نكبة فلسطين بعيون "فرحة" في افتتاح مهرجان "أيام بيروت السينمائية"
افتتح مهرجان "أيام بيروت السينمائية" بعرض فيلم "فرحة" الذي ينقل أحداث نكبة 1948 التي عايشها الفلسطينين.
كارولين بزي
بيروت ـ افتتحت دور العرض مهرجان أيام بيروت السينمائية، بعرض فيلم "فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلّام، هو الفيلم الروائي الأول في مسيرتها، ينقل العمل واقعاً مختلفاً تماماً عن الفرح والسعادة، فهو ينقل أحداث نكبة 1948 التي عايشها الفلسطينين بعيون فرحة.
شارك فليم "فرحة" في عدة مهرجانات في وقت سابق وحاز جوائز عديدة، إذ حصل العمل على جائزة الاتحاد الأوروبي كأفضل فيلم يورو متوسطي يتناول قضايا المرأة، كما فاز العمل بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان مالمو للسينما العربية وشارك في مهرجان تورنتو السينمائي.
انطلقت فعاليات مهرجان أيام بيروت السينمائية أمس الجمعة 10حزيران/يونيو، من سينما سيتي في أسواق بيروت وتستمر حتى 19من الشهر ذاته.
"فلسطين بعيون فرحة"
على الرغم من أن الفيلم يحمل اسم "فرحة" إلا أن أحداث العمل تنقل واقعاً مختلفاً تماماً عن الفرح والسعادة، فهو ينقل أحداث نكبة 1948 التي عايشها الفلسطينيون بعيون فرحة.
لم يكتمل حلم فرحة بموافقة والدها على التحاقها بالمدرسة الموجودة في المدينة لمتابعة دراستها وذلك بعد محاولات حثيثة من قبلها ورفضها الزواج من ابن عمها "ناصر"، الفرحة لم تكتمل عند فرحة التي كانت تخبر صديقتها "فريدة" بأنها ستنتقل معها إلى المدينة وراحت تحدثها عن أحلامها بأنها ستصبح معلمة وتعود إلى القرية لافتتاح مدرسة للبنات فقط على غرار مدرسة الفتيان. وقبل أن تبدأ "فريدة" بالحديث عن حلمها، تتبدد تلك الأحلام والآمال وتنقلب الحياة رأساً على عقب مع بدء أحداث نكبة فلسطين 1948.
رفضت "فرحة" أن تترك والدها وتذهب إلى المدينة من أجل سلامتها، فما كان من الوالد إلا أن قام بوضع ابنته في "غرفة المونة" وأقفل عليها بالطين خوفاً عليها من "الجيش الإسرائيلي".
في تلك الغرفة عايشت فرحة كل ما يمكن للفتاة أن تعايشه، وكانت شاهدة على جرائم العدو الصهيوني من خلال فتحة الباب. كانت شاهدة على جريمة قتل أبو محمد وأولاده وطفله الرضيع الذي تُرك يبكي حتى الموت. وعندما استطاعت فرحة أن تخرج ولم يعد والدها كما وعدها، ذهبت إلى مكان استكملت فيه حياتها حيث وصلت إلى سوريا كما تشير مخرجة العمل دارين سلّام في نهاية الفيلم.
"فرحة هي فلسطين قبل النكبة"
وعن فيلم "فرحة" قالت المخرجة دارين سلام لوكالتنا "أطلقت على الفيلم اسم فرحة لأنني كنت أسمع قصصاً من أجدادي عن فلسطين قبل النكبة فكانت بمثابة الفرحة، وهي الفرحة التي سُلبت من الشعب الفلسطيني مع النكبة، لذلك رافقني هذا الاسم لغاية اليوم".
وأضافت "فرحة فيلم روائي طويل يتناول رحلة فتاة اسمها فرحة تبلغ من العمر 14 عاماً، تحلم بكل بساطة أن تكمل دراستها وأن تنتقل إلى المدينة مع صديقتها "فريدة"، ثم يتحول هذا الأمر إلى مأساة بسبب الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين، ما يجبرها أن تبقى في غرفة بعدما قام والدها بسجنها فيها خوفاً على حياتها، ويعدها بأنه سيعود ولا يعود. هي رحلة فرحة ورحلة نضوج وبلوغ لهذه الطفلة، وكيف يتحول حلمها إلى أن تنجو بحياتها".
وعن سبب الحديث عن نكبة فلسطين والعودة إلى العام 1948، تقول "لا يوجد العديد من الأفلام العربية والعالمية التي تتناول نكبة فلسطين، لذلك شعرت بأن هناك نقص في هذه الفترة، وهي نقطة تحول في تاريخنا العربي ولا زلنا حتى اليوم نعيش معاناتها. هذا حدث مصيري وهام جداً وكان من الضروري أن أكون مخلصة لهذا التاريخ وأن أصنع فيلماً عن هذه المرحلة. كأول فيلم روائي طويل يمكن لأي مخرج أن يخاف تناول حقبة زمنية لأن المسؤولية ستكون أكبر".
ولفتت إلى أنها لم تواجه أي مشكلة في إيجاد مراجع أو مصادر ومعلومات عن نكبة 1948 ولاسيما أنها تعيش في الأردن "لأنه منذ طفولتنا يقصّون على مسامعنا أحداث النكبة، لذلك كان من السهل أن نتعلم ونفهم ما الذي جرى، كما أن المراجع والتاريخ الشفهي والأرشيف والكتب كلها موجودة، ولكن كان عليّ أن أتحمل المسؤولية وأؤدي واجبي".
وأشارت إلى أن قصة فرحة هي قصة حقيقية "شخصية فرحة الحقيقية اسمها رضية التقت بوالدتي عندما كانت صغيرة وأخبرتها قصتها، وعندما كبرت والدتي شاركت القصة معي ورافقتني هذه القصة وعندما كبرت قررت أن تكون فيلمي الروائي الأول".
صوّرت دارين سلام الفيلم في الأردن، وفق ما تشير "نحن محظوظون بأن الطبيعة الجغرافية للأردن تشبه فلسطين، ولكن بالتأكيد كان هناك جهد كبير إذ قمنا بترميم قرية لكي تشبه معالمها قرية "لفتة" في فلسطين. حاولنا أن نكون مخلصين وننقل الصورة الحقيقية. أعتقد أن الصعوبات تكمن بأننا نسلط الضوء على حقبة زمنية، كما حاولنا أن نحضر الملابس في وقت مبكر قبل تصوير الفيلم وألا تبدو هذه الملابس كمسرحية فولكلورية وأن تبدو حقيقية ومليئة بالحياة، كان يهمني أن أقول بأن هذه الأرض لم تكن أرضاً بلا شعب بل كانت أرضاً تضج بالحياة والثقافة والتاريخ".
وحول حرصها على تجنب الأخطاء قالت "كنت شديدة الحرص في نقل الأحداث والوقائع والمرحلة الزمنية، لأن الجمهور إذا لمس هذا النوع من الأخطاء سيفقد المخرج مصداقيته، لأن ذلك بمثابة استخفاف بالجمهور وأنا أحترم الجمهور ولا أستطيع أن أستخف به".
وعما يشبهها في أحداث العمل، تقول "أنا أخاف من الظلمة ومن الأماكن المغلقة وهذا الأمر الذي كان يراودني دائماً في التفكير في "فرحة" وأسأل نفسي ما الذي فعلته في هذه الغرفة وما الذي شعرت به، حتى أن الكثير من الأشخاص الذين شاهدوا العمل لفتوا إلى أن "فرحة" تشبهني فهي متمردة".
وعن مشاركة فيلمها في افتتاح أيام بيروت السينمائية تقول "أنا سعيدة وفخورة بأن يكون "فرحة" فيلم افتتاح أيام بيروت السينمائية، بيروت كانت محطة للفيلم في مرحلة التطوير في العام 2017، إذ شارك الفيلم في ملتقى بيروت السينمائي".
وأضافت "بسبب الأزمة التي يعيشها لبنان سيشعر المشاهدون أكثر مع معاناة "فرحة"، لأن الألم موجود عندنا جميعاً وليس فقط عند اللبنانيين".
وأكدت دارين سلام بأنها سعيدة بأن يكون العرض الأول للفيلم في المهرجانات، ولكنها تعبّر أيضاً عن رغبتها في المرحلة المقبلة بأن يكون الفيلم في صالات العرض ومتاح للجميع.
وعن رسالتها من الفيلم تقول "بمجرد أن نسلط الضوء على ما كانت تعانيه الفتيات في العام 1948 ولا زالت تعيشه لغاية اليوم هو بحد ذاته رسالة"، أي أن هناك مجتمعات لم تتغير ولم تتطور فيما يتعلق بقضايا المرأة.
أبرز التحديات
بعد عرض الفيلم قالت مدير تصوير الفيلم راشيل عون "تأثرت كثيراً خلال مشاهدة الفيلم، إذ صورنا العمل منذ فترة وأنا اليوم أشاهده". وتشير إلى أن أبرز التحديات كانت بخلق ديكور مناسب لحقبة 1948 وبإمكانيات مادية قليلة.
وأضافت "الصعوبة الثانية كانت بانتقال تصوير الجزء الأكبر من الفيلم إلى داخل غرفة مظلمة، فكانت الصعوبة في كيفية خلق أحداث جديدة بالصوت والصورة، حتى لا يمل المشاهد وتبقى ملامح الممثلة معبّرة إذ كان ذلك بمثابة مسؤولية".
وعن دقة التفاصيل التي تناولها العمل ولاسيما خلال وجود "فرحة" في غرفة مظلمة، تقول "لأن الفيلم تدور أحداثه حول فرحة الموجودة إلى حد ما في سجن، وبالتالي يصبح أبرز إنجازاتها أن تشرب المياه، هذه التفاصيل كانت أساسية".
وأوضحت "منذ أن قرأت نص الفيلم أحببته، ووجدت أنه بمثابة تحدي واعتبرت أنه إما أن ينجح أو سيخرج الجمهور من صالة العرض في نصفه. أنا سعيدة جداً بالأصداء، والجمهور بقي يشاهد حتى اللحظة الأخيرة".
"الثقافة تستمر"
المخرجة إليان الراهب تتحدث عن رأيها في الفيلم لوكالتنا وقالت "الفيلم مؤثر جداً وخلال مشاهدتنا للعمل نشعر بأحداثه وبالخنقة الموجودة، وأعتقد كفيلم أول للمخرجة دارين سلام قامت بعمل جيد وإدارتها للممثلين، وكذلك سألت نفسي عن الطفلة التي شاركت في العمل ما الذي قيل لها لكي تعرف كيف تؤدي دورها باحتراف قبل أن ترى الواقع الذي يحصل حولها، إذ أنه يتم إضافة الأصوات لاحقاً وهناك جهد كبير بُذل على الصوت".
وعن عودة المهرجان تقول "الجمهور سعيد وهذا إثبات بأن الثقافة تستمر مهما حصل، وهذا الأمر يعطي أملاً لكثيرين".
وأوضحت "كمخرجون تهمنا الشاشة الكبيرة أكثر من عرض الأفلام على الشاشة الصغيرة، وكل ما قدمه المخرجون في العامين الماضيين لم يُشبع شغف المخرج، سعيدة بأننا شعرنا اليوم بالصوت والصورة من خلال الشاشة الكبيرة ولو شاهدنا العمل على التلفزيون لما عشنا تفاصيله وتأثرنا هكذا".
ويستكمل فيلم "فرحة" عرضه هذه الليلة في سينما إشبيلية في صيدا جنوب لبنان.