سارة سليمان: "أجساد بطولية" فيلم وثائقي يشيد بدور النساء ونضالهن

واقع نساء السودان يثير اهتمام الكثير من الباحثين/ات في شؤون المرأة ويخيف المعنيين بقضاياها، خاصة أن الرجال استحوذوا على أجسادهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تمكنت المخرجة سارة سليمان من الوقوف على جانب من التاريخ النضالي للمرأة السودانية من خلال فيلم "أجساد بطولية"، وكذلك طريقة التعامل مع جسد المرأة وكأنه ملكية للأفكار الذكورية لتشويهه والسيطرة من خلاله على عقلها ووعيها.

"سلام على الملهمات الرائعات القادرات على تغيير واقعهن والتحرر من سطوة العبودية للإمساك بمشاعل الحرية وإنارة الكون بصوت النضال والصمود والتحرر من جميع الأفكار الذكورية، سلام على أجساد وقفت في وجه الراغبين في استغلالها وقهرها وإرضاخها للذكورية التي أوشكت أن تقترب من الاستعباد والاستحواذ الكامل".

للوهلة الأولى من مشاهدة الفيلم الوثائقي التاريخي الحامل لعنوان "أجساد بطولية" للمخرجة سارة سليمان الحاصلة على ماجستير في النوع الاجتماعي، ستجد عبارات من تتر الفيلم كأنها ترنيمة إعزاز وتقدير للمرأة السودانية التي مرت بمراحل قاسية وتحررت عبر تلك الحقبة من سطوة الذكورية التي هيمنت على جسدها واستغلتها في كثير من الأحيان وناضلت نحو التحرر متمردة على ذلك الواقع.

حيث تمكنت المخرجة سارة سليمان من الوقوف على جانب من التاريخ النضالي للمرأة السودانية ورصد مراحل نهوضها في حقبة زمنية غاية في الأهمية تقريباً من عام 1900 وحتى سبعينيات القرن ذاته لتقف خلالها على الكثير من الآلام في التعامل مع جسد المرأة وكأنه ملكية للأفكار الذكورية وتعمد تشويهه والسيطرة من خلاله على عقلها ووعيها، وأيضاً تلك الجوانب المنيرة في المسيرة النضالية للنساء ووصولهن للبرلمان والدفاع عن الأرض، وأيضاً الحرية، كل تلك النقاط تم التوقف عليها خلال حوار لوكالتنا مع صانعة هذا العمل المختلف في عالم صناعة الأفلام المخرجة سارة سليمان.

 

ما هي أسباب تسليطك الضوء على قضايا النساء من خلال التعامل مع أجسادهن، وبدايات عملك عليها؟

حينما بدأت في العمل على بحث التخرج قرأت الكثير من الكتب وأصابني ذهول من المعلومات لكوننا نعاني من أزمة في الوصول للمواد المعرفية بالداخل.

فالنساء تتحدثن بفخر عن آلامهن وهذا الأمر كان بداية تفكيري في تطوير عملي، وأثناء العمل على البحث بدأت أرى المشاهد أمام عيني وهو الأمر الذي جعلني بعد الانتهاء منه أقرر التوجه لتوثيق ما توصلت له في فيلم ليراه الجميع وخاصة الشباب لكونه سيغير الفكرة والوطنية ذاتها.

فالتغيير تاريخياً وكان صعب للغاية وتم على أكتاف وأوجاع حتى بات الأمر أبسط الآن وطريقة نضال النساء عبر الزمن قد تكون ملهمة في الوقت الحالي وتعيد الأمجاد مرة أخرى.

 

تطرقتِ لظاهرة الختان، كيف استطعت خلال مسيرتك توثيق هذا الانتهاك؟

الفيلم يتحدث عن الجسد واستخداماته من أجل التحرر وهناك ممارسات قامت خلالها الحكومة باستغلال تلك الأجساد للقمع، وأيضاً تشويه جسد المرأة ناتج عن العادات والتقاليد البالية، وممارسات كالعدل والشلوخ والختان وغيرها تستهدف قمع وقهر النساء ولا يمكن الحديث عن الجسد دون التطرق لها كما جاء بالفيلم، وكانت هناك مواد كثيرة وبحوث حول هذا الأمر، إلا أن فيلم "أجساد بطولية" سلط الضوء على تجربة خاصة وهو الأمر المميز به.

فواحدة من الضيوف روت في الفيلم كيف تم أخذها من ساحة اللعب وأجريت لها تلك الممارسة، وكيف استمر ألمها مع الوقت وكلما استمع لطريقة وصفها لما حدث لها أشعر بالألم الشديد.

فالآن هناك قانون مجرم للختان ولكن الممارسة مازالت مستمرة في القرى والأماكن البعيدة، وهناك نزوح للقرى من الخرطوم وهو الأمر الذي زاد من معدل إجراء الختان على الفتيات مرة أخرى لأن التوعية شحيحة الأمر الذي يؤكد أن العمل على الذهنيات ضرورة ملحة بالتوازي مع تنفيذ القوانين.

 

ممارسة الختان في السودان مختلفة، فهل مازال النوع الفرعوني منه منتشر في مصر؟

الأمر يعتمد على المنطقة بالأساس فهناك من يمارسوا بالفعل الختان الفرعوني وآخرون يمارسون ما يسمى بـ "ختان السنة" وهو الأقل ضرراً بالأول.

ولكن ما زال هناك تشويه وبتر لأعضاء المرأة التناسلية وفي الفيلم نجد الطبيبة فاطمة أبا بكر ترفض استخدام مصطلحات معينة كالختان والطهارة كما يتم الترويج له، مصرةً على أنه بتر لأعضاء النساء التناسلية لكون الأمر في حاجة لأن يواجه من حيث المفاهيم والجمل المتداولة أيضاً.

والختان يحتاج لعمل دؤوب فقديماً كان يمارس بنسبة 100% والآن هو أقل سواء في النوع أو الكم ولكن مازال الأمر يحتاج مخاطبة الأجيال كبيرة السن المتمسكة بالعادات والتقاليد التي تستخدم للنيل من الحقوق الإنسانية للنساء.

 

استوقفنا في الفيلم العديد من العادات الكارثية، ما أكثرها ممارسةً؟

العدل يعني عملية تضييق فتحة المهبل لزيادة متعة الرجل الجنسية وكانت تتم بنسبة 100% بعد كل ولادة وللأسف النساء تلدن كثيراً قد يصل الأمر لنحو 7 مرات، وفي كل ولادة تتم تلك العملية وكأنها تخيط قماش ثم يتحلل مع الوقت ولا توجد أية متعة جنسية في ذلك ويتجه الرجل عادة للزواج بأخرى.

وممارسة العدل يتم مقابل الهدايا الثمينة ورغم أن تلك العملية مؤلمة خاصة أنها تتم عقب كل ولادة، إلا أنها كانت تحدث بنسبة 100%، وحتى الممارسة الجنسية نفسها مؤلمة عقب إجراء تلك الجراحة.

ومسألة الشلوخ أو دق الشلوفة الخضراء اللون كانت تمارس أيضاً بشكل واسع، والشلوخ كانت تتم قديماً للرجال والنساء لتتفاخر القبائل بالعدد المنتمي إليها وكل منها كان لها شكل محدد يميزها عن غيرها.

ومع الوقت اندثرت تلك العادة في وجوه الرجال وبدأ تناول الشعر والغناء لها كرمز لجمال النساء لتصبح الفتاة في سن البلوغ هي من تطلب فعل هذا الأمر بسبب التلاعب بذهنيتها لتقوم بطلب القيام بهذه الممارسة.

 

كيف وثقتي تواجد المرأة في المجال العام والثورات والنضالات خلال تلك الفترة وما أبرز ملامحها؟

رغم وجود الكثير من الجوانب المحزنة في الفيلم، إلا أنه تطرق إلى الجانب المبهج وتحدث عن نضال صعب وطويل به الكثير من الإنجازات التي تعمق الشعور بالفخر لدى السودانيات.

ففاطمة أحمد إبراهيم حينما دخلت البرلمان كانت أول امرأة في المنطقة العربية والإفريقية تتمكن من ذلك، ليصبح لها صوت وكلمة وكان ذلك أبرز انتصار تم بالفعل ودليل على المثابرة والبداية المبكرة في نضال السودانيات لفرض وجودهن في ساحة البرلمان المخصصة فقط للرجال في قت مبكر.

ثم الحديث عن سعاد إبراهيم أحمد، ونضالها الطويل ضد الحكومات القمعية وسجنها وتعرضها لوصم مجتمعي لأن فكرة السجن السياسي للنساء حينها لم تكن موجودة من الأساس، فكانت أول امرأة تسجن من قبل حكومة وطنية في عهد النميري ونضالها كان سابق على ذلك خاصة أنها قادت أول تظاهرة نسوية في حلفا قبل ذلك لتوصيل صوت النساء ورفضهن لبيع حلفا وخسارتها في بناء السد العالي والاتفاقية التي تمت مع مصر حينها.

ويمكن اعتبار تلك الحقبة من مظاهر مثابرة النساء وعدم صمتهن في المجال العام على الممارسات التي اعتبروها منافية لقناعاتهن وأفكارهن، لذلك كان من المهم تسليط الضوء على تلك النضالات وهذه المرحلة الزاخرة بالحراك النسائي في وجه الظلم والقمع.

 

إلى أي مدى ترين أن استخدام أجساد النساء في النزاعات والحروب أداة ضغط على المجتمع؟

للأسف هذا موطن ألم حقيقي فلا يتم استخدام أجساد النساء في الثورات فحسب بل في الحروب كذلك، وهو الأمر الذي يحدث في الوقت الراهن والنساء يتم استخدامهن واغتصابهن وحبسهن وأسرهن ليتم اغتصاهن بصور متكررة.

كما أن الأمر يتبعه وضع نفسي معقد وشديد الصعوبة لهن ثم الحمل ومسألة التخلص من الأجنة وغير ذلك من كوارث في الحرب الحالية وكأنها موجهة لأجساد الفتيات لتدفعن الفاتورة الأكبر.

والسبب في ذلك يعود لربط المجتمع شرفه بالمرأة والممارسات الجنسية التي تخضع لها، وهو أول ما يستهدفه العدو ليقهر المجتمع فيعمد إلى سلب شرفه لكون ذلك واقع مؤثر في المعتقدات والموروثات الراسخة في وجدان المجتمع السوداني.

وبالعودة للفيلم فقد تم سجن سعاد إبراهيم أحمد والسبب في ذلك يعود لكون ذلك نوع من الضغط لأن من تسجن هن النساء بائعات الخمور أو اللواتي تعملن بالدعارة فالحكومة استخدمت الموروثات السيئة تجاه المسجونات ليتم إبعاد من تعملن في السياسة حتى لا توصمن مجتمعياً وتسوء سمعتهن وهو أمر تكرر في الثورات للضغط على أسرهن خاصة أن جانب من الممارسات يأتي بعدها فحص عذرية مما ينشر حالة الخوف وتمنع النساء والفتيات من المشاركة السياسية.

 

تطرق الفيلم للفنون والنساء، فكيف كان وجودهن في هذا المجال وكيف كسرن الصورة النمطية؟

بالطبع التوجه للفنون غيّر الكثير من النظرة العامة له، فالفيلم تاريخي يتحدث عن حقبة زمنية ونوع الفنون الممارسة حينها كانت بسيطة وتمارسه بعض القبائل والأثنيات الموجودة بالشارع ممن لم يكن يؤثر عليهم نظرة المجتمع بقدر التمكن من توفير احتياجاتهم.

وظل الفن لفترة طويلة قاصر على تلك الفئة ومرتبط بها حتى أتت فرقة "البلابل" وهن أخوات ومن أثنية مختلفة وليست موجودة بالساحة لتعملن في الفن وهو ما شجع الكثيرات عليه.

ودخول البلابل للفن غيّر من النظرة تجاهه وبدأ الأهالي يرون أن الفنون بها الطالح والصالح ومن يرغب في عمل لون مميز وهادف ومختلف سيتمكن من ذلك، ويمكن القول إنهن فتحن الساحات لفن يقدم الهوية السودانية بشكل مختلف وبه إبداع ومنحنى مميز عما كان يمارس قبل ذلك.

 

ما هو التوضيح حول عدم امتلاك النساء لأجسادهن وفي نفس الوقت أكد على أن الثورة الحقيقية ستكون بأيديهن؟

الفيلم يهاجم الذكورية بمختلف صورها سواء في القانون أو السياسة والمجتمع وكذلك في الأسرة والمنزل والشارع، محاولاً كسر كل تلك الأشكال ويمكن الرائي من فهم جذور الذكورية وسبل سيطرتها على النساء وبالوعي حول ذلك يمكن الرفض والمقاومة والتخلص منها فعلياً.

والمرأة في كثير من الظروف اضطرت بمساومة الذكورية الخضوع لبعض المفاهيم التي تقمع النساء ذواتهن لتشعر ببعض السلطة مع الذكر ويصبح لها قرار في الحفاظ على أسرتها من باب التلاعب.

وكسر القيود يتم من خلال التواجد بالبرلمان ومختلف ساحات النضال وتم قطع مشوار طويل إلى أن أتت حكومة الإسلاموية مع عمر البشير لتتدهور أوضاع النساء ويعود المشهد للخلف أكثر من 60 عاماً وتجرد النساء من مكتسباتهن.

والآن مع هذا المشهد وهذه الخسارة الكبيرة بات الأمل في الإعمار الذي عادة يحدث عقب الدمار، وهنا لابد من عودة المرأة السودانية لنضالها وتجاربها القديمة لتصبح لها القيادة الفعلية وتتعلم من الدروس السابقة وفي هذه المرة سيكون لها وجود حقيقي وحضور في التغيير المرتقب.

 

ما الذي حققه الفيلم الوثائقي والتاريخي على الصعيد الدولي؟

العرض الأول للفيلم كان بمهرجان إدفا بأمستردام وهو من أكبر مهرجانات للأفلام الوثائقية بالعالم وهذا كان حدث هام بالنسبة لكون الفيلم أول أعمالي.

وأخذ جولة كبيرة في أوروبا وأمريكا والعالم العربي وأفريقيا والأصداء كانت مرضية لأن هناك الكثيرون سعدوا بالتعرف على تاريخ السودان على هذا النحو خاصة أنني اعتمدت على الأرشيف الذي ساعد في تقريب الصورة لتلك الحقبة.

والنقاشات والمواضيع بالفيلم كان بها الكثير من الصدمات وباتت هناك تساؤلات حول تفاصيل ما تم عرضه وواحد من أهم الأمور التي طرحت أن أجساد النساء في جميع الدول تحت الحصار والقمع بنسب مختلفة.

وحصلنا على العديد من الجوائز منهم جائزتين من كندا وجائزة شيرين أبو عاقلة لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان فلسطين وجائزة الجمهور في مهرجان بالسويد.

وعرض الأوبرا بمصر كان مختلف فقد تم عرض الفيلم بالسودان قبل النزاع الدائر بأسابيع، ثم عُرض في مهرجان الإسماعيلية وبعدها جاء هذا العرض الذي حضر خلاله الجمهور السوداني وكان متلهف لرؤية الفيلم.

والفيلم سيعرض فترات زمنية مختلفة لكونه تاريخي وبه مادة قوية مناسبة لكل الأوقات فهي تعليمية تخاطب العقول والوعي العام وهادف للتغيير.

وقد وجدت نفسي في صناعة الأفلام التي ترفع من أصوات النساء، لديّ الآن مشروعين الأول فيلم روائي قصير ومعي منتج بريطاني وفكرته تكمن في الألم وبه قصة تدور حول النساء في معاناة محدد وجاء قصير حتى لا يتألم المشاهد لوقت أطول، والثاني جمع بين الوثائقي والروائي وهو تاريخي يتحدث عن فترة العشرينات وتدور أحداثه في مكان واحد وبه قيادة للنساء والصوت النسوي به عالي جداً.