغرف الرهبان والساقية، والأرضيات المصنوعة من الحجر الكلسي والفسيفساء الملونة والمزينة بالرسوم والنقوش المختلفة والبلاط الرخامي.

وعن توزيع أجزاء المعلم الأثري أوضحت ناريمان خلة "الأرضية الفسيفسائية تشكل الجزء الأول من الموقع وأما الجزء الثاني من المكان فهو الكنيسة التي يتم الدخول إليها عبر ممر طويل فيه سلم خاص لدخول الرهبان إليها وخروجهم منها، وقد بنيت على الطراز البازيليكي، وتتكون من ثلاثة أروقة تفصل بينها أعمدة رخامية أوسعها الرواق الأوسط".

وأضافت "أما الجزء الثالث فهو الديماس، ويمكن الوصول إليه من خلال سلم تكسرت معظم درجاته يؤدي إلى مبنى تحت الأرض على شكل صليب، وتظهر فيه الأعمدة الرخامية المتهاوية من البناء العلوي نتيجة الهزات الأرضية وعوامل الزمن".

والجزء الرابع من الموقع عبارة عن حوض التعميد وصالات مؤدية إليه كما أوضحت، حيث تغطي أرضية إحداها فسيفساء ترسم شكل مزهرية يخرج منها أغصان ملتفة تحمل أصناف من الفاكهة وأوراق الشجر، وداخل هذه الأغصان صور لحيوانات وطيور تعبر عن البيئة الموجودة في ذلك الوقت.

بينما الجزء الخامس والأخير فهي منطقة الحمامات التي تظهر مقسمة على شكل غرف مثل غرفة الماء الساخن والبارد وغرف الانتظار، ويظهر أسفل هذه الغرف فتحات دخول الماء وخروجه وكذلك بيت النار، هذا إلى جانب وجود شبكة واسعة من قنوات المياه المصنوعة من الفخار والرصاص وشبكة قنوات صرف صحي تؤدي إلى خارج الدير.

ووفقاً لناريمان خلة تدل تلك الشبكات على وجود المعصرة وبقايا قطع رخامية وبئر خاص بالدير، مضيفةً أن مياه الحمامات كان يعاد استخدامها في تلك الفترة لغرضين إما لري المزروعات أو تربية الأسماك بهدف سد احتياجات الرهبان والراهبات الذين يقطنون المكان.