شذى التوي: رحلتي ملهمة... الآن أنا أمارس الفن من منظور جديد بعد سنوات من ممارسته في الحرب
فنانة تشكيلة يمنية حصلت على جائزة "الجون بيرن" التي تعرف كأحد أشهر المنافسات الإبداعية المختصة بالفنون والآداب في إسكتلندا، بعد نقلها معاناة الأهالي للعالم بواسطة لوحاتها
نور سريب
اليمن ـ ، تعرضت لحملات تشهير وتحريض واسعة في مرحلة سابقة عند مشاركتها في فيلم خلال أحد المهرجانات المحلية في اليمن، وبإصرارها تمكنت شذى التوي المضي برحلتها الفنية.
الفنانة التشكيلية شذى التوي من بلدة شبام بمحافظة حضرموت، من مواليد عدن عام 1989، تقول وهي تعرف عن نفسها "عشت سنوات عمري في صنعاء، حصلت على شهادة البكالوريوس في تقنية المعلومات مع مرتبة الشرف من جامعة أوتارا الماليزية ـ فرع صنعاء عام 2014، عملت كمتدربة في بعض المنظمات والمؤسسات الصغيرة في صنعاء في مجالي الإدارة وتقنية المعلومات، كما عملت كمديرة مكتب لشركة تقنية لمدة سنتين، أي حتى عام 2017 عندما قررت التفرغ التام للفن".
وعن بدايتها الفنية تقول "كان زواجي بداية اكتشاف موهبتي أو لنقل إعادة إحياء موهبتي بعد مرحلة الطفولة، ووضع الأسس الأولى لمسيرتي الفنية شيئاً فشيئاً. إلى جانب ذلك، كان الرسم موهبتي في الطفولة، كان يطلق علي "رسامة السوسني" في المدرسة الابتدائية، ولكني لم استمر، ولم أتخيل نفسي بأني سوف أكون رسامة يوماً ما".
ولكن بدايتها الفنية الحقيقة مع الرسم كما تقول كانت بعد زواجها من الموسيقار وعازف البيانو صابر بامطرف عام 2014، "لم يكن زوجي يعلم بأنني أجيد الرسم، ولم يكن يعلم بأنها كانت إحدى مواهبي في الطفولة"، وتتابع "عندما كنت استمع لعزفه على البيانو كنت أمسك بورقة وقلم وارسم ما في خاطري، ففي إحدى المرات توقف عن العزف فجأة ونظر إلى ما رسمته باندهاش، وقال لي بأنه يجب علي الاهتمام بهذه الموهبة".
وتضيف "في يوم من الأيام فاجئني بألواح وألوان وعندها تشجعت، خصوصاً وأننا كنا نحاول الجمع بين الموهبتين "الرسم والموسيقى" ونستوحي من بعضنا البعض. كنا نقضي الساعات لرسم اللوحات وعزف المقطوعات الموسيقية، وفيما بعد قررنا أن ننقل هذه التجربة للعامة عبر المشاركات المختلفة في الفعاليات لدى بعض المؤسسات الثقافية في صنعاء "كمؤسسة البيسمنت" وكذلك المشاركة في تيدكس وغيرها".
وحول مشاركاتها الفنية تقول "بين فترة 2016 إلى 2020، شاركت في العديد من الفعاليات الفنية والثقافية في اليمن، وأقمت المعارض الفنية محلياً ودولياً، شاركت أيضاً في العمل المسرحي "عن بعد عبر الشاشة" الذي عرض في المملكة المتحدة عام 2019، كما شاركت في مسرحية "لقد التقيت بالعدو" التابعة لمسرح "الكومون ويلث"، إلى أن وصلت للمملكة المتحدة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وذلك بعد حصولي على جائزتي زمالة من قبل صندوق حماية الفنان APF، بإقامة فنية في المعهد العالي للعلوم الإنسانية IASH التابع لجامعة أدنبرة بإسكتلندا".
وعن المعارض التي أقامتها تقول "بدأت أحضر لمعرضي "اللوحة البيضاء" منذ ذهابي إلى أدنبرة، لقد اخترت سلسلة العائلات لتكون أول موضوع أعرض فيه لوحاتي أثناء فترة إقامتي هناك، كان الإقبال في الأيام الأولى محدود، وفي آخر الأيام كبير إلى حدٍ ما، زار المعرض الكثير من الباحثين والدكاترة بجامعات إسكتلندا المختلفة، والعديد من المهتمين بالشأن الإنساني والثقافي في اليمن... وفي الوقت الحالي أحضر لإقامة معارض أخرى ومشاركات فنية جديدة في أدنبرة، بالتعاون مع عدة جهات ثقافية في إسكتلندا، وكل ذلك يأتي تحت إطار الجائزة المقدمة لي من قبل صندوق حماية الفنان وكزميلة مقيمة في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بجامعة أدنبرة".
ووصفت رحلتها الحالية خارج اليمن بـ "ملهمة وحماسية جداً"، وتضيف "لقد بدأت أمارس الفن خارج البلاد من منظور جديد، بيئة جديدة، ومجتمع جديد. بعد 7 سنوات من ممارسة الفن في الحرب. أنه من الجميل كذلك ممارسة الفن في السلم، وهو ما ينقصنا في بلدنا".
وعن سؤالنا كيف أثرت الحرب الدائرة في البلاد على حياتها المهنية، تقول "مثلي مثل أي شخص يمني، أثرت الحرب كثيراً على حياتي من عدة محاور، لاسيما وأن سقوط صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 كان في بدايات زواجنا، وكذلك في الوقت الذي كنت أحدد فيه أهدافي وأخطط لبناء مستقبلي الشخصي والفني، في بدايات الحرب اضطررت للنزوح إلى حضرموت، لقد كنا مشتتين وأحلامنا معلقة".
وتتابع "عند اتساع رقعة الحرب في البلد تعقدت الأمور أكثر، وكأنه كان من المستحيل بأن ننجز أي شيء كنا نحلم به، ولكننا أصرينا أنا وزوجي على المضي قدماً في ممارسة أحلامنا وبدأنا نؤسس لحياتنا الفنية".
إلا أن مخططاتها لم تسري كما كانت تحلم لينهار كل ما كانت قد بنته، "حلت علينا فاجعة وأنهت كل شيء، ففي منتصف عام 2015 تعرض منزلنا لأضرار جسيمة بعد قصف منزل جارنا في صنعاء، وفقدنا الكثير من الأدوات الفنية التي بدأنا بها، البيئة الآمنة التي كنا نلجأ لها تحطمت، مما اضطرنا بأن نعيش في منازل أخرى في صنعاء لسنتين".
لكن رغم كل ذلك، لجأت للفعاليات الثقافية واندمجت في المجتمع المدني بكل حماس على حد وصفها، "شاركنا هنا وهناك لكي نتناسى المآسي وأجواء الحرب التي تمر بها البلاد، في نفس الوقت نرمم أضرار منزلنا شيئاً فشيئاً، إلى أن اكتمل في عام 2018 وعدنا لبيئتنا السابقة، وبعد عودتنا لمنزلنا بدأت القنوات المحلية والدولية بإجراء العديد من التقارير واللقاءات عن حياتنا الفنية".
ولم تتوقف حياتهم الفنية عند ذلك بل اختيرت قصتهم لتكون أحد الأفلام الوثائقية التي كانت ستعرض في مهرجان كرامة للأفلام القصيرة في صنعاء تحت عنوان "صوت قزح"، إلا أن سعادتهم في اختيار قصتهم لم تكتمل كما تقول "كما ذكرت سابقاً كلما أصرينا على المضي قدماً تأتي الفاجعة، فبعد نزول صورة البوستر الخاص بالفيلم وقبل عرضه، انهالت علينا حملة إعلامية شرسة في وسائل التواصل الاجتماعي، وتهديدات وتشويه سمعة، بالإضافة إلى سيل من الإشاعات ضدنا وضد المهرجان بأكمله".
وتوضح "كانت صورة فيلمنا في الواجهة، مما اضطرنا لتخفيف نشاطنا الفني في المجال العام، لاسيما وأن الإجراءات ضد مظاهر الفن والحياة في أغلب المناطق اليمنية باتت منتشرة وتتغلغل في الوعي العام ضد الفنانين والناشطين الثقافيين، وكان وضعنا حساس جداً... هذه كانت تجربتي مع الحرب، لها الكثير من التفاصيل التي لا يسعني ذكرها... والكل ذاق من ويلاتها".
وعن كيفية تناولها قضايا حقوق الإنسان ومناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء في اليمن بأعمالها، تقول "لدي بعض السلاسل الفنية المختصة ببعض القضايا، أثناء فترة إقامتي في صنعاء قدمت سلسلة لوحات عن النازحين، وأيضاً سلسلة لوحات عن قضايا المرأة المختلفة، كذلك عن التعايش، والتنوير، ومؤخراً سلسلة العوائل التي أطلقتها في إسكتلندا".
وحول العقبات التي تواجه الفنانة أشارت إلى أن هناك أبرز ثلاث عقبات وهي "أول عقبة هي أنها امرأة، وثاني عقبة هي أنها فنانة، وثالث عقبة هي أنها في بلادها، ومن ثم يأتي التفصيل في كل عقبة، فمثلاً كونها امرأة فهي ستواجه الأمرين من تمييز وفكر ذكوري شرس يمارس ضدها كونها امرأة ذات إرادة حرة تمارس حقها البسيط في الظهور أو اكتساب المهارات المهنية والمعرفية في الفضاء العام".
وعن العقبتين الثانية والثالثة تقول "كونها فنانة فالأمر يأخذ منحنى أخطر كون الفن عند شريحة لا بأس بها في المجتمع يعد من الأمور المستنكرة التي تقلل من شأن صاحبها ولاسيما النساء، أما وجودها في بلادها فهي محاطة بالحرب والعقبات التي ينتجها الصراع، بالإضافة إلى تربص الجماعات المتشددة التي تريد حصر المرأة في نطاق تقليدي ضيق، لذلك ما تحتاج له النساء في بلادنا التحلي بالصبر، الإرادة القوية، والجرأة، واحترام ومساندة وتشجيع بعضهن البعض بغض النظر عن اختلافاتهن، وقبل كل شيء احترام ذواتهن".
وحول مشاركتها في منافسات جائزة الجون بيرن في إسكتلندا، تقول "جائزة الجون بيرن هي أحد أشهر المنافسات الإبداعية المختصة بالفنون والآداب في إسكتلندا، كانت مشاركتي بأربع لوحات من سلسلة العائلة، كانت المشاركة بالربع الأول من عام 2021 أي ما بين شهري شباط/فبراير ونيسان/أبريل، وتم إعلان حصولي على المركز الأول في 5 تموز/يوليو، من بين أكثر من 300 مشارك في مختلف الأعمال من رسم، ونحت، وتصوير، وموسيقى، وشعر، ومسرح، وما إلى ذلك".
وتسعى جائزة الجون بيرن التي تأسست عام 2012، لتوفير منصة إبداعية شاملة لنشر تبادل الأفكار من خلال الأعمال الإبداعية، الجائزة تقبل جميع المشاركات وفي مختلف المجالات على مدار السنة للمقيمين في إسكتلندا، وتمنح جوائز سنوية وربع سنوية لأكثر الأعمال منطقية وبناءة، وأكثرها إقناعاً، ويتم عرض جميع المشاركات في معرض جائزة الجون بيرن على الانترنت، حيث يتم الحكم على المشاركين بالتساوي على العمل الإبداعي والبيان النصي المقدم في المشاركة.
ونوهت إلى أن مشاركتها في جائزة الجون بيرن كان التحدي الأمثل والأكبر، "لم أستطع الاندماج سريعاً في الوسط الفني والثقافي في إسكتلندا، وقضيت أغلب أيامي في المنزل أرسم سلسلة العائلة، كان عندي الشغف بأن أبرز لوحاتي للوسط الفني بإسكتلندا، فكان السبيل الوحيد هو المشاركة في المسابقات عبر الأنترنت، فبحثت ووجدت مسابقة الجون بيرن كأول مسابقة".
وتوضح شذى التوي أن مشاركتها كانت لمجرد العرض والتلويح بأن هناك فنانة يمنية عربية متواجدة، "كنت مندهشة من حجم وقوة المشاركات، فأغلب المشاركين درسوا الفنون واختصوا بها بدعم وتشجيع كبير من مجتمعهم وعائلاتهم، والكثير منهم محترفين منذ سنوات طويلة".
وعن نتيجة المنافسة تقول "لقد تأهلت لوحاتي إلى أفضل ثلاثين مشاركة، ومن ثم إلى أفضل 7 مشاركات، كنت سعيدة جداً بذلك، وكان إنجاز كبير بالنسبة لي، وفي النهاية تم اختيار مشاركتي بالمركز الأول بإجماع لجنة التحكيم التي تضم فنانين وأدباء إسكتلنديين بارزين، وكانت هذه الفرحة الكبرى".
وفي ختام حديثها وجهت شذى التوي رسالة للفئة الشابة في بلادها اليمن "رسالتي للشباب في اليمن، كونوا سند للبعض، وابتعدوا عن السياسة والطائفية، لا تدعو تجار الحرب يلعبون بكم كما لعبوا بالأجيال السابقة واوصلونا إلى ما نحن فيه، فلا تكرروا أنفسكم وكونوا أنتم التغيير. أعلم بأن المعوقات كثيرة، ولكن علينا الإيمان بأحلامنا والسعي وراء تحقيقها بكل السبل، فالضوء الذي يسطع في عتمة الطريق يخبرنا دائماً أن نستمر مهما كلف الأمر".