قصة "سباط كساب" الأثري ترويها السبعينية سعاد كساب
بالرغم من ترميم "سباط كساب" عام 2003 بهدف الحفاظ على شكله المعماري وترميم الأعيان الأثرية في منطقة حيّ الدرج بغزة، إلا أن بعض زوايا السباط باتت مهترئة وبحاجة إلى إعادة ترميم وعناية.
رفيف اسليم
غزة ـ تعتبر الأسبطة أحد أنواع العمائر التاريخية والتراثية القديمة، التي كانت توجد في مراكز المدن بشكل واسع، إذ كانت تتميز البلدات القديمة بالممرات والأزقة الضيقة والمتعرجة والمتشابكة، ما كان يدفع إلى إيجاد الأسبطة كأداة لتوفير الخصوصية والأمان لأهالي الحي.
تعيش السبعينية سعاد كساب في منزل عائلتها القديم رافضة جميع المحاولات التي عرضت عليها للبيع والانتقال إلى أحد الشقق السكنية الفاخرة في مركز المدينة، فتأتي أهمية المنزل بالنسبة لها كونه مرتبط بأحد رموز العمارة المعمارية منذ العهد العثماني وهو ما يسمى بالسباط، ولاتصاله بتاريخ عائلتها وأجدادها الذين تعتز بهم.
وأوضحت سعاد كساب أن السباط أنشئ قديماً لحماية الحارات من السرقة، فالفكرة تقوم على وصل البيوت المتلاصقة بأقواس الهدف منها توسعة الشارع الواقع عليه أو البناء الملاصق له لتشكيل مداخل رئيسية للحارات يمر تحتها ممر أو طريق ضيق مع وجود غرفة مرتفعة لها قبة وشباك تتمكن من خلاله مراقبة المارة والإحالة من حدوث التعديات.
وتسمى الأسبطة بحسب ما ذكرت لنا سعاد كساب بأسماء العائلات التي تملك البيت المجاور لغرفة المراقبة أي "السباط" فما بقي منهم في قطاع غزة فقط اثنان واحد لعائلة كساب والآخر لآل العلمي، لافتةً إلى أن حي الدرج الذي يحوي السبطان يضم العديد من البيوت الأثرية القديمة والمساجد والحمامات التي تجسد فن العمارة في العهد العثماني.
فبحسب سعاد كساب يحد "سباط كساب" من الجهة الجنوبية حمام السمرة والجامع العمري، الذي يعتبر من أكبر المساجد الموجودة في قطاع غزة وأقدمها، فيما يحده من الغرب سوق الزاوية التراثي، ومن الشمال قصر الباشا، مشيرةً إلى أن البيت المؤدي إلى سباط كساب يتكون من العناصر الأساسية والتقليدية للبيوت القديمة وهي الساحة الواسعة التي تتصل بجميع غرف المنزل والأقواس والأعمدة والأسقف والخرستانات والدرج الذي يصل المنزل بالطابق الثاني أي الغرفة ذات القبة أو السباط.
ولفتت إلى أن نوعية الحجار الرملية القديمة التي بني منها المنزل تحتفظ ببرودة الشتاء للصيف والعكس، فعندما تزور السباط بالصيف تشعر بالبرودة المنبعثة من تلك الحجارة وعندما يأتي الشتاء تجد الدفء داخل البناء العتيق، مشيرةً إلى أنه كان يستخدم في بنائها كلاً من الجير، الرمل والفخار وزفزف البحر والطين والقش، وعدد من المواد الطبيعية لذلك لم تعد تستخدم اليوم، كما يتراوح سُمك الجدران من 70 سنتيمتراً حتى متر للحوائط الحاملة كي تؤدي وظيفتها الإنشائية، موضحةً أن تلك البيوت أنشئت لتحمل بالكاد طابقين لذلك عندما أرادت تعمير طابق ثالث حذرها الخبراء كي لا يهدم المنزل والسباط.
وذكرت أن طراز بناء البيت قديماً كان يتوافق مع أسلوب الحياة، والذي يضم 6 عائلات أو أكثر، كل عائلة تتخذ من الغرفة الواسعة سكناً لها، فيما يبقى فناء المنزل الواسع فسحة للجلسات والتسامر، مردفه أن اليوم لم يعد نمط تلك الحياة ممكناً فهدمت غالبية البيوت المحيطة بالسباط وظهرت بدلاً منها العمارات السكنية ذو الطوابق المتعددة وهذا ما رفضت هي فعله.
ويحمل ذلك البيت بالنسبة لسعاد كساب تاريخ العائلة والأجداد وقصصه القديمة التي ترجع للعهد المملوكي، فتشير إلى أنها سجلت جميع تلك القصص التي تناقلتها عن جدتها وأم زوجها في مرجع كبير لكنها أضاعته ولم تعد تحتفظ اليوم جراء خيانة الذاكرة لها سوى بقصة واحدة ترويها لأحفادها عن جدها الأكبر الذي سكن هذا البيت وكان يعتبر من كبار ووجهاء تجار بلاد الشام.
فتعود بنا سعاد كساب إلى طفولتها لتروي لنا أن جدتها نقلت لها عن ذلك البيت الذي تقطن به اليوم أنه بني على منطقة عالية تشبه الجبل، فكان يكشف جميع الأماكن المجاورة وهذا ما أكسب الحي تسمية الدرج نسبة للتعرجات، مشيرةً إلى أنه عندما كانت تأتي قوافل التجار تسترشد من خلاله على الطريق الصحيح لمدخل مدينة غزة، وهذا ما جعل جدها الأكبر يضع زير الماء وهو فخار يحوي الماء المثلج طوال العام إضافة لتقديمه الذبائح حتى يكرم ضيوفه.
ولفتت إلى أن البعض أرجع سبب بناء تلك البيوت على هيئتها أي سباطي العلمي وكساب لأنها كانت عبارة عن فنادق تستقبل المسافرين وتوفر لهم الخدمات المناسبة ثم قرر أصحابها السكن بها وإنهاء التأجير، مضيفةً أن هناك مقولة أخرى عن تلك البيوت وهي أنها بنيت كقصور للملوك في العهدي المملوكي والشائعات كثيرة خاصة أن عمر المنزل أكثر من 700 عام.
وتستقبل سعاد كساب العديد من الزوار الشباب/ات الوافدين إلى المكان والذين يقودهم الفضول لمعرفة القصص حول بناء السباط والمنازل في تلك المنطقة تحديداً، مشيرةً إلى أنها تستضيف العديد من العاملين في مجال الإعلام والفني لتصوير عدة قصص ومسلسلات داخله كمسلسل الفدائي، لأنها تؤمن أن الحديث عن ذلك المكان هو واجب لأنه إرث قديم ملك لفلسطين قبل أن تتملكه هي والعائلة.