ماريا العجيلي: على الكاتبات الابتعاد عن الخيال وتجسيد الواقع

"أتمنى من أديبات المستقبل الابتعاد عن الخيال فلا وقت له، يجب أن يرسمنَّ الواقع ويسجلنَّ التاريخ" هكذا تقول الأديبة والشاعرة ماريا العجيلي عن دور الأديب في تجسيد واقع المجتمعات

براءة العلي
الرقة ـ . 
ماريا العجيلي أديبة وشاعرة من الطراز الرفيع جسدت الواقع السوري ومنحت المرأة اهتمامها الخاص، أديبة واقعية كما تؤكد، طالبت الأديبات برسم الواقع ليكون أدبهنَّ تأريخاً له. ولدت في السابع من كانون الثاني/يناير 1966 وهي أم لثلاثة أبناء. تحدثت لنا في حوار خاص عن مسيرتها الأدبية وماذا قدمت للمرأة الفراتية؟ 
 
متى بدأتم بالكتابة ومن هو الداعم لمسيرتكم الأدبية؟ 
عندما بدأتُ الكتابة كان عمري آنذاك 12 عاماً، في ذلك الوقت كان داعمي الأول هو والدي "حميد مصطفى العجيلي"، الذي قرأ أول كتاباتي، أذكر جيداً أنها كانت قصة قصيرة بعنوان" قصة مدينتين" والتي لاقت إعجابه، ولا تزال كلماته ترن في أذني، إذ قال لي" أنت مشروع كاتبة، تابعي الكتابة".   
وعلى إثر ذلك أحضر لي كتاباً بعنوان "ملحمة جلجامش" وهي من آداب بلاد الرافدين القديمة، وطلب مني قراءتها وفهمها، لأتمكن من زيادة خلفيتي اللغوية والأدبية. في البداية كانت العديد من الكلمات صعبة الفهم علي، ولكن والدي كان مصراً على أن أعرفها من دون مساعدة أحد حتى أعتمد على نفسي، وهذا ما فعلته، وهنا كان لوالدي الدور الأكبر بما وصلت إليه إضافة إلى الدكتور والأديب عبد السلام العجيلي.   
في كل مرة أمسك فيها القلم أتذكر الدكتور الأديب عبد السلام العجيلي وتأثيره المباشر في كتاباتي، ليمنحني الثقة بالنفس لأخطو خطوات جدية وقوية، بقوله لوالدي بعد قراءته كتاباتي الأولى "هذه الطفلة ستصبح يوماً ما أديبة ومشروع منافس"، فكان لتشجيعه أثر عظيم في نفسي ومسيرتي الأدبية.   
 
كتبتم قصائد وقصص، ما هي نتاجاتكم الأدبية التي لامست حياتكم؟
أول قصة لي كانت" ذات الرداء الأبيض"، تلاها قصة "رائدة المقهى" و"الطفولة الموءودة"، " صاحب المقعد الأخير"، و"تفاحة آدم"، بعد عودتي إلى مدينتي الرقة بعد التحرير من مرتزقة داعش في عام 2017، كنت أسمع بانتهاكات وممارسات داعش، ومعاملتهم اللاأخلاقية واللاإنسانية المنافية لكافة المواثيق الدولية والإنسانية بحق المرأة وأهالي الرقة، فتواصلت مع أهالي ضحايا داعش، وقلت إن من واجبي أن أقدم لهم شيئاً وهو أن أوثق جرائم داعش بمجموعة قصصية عنوانها "بلا عنوان".  
ولعل أكثر قصة تأثرت بها هي "ذات الرداء الأبيض" والتي تتحدث عن امرأة تزوجت برجل وفي ليلة زفافها دخل عليها رجل آخر، لتكون هذه الجريمة إحدى القصص التي أثرت بشخصيتي وكتاباتي.                
                                      
ما هو مصدر إلهام ماريا العجيلي وهل كان لديكم أوقات محددة للكتابة؟                                                     
مصدر إلهامي الناس والواقع المرير الذي عاشوه بعد أزمان من المعاناة، كنت بينهم ومعهم، لأسمع قصصهم وأتفاعل معها واكتبها لتجسد جميع كتاباتي الواقع السوري، لم أكن أنتظر الوحي لأكتب فكرة ما بل أحارب للبحث عنها، فمهنة الأديب ليس فقط الكتابة، بل عليه أن يقاتل ويناقش قضايا الناس ويجد الحلول ليقال عنه أديب، عليه أن يحمل سلاحه "القلم" ويخالط الناس ويكتب واقعهم ليوثق التاريخ.                                                 
 
ماهي الفعاليات التي شاركتم بها والجوائز التي حصلتم عليها؟                                               
شاركتُ بجميع الفعاليات في المركز الثقافي في مدينة الرقة، وفي مسابقة أدبية لمنظمة رؤيا، وجميع المنظمات التي تتناول قضايا المجتمع المدني والأدبي والكثير من الجلسات الحوارية التي تهدف إلى تطور المجتمعات عامة والمجتمع الأدبي خاصة، لأبدأ من جديد بمجموعة قصصية "بلا عنوان" أول قصة عن السبايا الإيزيديات، وهي رسالة للعالم أجمع، تحمل في طياتها واقع المرأة الإيزيدية في ظل سيطرة داعش على مناطق شمال وشرق سوريا، وقد حصلت على تكريم من منظمة إيزيدينا لأنني المرأة الوحيدة التي سلطت الضوء على معاناة السبايا الإيزيديات في ظل سيطرة داعش.
واستخدمت جملة "بلا عنوان" لأنني لم أستطع رغم جميع المفردات التي امتلكها أن أجد جملة تصف فترة المعاناة التي حملتها مرتزقة داعش معها خلال أربع سنوات، من فرض سطوتها وهيمنتها، واستطعت أن أوثق 12 قصة، وجدت بعدها أنه ليس عليَ أن أضع نفسي في إطار كتابة انتهاكات داعش فقط، وهذا لأنني لم أرد أن يكون هنالك كتاب عنوانه "الأدب الداعشي"، وهذا ما أرفضه وهو أن يدخل مرتزقة داعش إلى عالم الأدب، فهنالك قصص في مدينتي بحاجة لأكثر من خمسين سنة لتُكتب.  
 
إلى جانب الكتابة والمسيرة الأدبية افتتحتم جمعية بيت النهضة السوري، ما هو الهدف من افتتاحها، وماذا قدمت للنساء والأطفال؟                                                                                          
افتتحت الجمعية بعدما رأيت معاناة الأهالي في مدينة الرقة بعد عودتهم إليها، ومعاناة النساء الأرامل اللواتي خسرنَّ أزواجهنَّ في فترة الحرب، ليحصلنَّ على حليب لأطفالهنَّ، ومعاناة الفقراء للحصول على قوت يومهم، كان لهذه المواقف منعطف كبير في حياتي، ولهذه الأسباب افتتحت الجمعية الخيرية بمشاركة أناس خيرين؛ بهدف مساعدة المرأة بالدرجة الأولى.  
افتتحنا الجمعية في 14 أيلول/سبتمبر 2020، بإمكانيات محدودة لمساعدة النساء بقدر المستطاع، ليكون هناك فضل كبير لأصحاب الأيادي البيضاء في هذه المدينة التي تغمرها محبة وخير وعطاء، الذين يتسابقون إلينا لتقديم المساعدة الممكنة، نحن اليوم نكفل الأيتام ونتكفل بدراستهم كاملة، كما قمنا بتكفل 16 عمل جراحي للنساء والأطفال، وشراء الدواء أيضاً لمن لا إمكانيات لديهم، جمعية بيت النهضة هي الجمعية الخيرية الوحيدة التي لا تمتلك جدول رواتب فجميع أعضائها متطوعون بهدف خدمة الناس. 
 
هل هناك أعمال قيد الكتابة، وماهي مشاريعكم القادمة؟ 
مجموعة "بلا عنوان " القصصية ما زالت قيد العمل، إضافة إلى نصوص شعرية، بعنوان "جنة في جهنم"، كما تبقى لي القليل وانتهي من كتابة روايتي التي بدأتها منذ ستة أشهر بعنوان "نص فرنك". 
وهناك مشاريع أيضاً في الجمعية لتقديم المُساعدة للنساء، وهي تدريب مهني للأرامل والمطلقات، وسنبقى مستمرين معهنَّ بعد التدريب حتى تقف المرأة على قدميها وتنخرط في الكثير من الأعمال. ونخطط لافتتاح دورات محو أمية ولغة إنكليزية وحاسوب، وسيكون هناك ركن ثقافي للجمعية لأجل الأيتام يوجد فيه مسرح للأطفال لدعمهم من الناحية المعنوية والنفسية. 
 
ماهي الرسالة التي توجهونها لأديبات المستقبل؟
أتمنى من أديبات المستقبل الابتعاد عن الخيال فلا وقت له، يجب أن يرسمنَّ الواقع ويسجلنَّ التاريخ، وأن يحتككنَّ بالناس ويعشنَّ قضاياهم ويجدنَّ الحلول لمشاكلهم، أتمنى من كل النساء الإيمان بقدراتهنَّ التي تساعدهنَّ على أن يقدنَّ مجتمعات بأكملها، فنحن أديبات ما بعد الحرب، فقبل الحرب كنا نصوغ القصائد ونبرزها ولكن اليوم نحن نَصِفُ المعاناة.