"قصر الباشا"... معلم أثري ومتحف يجمع العديد من الحضارات
"قصر الباشا" واحد من أهم المعالم الأثرية في قطاع غزة بحكم تاريخه وموقعه الاستراتيجي على المدخل الرئيسي للبلدة القديمة لمدينة غزة، تحول إلى متحف يجمع العديد من الحضارات.
رفيف اسليم
غزة ـ يعتبر "قصر الباشا" النموذج الوحيد المتبقي من القصور في غزة، حيث يمثل معلماً تاريخياً وحضارياً وأثرياً منذ إنشائه في العهد المملوكي قبل أكثر من سبعة قرون.
ينجذب المتجول في أطراف البلدة القديمة إلى ذلك القصر الأصفر المشيد على مساحة تقدر بـ 6 دونمات، فبالرغم من صغر مساحته إلا أن قصر الباشا لا يزال يحتفظ بمعالمه الثابتة التي تعود لأهم عصور العمارة الإسلامية والمرتبط بنائها بعدة مرفقات حولها كسوق الزاوية وحمام السمرة، وتطوير المسجد العمري الكبير، ليبقى الشاهد الوحيد المتبقي على القصور التي بناها المماليك في مدينة غزة.
فبحسب ما أخبرتنا به الباحثة في التاريخ والآثار ناريمان خلة فإن تاريخ القصر يعود بنائه لنهاية الدولة المملوكية أي قبل 750 عاماً، حيث كانت تبنى القصور كمقرات للملوك في الدول التي يمرون بها كمبنى إداري وليس سكني لإدارة شؤون البلاد، مشيرةً إلى أن القصور كانت تبنى بمرافقها أي يجب أن يكون بالقرب منه مسجد وحمام وسوق كي تكون كافة الاحتياجات قريبة من الملك.
ولفتت ناريمان خلة خلال الجولة التي اصطحبت بها مراسلتنا للتعرف على القصر، أن البناء المعماري يعكس فلسفة وطابع العمارة الإسلامية، فيحتوي القصر على حديقة واسعة وعدد من الأقواس والقباب ومدخل يقع في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي، كما يتكون من مبنيين منفصلين، موضحةً أن مبنى المتحف وهو الجزء المخصص لعرض المقتنيات الأثرية.
أما في السابق فكان للمباني تقسيم آخر بحسب ما أوضحته ناريمان خلة، فخلال العهدي المملوكي والعثماني، وهما السلملك وهو المبني الخاص بالرجال، والحرملك الخاص بالنساء، ليحول الانتداب البريطاني قصر الباشا بعد سيطرته على قطاع غزة لمقر شرطة مطلقاً عليه اسم "الديبويا" مخصصاً سجن للرجال وآخر للنساء، مشيرةً إلى أن الانتداب البريطاني كان يتعمد قصف كافة المباني الأثرية والبيوت في البلدة القديمة في تلك الفترة كيلا يبقى لفلسطين إرث ثقافي، بالرغم من ذلك بقيت الكثير من المباني الأثرية صامدة حتى يومنا هذا.
وتبعاً لتلك المراحل التاريخية التي مر بها القصر تفيد ناريمان خلة أن هناك عدة تسميات أطلقت عليه منها "قصر النائب" في العهد المملوكي (1260 ـ 1517)، و"قصر آل رضوان" خلال العهد العثماني (1517 ـ 1923)، نسبة إلى أسرة آل رضوان التي حكمت غزة بين عامي (1556 ـ 1690)، كما أطلق عليه اسم "دار السعادة أو الدار العظيمة"، موضحةً أن بناءه يعود للعمارة المملوكية الإسلامية لوجود شعار الأسد على المبنى الرئيسي للقصر في المبنى الشمالي وهو عبارة عن أسدين متقابلين، والذي اتخذ للدلالة على انتصار المسلمين على المغول والصليبين.
لكن من التسميات الخاطئة التي رفضت ناريمان خلة التطرق لها خلال حديثنا هو تسميته "بقصر نابليون" بسبب شائعات عدة مفادها أنه عند قيام الحملة الفرنسية نزل نابليون بونابرت في القصر لمدة ثلاثة أيام، مشيرةً إلى أن تلك الإقامة القصيرة قبل أن يتوجه نابليون لمدينة عكا وينهزم خلف أسوارها لا تعطيه الحق بأن يطلق اسمه كلقب على المبنى القديم خاصة أنه كان مجرد زائر ضمن زوار وقادة كثر استقروا به لعدة أيام ثم انصرفوا.
وعند الحديث عن التغيرات التي لحقت بالقصر تلفت ناريمان خلة الانتباه إلى أن مساحة قصر الباشا قديماً كانت 60 دونم غالبيتها مساحات خضراء شاسعة لكن تم الاستغناء عنها بغرض البناء، مشيرةً إلى أنه بعد تقسيم فلسطين وخضوع قطاع غزة تحت الحكم المصري بين عامي ( 1948 ـ 1967) تم تحويل القصر لمدرسة أطلق عليها اسم "الأميرة فريال"، وبعد انتهاء ثورة 23 تموز/يوليو 1952، غير الاسم لـ "فاطمة الزهراء".
واستمر استخدام القصر كمدرسة للإناث حتى عام 2000 إلى أن جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وأدرجته ضمن المباني الأثرية، ليعاد ترميميه مرة أخرى في عام 2005 ويتحول بشكل نهائي إلى متحف بعام 2010، أي بعهد الحكومة الحالية لقطاع غزة ويصبح المكان قادر على استيعاب الزوار بعد أن تجمع في قاعاته أحد أهم القطع الأثرية النادرة التي تروي تاريخ فلسطين كما أوضحت ناريمان خلة.
وأشارت إلى أنه من ضمن القطع الأثرية التي يضمها القصر قطع الفخار وزينة النساء من الأحجار الكريمة التي تعود للعصري الروماني والبيزنطي والهاون المستخدم لطحن الطعام ومختلف أنواع العملات النقدية.
كما أن الأسلحة والخناجر والرمح والسيف والدروع وخوذ الرأس الحديدية المستخدمة في القتال كانت من ضمن القطع الأثرية التي يحتويها قصر الباشا، إضافة إلى مكحلة النساء والقوارير الزجاجية مختلفة الاستخدامات، وتلك المقتنيات بالإضافة لطراز البناء هو ما يجعل القصر يستقبل مئات الزوار يومياً الذين ينبهرون بمحتويات المتحف وطريقة بناء القصر.
وبالرجوع لطراز البناء فإن الحجارة المستخدمة في تشييد قصر الباشا هي كركارية رميلة وهذا ما يجعله يحتفظ ببرودة الشتاء للصيف والعكس صحيح، فيما بني القصر بطابق واحد وأضافت له دعامات ليستوعب طابق ثاني في عهد الدولة العثمانية، مشيرةً إلى أن أهم ما يميز البناء وجود الأقواس والقباب واليوكات أي الخزانات الداخلية من البناء نفسه والمصطبة التي توضع أمام الشباك.