نساء شمال وشرق سوريا يتقن لغات المنطقة المختلفة

تتحدث النساء اللواتي تربينَّ في بيئة تعيش فيها قوميات مختلفة لكل منها لغة خاصة أكثر من لغة، وما زلن يحتفظنَّ بهذا المخزون الثقافي رغم تقدمهنَّ بالسَّن.

سيلفا الإبراهيم
منبج ـ   
تتقن العديد من النساء في مناطق شمال وشرق سوريا عدد من اللغات التي تزخر بها هذه المنطقة، من عربية وكُردية وشركسية وتركمانية وسريانية وغيرها. 
 
"تعلمت اللغة التركمانية من جدتي والشركسية من والدتي"
ناجية حج محمد (62) عاماً من مدينة منبج، والدتها شركسية الأصل ووالدها تركماني، تقول إنها تعلمت التركمانية من جدتها "لم تكن جدتي تجيد التحدث سوى باللغة التركمانية، فكانت تطلب مني الأشياء بالإشارات والرموز، وبهذا بدأنا أنا وأخوتي نفهم ما تريده شيئاً فشئياً، وحفظنا الكلمات التي كانت تُرددها وعرفنا معانيها".
أنهت المرحلة الإعدادية في عام 1973، ودرست لمدة أربع أعوام في دار المعلمات لتكون أول امرأة في منبج تُقبل فيها في ذلك الوقت، وكانت من بين الخريجين العشرة الأوائل، وبعد ثلاث سنوات من التدريس، عملت كموجهة في ثانوية للفتيات، انتقلت بعدها إلى مدينة حماة لتُعين كمديرة مدرسة، واستمرت بذلك حتى تقاعدها وعودتها إلى منبج في عام 2005. 
تقول إنها أخذت اللغة الشركسية عن والدتها، وتعلمت اللغة العربية من رفاقها في المدرسة، إذ أن المناهج تعطى فقط باللغة العربية، "إن ما تُعلمهُ الأم يُحفر في ذاكرة الطًّفل، لأنها تَقضي جميع أوقاتها في رعايته، والنساء هن اللواتي يلعبنَّ الدور الأساسي في تعليم اللغة، فتعلمت التركمانية من جدتي لأنها تتقنها بشكل كبير، أما والدتي فلم تكن تتحدث الشركسية كثيراً". 
وقبل اندلاع الحرب السورية في عام 2011، كان هنالك العديد من الأسر الشركسية في مدينة منبج، إلا أن الأوضاع الراهنة تسببت في تضاؤل العدد إلى 150 عائلة تقريباً.
في السابق كان العديد من الشركس يتقنون اللغة التركمانية، إلا أن قلة من التركمان يجيدون التحدث باللغة الشركسية، والحديث لناجية حج محمد يرجع إلى سياسة التتريك التي حاول العثمانيون تطبيقها على سكان المنطقة، خلال أربعمئة عاماً من سيطرتهم.
 
"لم أنسى اللغات التي تعلمتها، فنحن كنا ولا نزال أسرة واحدة"
وترجع ناجية حج محمد احتفاظها بهذه اللغات رغم مرور السنوات إلى التعايش المشترك بين المكونات الأربع في مدينة منبج "روابطنا الاجتماعية متينة، ففي الماضي كان كل فرد يتقبل ويتعرف على ثقافة الشعوب الأخرى التي يتعايش معها، بعيداً عن أشكال التَّمييز العنصري"، وتؤكد "كنا ولا نزال أسرة واحدة".
وتقول إن نسبة تعلم لغات المكونات الأخرى تضاءلت بشكل ملحوظ، "يرجع ذلك إلى السياسة الممنهجة المتبعة من الأنظمة التي تدعو إلى تعلم اللغة الواحدة، وإنكار بقية لغات شعوب المنطقة، ونرى ذلك عبر الأجيال الجديدة التي لا تمتلك الإلمام الكامل بلغتها الأم ولا بلغات شعوب منطقتها، وكل ذلك لغرس بذور الطائفية وصهر الأنماط الثقافية الأصلية لشعوب المنطقة".
وتقول ناجية حج محمد أن مشروع الأمة الديمقراطية هو خير وسيلة للحفاظ على الثقافة واللغة، وإعادة الترابط الاجتماعي والحياة التشاركية التي كانت تسود بين مكونات المنطقة عموماً "أحيوا ثقافتكم من جديد، في ظل المشروع الذي يجمع كافة المكونات والأطياف على اختلاف الأعراق والمذاهب". 
 
"أتقن اللغتين الكردية والعربية وأخذت التركمانية من أصدقاء طفولتي"
تركيا الأوسو (78) عاماً، تعيش في قرية المحسنة في منبج والدتها عربية ووالدها كردي، تقول عن اللغات التي تتقنها "في منبج يوجد أربع مكونات، يربطها نسيج اجتماعي متين، وأنا بدوري تعلمت اللغتين الكردية والعربية من والديَّ، واللغة التَّركمانية من أصدقاء طفولتي".
ولم تعاني تركيا الأوسو من أي صعوبة في إتقان هذه اللغات، إذ أنها كبرت وهي تتحدث بها، وعلمت بناتها وأبنائها اللغتين العربية والكردية، إلا أن نمط دراستهم بالعربية طغى على لغتهم الكردية، "أشعر بالحزن، لأنهم لا يستطيعون تحدث اللغة الكردية بسلاسة، ولا سيما في وقت سيطرة مرتزقة داعش على المنطقة لمدة أربع أعوام، إلا أنه وبعد التحرير في عام 2016، بات الجميع قادراً على التحدث باللغة التي يرغب بها ويتقنها".
وتتمنى تركيا الأسو أن يحمي كل فرد لغته وثقافته من الضياع، "اللغة هي هوية الإنسان وأصله، وحافظة تاريخه وثقافته، لذا يجب عليه ألا يتخلى عنها".