مليكة عمراني: أؤمن بتكامل الأجناس الأدبية
تقول الكاتبة والشاعرة التونسية مليكة عمراني أنها تمكنت من إيصال صوتها للناس رغم التحديات
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ بعد عشر سنوات من العمل رأى كتاب "مقالات نقدية في الشعر والنثر" النور مؤخراً ليضاف لرصيد الكاتبة والشاعرة والناقدة التونسية مليكة عمراني المتوجة بجائزة زبيدة بشير.
حول كتاب "مقالات نقدية في الشعر والنثر" الجديد، وعدة مواضيع أخرى حاورت وكالتنا الكاتبة والشاعرة والناقدة مليكة عمراني صاحبة المجموعة الشعرية "شردني الطين ذات تفاحة"، والمجموعة القصصية التي حملت عنوان "نقوش في جسد من رخام".
كتابك الجديد النقدي وجد تفاعلاً من قبل الوسط الأدبي والإعلامي، حدثينا عن هذا العمل؟
تمكنت أخيراً من أن أوصل صوتي للناس رغم التحديات فمنذ ثلاثين عاماً وهي عمر تجربتي الشعرية والقصصية والنقدية في تونس وأنا أحاول وأسعى جاهدةً لإيصال صوتي للناس فقد أفنيت عمري في الكتابة في الصحافة، وتمكنت من نشر ثلاثة كتب خلاصة مئات المقالات المنشورة في الصحف، وأعتبر انتشار اسمي إعلامياً ووصول نصوصي وصوتي للناس إنصافاً لي بعد سنوات الكفاح الطويلة، والبطالة والجلوس في المكتبات، والبحث الثقافي المضني.
رغم أنني اسم شعري وقصصي معروف أنشط منذ سنوات طويلة إلا أن النقد كان أوفر حظاً هذه المرة، ربما لتوفر الظروف المناسبة والجهود التي أبذلها في سبيل التعريف بهذا الكتاب الذي قضيت حوالي عشر سنوات في كتابته والعمل عليه، وهو ينقسم بين دراسات أكاديمية قدمتها في مستوى الماجستير لأسماء عربية كبرى ومقالات نقدية إبداعية لتجارب تونسية كبيرة ومهمة.
كل شكل من أشكال الكتابة وراءه أهدافاً يرغب الكاتب/ة الوصول إليها فماذا عنك؟
بدأت الكتابة الإبداعية شعراً ونثراً ونشاطاً في المشهد الثقافي والإعلامي التونسي منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي، وكنت قد أسست صحبة أجيال كاملة ملتقيات ونواد ونشرت شعري في المجلات والصحف التونسية والعربية وكنت أحصل على الجوائز الأولى في مجالي الشعر والنثر، وكونت رصيد ثقافي كما كونت رصيداً شعرياً مكنني من إصدار باكورة أعمالي سنة 2013 بعنوان "شردني الطين ذات تفاحة "، وهو كتاب في قصيدة النثر وكنت بالتوازي أنشر نصوصاً قصصية في الصحف والمجلات، وحين حصلت على عمل وجدتني متحمسة لنشر كتاب ثان، وهو مجموعة قصصية بعنوان "نقوش في جسد من رخام " نشرته عام 2018 مع دار نشر تونسية على حسابي الخاص، وكل نص في هذه المجموعة يحمل تجربة ومعاناة كاتبة تونسية مكافحة تسعى إلى إيصال صوتها للناس رغم الظروف الصعبة التي تحيط بتجربة الكتابة عموماً، وقد حصلت هذه المجموعة القصصية على جائزة زبيدة بشير للكتابات الإبداعية النسائية لسنة 2018.
وكان هذا الحدث حافزاً لي حتى أواصل مسيرة الكتابة، حيث تمكنت بعد أربع سنوات من نشر هذا الكتاب الجديد في النقد بعنوان مقالات نقدية في الشعر والنثر وجمعت فيه خلاصة كتاباتي النقدية الإبداعية في الصحافة التونسية وبحوثاً جامعية أشرف عليها أساتذة مختصون ودكاترة في الجامعة التونسية، ورغم انحيازي الكبير وحبي المفرط للشعر إلا أنني أؤمن بتكامل الأجناس الأديبة التي تكشف عن ثقافة صاحبتها ومجهوداتها الكبرى في العمل على نصوصها بكل مثابرة وجدية وأنا سعيدة جداً بثمرة جهودي.
للكتابة أهدافاً بعيدة المدى، فهي تغوص في الذات البشرية في عمق الوجود في الواقع الاجتماعي والثقافي من خلال التراكمات الثقافية والابداعية وكذلك القراءات ومعايشة الواقع، وممارسة الكتابة كفعل من أفعال الوجود.
التنوع بين كتابة الشعر والقصة والمقال يعكس ما لديك من ثراء فكري وزاد معرفي، فمن كان وراء ذلك؟
أولاً أنا إنسانة مجتهدة وقارئة جيدة لقديم الشعر والنثر والنقد وحديثه وباحثة عن المعنى والتجديد، ثانياً ورائي أسرة منفتحة دعمتني لأكمل مشوار دراساتي العليا، ثم إنني قد درست على يد أبرز أساتذة تونس والجامعة التونسية الذين كونوني وقادوني إلى الطريق الصحيح، وطبعاً الاحتكاك بأجيال شعرية كبيرة إضافة إلى السعي وراء النشاط المكثف والنشر والتواجد في المشهد الثقافي والإعلامي وفي المنابر الإعلامية.
كيف تقيمين وضع الكتابة في تونس؟ وما العراقيل التي واجهت الكاتبات خلال العشرية الماضية؟
تونس بطبيعتها ولادة فهي التي أنجبت للعالم والعالم العربي خيرة الشعراء والشاعرات، عموماً هناك حركة ثقافية لافتة ومحمودة رغم ظروف كورونا التي أثرت على قيمة الكتاب ولكنني اعتبر أن الشعر والأدب التونسي بخير وأثني على كل الجهود الخيّرة في سبيل النهوض بالثقافة رغم الصعوبات والعراقيل.
وهذا لا يمنع أن يكون هناك بعض المآخذ على السلوكيات العامة، وارجو أن يتحسن المستوى المعرفي والأخلاقي للوسط الثقافي وأن يحترموا المرأة، فهي تحمل على عاتقها مسؤوليات عدة فهي الأم والعاملة والفلاحة والكادحة والمثقفة التي تدفع ثمناً باهظاً وتضحي بحياتها حتى ترضي نقاداً أو جمهوراً قد لا يكون موجوداً في الأصل لذلك من أبسط حقوقها أن يحتفى بكتاباتها بشكل جيد وأن تقدم في منابر ثقافية وإعلامية.
وشخصياً لا اعتقد أن الكاتبات تواجهن في الوقت الحاضر عراقيل وصعوبات في طريقهن، فالبعض منهن أصبحن يحظين باهتمام إعلامي كبير، وربما يعود ذلك إلى جهودهن أو كسر حاجز الممنوعات، فقد أصبحت المرأة تعبر عن ذاتها بشكل أفضل وتدافع عن نصوصها، كما أنها تحررت من القيود التي تكبلها في كتابة الروايات والقصص والكتب.
تشرفين على نادي "الحياة قصة" للأطفال المختص في ترغيب الأطفال في المطالعة فكيف تفاعل معه الأهالي والأطفال؟
اعتبر تأسيسي لناد يعمل على ترغيب الأطفال بالمطالعة وتحرير النصوص من أهم التجارب الثقافية التي خضتها بمفردي حيث أبذل جهوداً كبرى في ترغيب الأطفال بالمطالعة وتدريبهم على الكتابة وهذا ما لاقى استحساناً كبيراً من قبل الأولياء وفرحة في صفوف التلاميذ الذين ابتعدوا عن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي أصبحت تروج الرداءة وتقلص دور الكتاب المخصص للأطفال لذلك كانت التجربة أكثر من ناجحة وهي ثمرة مجهود سنوات من النضال الثقافي والمعرفي.
برأيك كيف يمكن النهوض بمكانة الكتاب الورقي في تونس في ظل التأثير الكبير لوسائل التكنولوجيا الحديثة؟
طبعاً وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة طغت على العالم، وبالتالي الجميع أصبح بإمكانه قراءة الكتب أو الشعر أو الروايات إلكترونياً، ما أدى إلى فقدان الكتاب الورقي قيمته، لذا نحتاج إلى جهود كبيرة في الترويج من قبل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية على حد سواء ونشره على مستوى عالمي لأن الكتاب هو المحمل الرمزي الأساسي الذي يمكن أن يبقى للأجيال القادمة ويمكن أن يؤثر في تاريخ الحضارة والثقافة العربية وكذلك أن يكون له مكانة كبرى في ذهن المتلقي لأنه يبقى ويكون عابراً ومتجاوزاً للمكان وللزمان.
كما يجب إيلاء قطاع النشر عناية أكبر والتحسين من جودة الورق وكذلك تشجيع الكتاب والشعراء الذين ربما قد لا تكون لهم الامكانيات الكافية لنشر كتبهم.
ككاتبة وشاعرة بمن تتأثرين من الكاتبات والشاعرات؟ ما الذي تودين قوله للنساء والفتيات اللواتي تشعرن أنهن غير قادرات على فعل أي شيء؟
يجب على جميع النساء العمل على تطوير أنفسهن وبذل قصارى جهدهن لتقديم أنفسهن بأفضل صورة، فبالعمل يمكن للمرأة شق طريق لها وسط الأشواك والصعوبات والمعيقات.
أنا أحب كثيراً غادة السمان ونوال السعداوي لأن كتاباتهن تشدني إلى العمق وتنطق بواقع المرأة، كما أنها تتضمن الكثير من التجارب، كما أن الكتابة تتطلب الكثير من الجهد، لذا تعتبران من أبرز نماذج الكاتبات اللواتي عبدن الطريق لقريناتهن، كما أنني أقرأ لفدوى طوقان ولنازك الملائكة، اعتبر نفسي بكل تواضع قد تجاوزت مسألة التأثر لأن الشاعر والكاتب الحقيقي هو الذي يضع بصمته الخاصة.
برأيك إلى أي مدى نجح الأدب النسوي في التعبير عن واقع المرأة وأحلامها؟ وهل أنتِ مع الكتابة النسوية؟
نظرا لأني امرأة مختلفة تكتب وتعبر عن الواقع المجتمعي أجد نفسي في بعض الأحيان أميل إلى ما تكتبه المرأة، ولكن طبعاً لا يجب أن ننسى أن المرأة والرجل متساويان من حيث الحظوظ والكتابة.
الأدب النسوي هو كامل في نقصانه بمعنى أنه سار بالمرأة التونسية والعربية أشواطاً كبيرة نحو التعبير عن ذاتها أو كسر حاجز الممنوعات والتابوهات وما هو محرم الكتابة، تحاول النساء التعبير عن قضاياهن ومشاكل مجتمعاتهن، وبطبيعة الحال هذا يتطلب جهداً وسنوات من العمل.