لم تتصور أنها ستصعد إلى المسرح يوماً فكانت الممثلة والمخرجة والمُنظمة
لم تتصور رومات بكو أنها قادرة على دخول مجال العمل المسرحي يوماً، فعملت بجد وجهد وشاركت في العديد من المسرحيات ونظمت مهرجان ميتان بمواسمه، وكان لها بصمتها في الإخراج
فيدان عبد الله
الشهباء ـ .
إيحاءات وحركات وأقوال تحمل رسائل متعددة وأفكاراً متنوعة، كلها تظهر على خشبة المسرح بجهود الممثلات والممثلين واحترافيتهم، هذا ما تحول له الحال في شمال وشرق سوريا، بعد أن بدأ الاهتمام بالفن ومشاركة المرأة بالعمل المسرحي يأخذ مكانه.
رومات بكو (25) عاماً من أهالي ناحية شيه في مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا، مع اندلاع الأزمة السورية كانت قد أكملت المرحلة الإعدادية في عفرين، وبانطلاق شرارة الثَّورة في روج آفا 2012 شاركت في اتحاد الطلبة الدّيمقراطيين إلى جانب دراستها، وعملت بشكل سري.
مع إنهائها المرحلة الثانوية افتتحت الإدارة الذاتية الديمقراطية في عفرين معاهد وجامعة باللغة الكردية، وكانت فرصتها في معهد اللغة والأدب والمعهد المسرحي.
تقول رومات بكو عن ميلها للفن "كنت استمتع بمشاهدة المسرحيات مع العائلة، ولم أتصور أنني سأدخل هذا المجال، كنت في صراع مع ذاتي عندما ذهبت للتسجيل، فلم أعلم إن كنت قادرة على إثبات نفسي وتطوير شخصيتي أم لا".
حُضورها لمهرجان ميتان المسرحي الأول الذي انطلق في عفرين عام 2014، أعطاها القوة والدَّعم لتكمل الطّريق في هذا المجال، وتلقت لهذا الدّروس اليومية في المعهد لتكتشف موهبتها وتتمكن من تنميتها، بعد أن تعرفت على تاريخ المسرح وشخصية الفنان.
أول مشاركة لرومات بكو أمام مئات الحضور كانت في يوم المسرح العالمي 27 آذار/مارس 2015، وكانت المسرحية بعنوان (بروفا)، تصف ذلك بالقول "التّوتر كان يسيطر علي، ولكن معلمي في المعهد ساعدني على كسر حاجز الخوف، لحظة تقديمي كانت رائعة، والجمهور صفق وتفاعل بشكل رائع"، وأضافت "هذه الخطوة الأولى والأفضل بالنسبة لي".
وترى رومات بكو أن المجتمع في الشّرق الأوسط عموماً وفي سوريا خصوصاً لم يكن يعطي أي اهتمام للمسرح "عندما اخترت دراسة هذا المجال، تناقضت آراء أقربائي ورفاقي، فلم يكونوا يرون أن هنالك فائدة من دراسة المسرح، وأنه لا يعود بمردود مادي جيد، لكنني خالفت هذا التصور".
والمسرح من أقدم الفنون التي عرفتها البشرية، ظهر بداية كأحد النشاطات للطقوس الدينية قبل نحو 2500 عام، في أثنيا الكلاسيكية في القرن السادس قبل الميلاد.
وعن تطور المسرح الكردي قالت "برز المسرح الكردي منذ وقت ليس ببعيد، وكان أول عمل مسرحي كردي في إقليم كردستان، ولهذا أحب الأهالي المسرح وعروضه، بعد أن كان عادة اجتماعية يمارسونها لجلب الأمطار عبر "المهرج" الذي يعتبر أحد أنواع العروض المسرحية، وكان يتبعه الأهالي منذ القدم".
العرض المسرحي الكردي الأول كان عام 1905 في أربيل، أما في سوريا فإنه بدأ في سبعينيات القرن الماضي، ولكن جميع نصوص المسرحيات التي تقام في مناطق شمال وشرق سوريا كانت عن الأساطير والقصص الفلكلورية الكردية، وتعرض بشكل أساسي في عيد النوروز 21 آذار/مارس.
وفي عفرين تطور المجال المسرحي كثيراً خلال ثورة روج آفا ولا سيما مع انطلاق مهرجان ميتان بموسمه الأول في عام 2016، وتلاه الثّاني والثّالث واعتبر ثورة فنية، إذ حمل مع كل موسم عروض متنوعة وجذابة، وفي الموسم الرّابع انطلق المهرجان رغم التّهجير القسري لأهالي عفرين إلى الشّهباء خلال اجتياح قوات الاحتلال التركي ومرتزقته للمدينة عام 2018، ليجسد آلام أهالي عفرين المهجرين.
أول فرع فني في حركة الثّقافة الفن بدأ بالعمل بعد النّزوح القسري نحو الشّهباء، فالتأم شمل أعضاء وعضوات المسرح، وخططوا لعرض خاص بالأطفال لرفع معنوياتهم بعد ما عاشوه خلال هجمات الاحتلال التّركي "ثمانية أشخاص بإمكانيات معدومة تمكنوا من إعداد وعرض مسرحية بعنوان (الحصان الحزين)، هذا العمل يروي ممارسات الاحتلال التركي وجرائمه، في مخيم سردم وحده عرضت المسرحية 10 مرات".
وأضافت "المسرح عمل حي وعفوي، ما يقدمه يظهر أهمية وقيمة الفكرة، لذا يتطلب الكثير من العمل والتّدريب والقراءة، فالممثل عليه تقمص الشّخصيات التي يعمل عليها بدقة، ولا يمكن تصحيح الخطأ لأنه عرض مباشر وليس مسجل أو يمكن إعادة تصويره".
شاركت رومات بكو في العديد من المسرحيات التي تحكي واقع مقاطعة عفرين أمثال (بروفا، والطائر الحكيم، ونسرين، والتّاج الذّهبي، والقبعة السّوداء)، كما أنها أخرجت أربع مسرحيات منها "الطّفلة في رحم والدتها"، ومسرحية اللغة الكردية بعنوان "الحجر لا يأكل"، ومسرحية أخرى بعنوان الأولمبياد، ولها دور فعال في تنظيم مهرجان ميتان بمواسمه الأربعة وشاركت بمهرجان يكتا الذي أقيم في مدينة قامشلو.
يعد المسرح الصامت من أهم الأشكال التعبيرية وهو ما تعمل رومات بكو على تقديمه "بإمكاني القول إنني قادرة على إبراز دوري والإبداع في المسرح الصّامت، المعتمد على الحركات فقط، ووصلت لهذا بعد مشاركتي في العديد من الأدوار والمسرحيات".
وعن عمل المرأة المسرحي قالت "ظهور المرأة على خشبة المسرح لم يكن مألوفاً في مناطقنا، ولم تكن تقبل في العديد من المواضع والأدوار"، وأضافت "أذكر أنه عندما عرضت أول مسرحية في ناحية شيه بعفرين بحثوا عن ممثلة، ولكنهم لم يجدوا، فأعطوا دور المرأة لأحد الممثلين".
وفي ختام حديثها أكدت رومات بكو أن مشاركة المرأة في مجال العمل المسرحي مهم لدرجة كبيرة "مشاركة المرأة في هذا المجال خطوة إيجابية وفعالة وجريئة، وأنا أسعى دوماً لعرض أفكار عبر مسرحيات في عموم سوريا، ولهذا سأعمل بجد".