لا خروج عن نص القبيلة إلا بانتماءات أخرى... حوار مع الأديبة نورا محمد علي

(ورد) بطلة رواية "يحدها نهر" للأديبة نورا محمد علي، عبق الحرية والحب الذي يتكئ على واقع مشحون بالآلام والقيود والقوانين

أماني المانع
دمشق ـ ، تنقلت بين شرائع القبيلة وشوارع العاصمة، بين قلب كردي وعشق مسيحي، بين شهريار والحضن الأخير، بين الفكر والقلب والواقع والمفروض...
وكالة أنباء المرأة التقت بالأديبة نورا محمد علي وحاورت فيها (ورد) البطلة... 
 
لماذا انتقلت للأب والتاريخ وكلاهما مذكر بعد أن أطلقتِ على الفرات صفات الذكورة؟
الأب والتاريخ والنهر هي مفردات مذكرة لكنها أجمل السلطات الذكورية التي يمكن أن تمر بحياة امرأة عاشت بكنف أب يروي لها التاريخ من جانبه البهي، عن الشعر والهيل والنساء وكل ذلك يحدث على كتف نهر بالغ العظمة كالفرات، فكيف يمكن أن يمر هذا الثالوث المذكر دون أثر. 
 
من هي شهرزاد النائمة بدواخلنا كنساء؟ وهل يمكنها أن تقتل شهريار مجازاً كما ذكرتِ؟
شهرزاد هي الشاعرة وهي الراوية التي تلعب بغواية الكلمات والمشاعر قرب شهريار ملول يعبر فوق المحبة بذاكرة قصيرة ومؤقتة، تمتلك النساء عامة مهنة القص لتعد بها شرك البقاء قرب المتعة وقرب التاريخ، هي لعبة للالتفاف على ضعفها أمام قوة السلطات المفروضة. 
 
لِمَ يصلح الرجال كأصدقاء ويفشلون كأزواج؟ وكيف قتل موروثهم الذكوري شفافية الأشياء بين الاثنين؟
نعم الكثير من الرجال ينتزعون علاقة الصداقة بينهم وبين المرأة، ويكتفون بسلطة الزوج والتي تفرد صلاحياتها دون حدود فوق روحها، الذكاء يكمن في تحييد هذه السلطات عند الزوجين والبقاء على ركن جميل من النقاشات والمكاشفات، وتلك صفة المحبين ولا أجد هذه المهمة صعبة، إذ يجب الخروج من أطر السلطات والصلاحيات والحقوق نحو فضاء هو الأجمل والأسمى فضاء المحبة والندية الفعالة. 
 
هل أورثتْ شرقيتنا المرأة وضع كل الأخطاء على عاتقها؟
نعم ماتزال المرأة الشرقية تحمل كل أوزار وتبعات الأحداث الكبرى، هنا كان الحديث عن الحروب الدائرة في المنطقة، إذ وحدها تخيط جراح البلاد، ووحدها تغني للموتى وتهدهد أحزان من عبرتهم القسوة. 
 
أهو الواجب أم هو الدور السطحي كما وصفتِه الذي يجعلنا كنساء حائكات للجراح أمام موروث يتجاهل مشاعرنا؟
لا مفر يا صديقتي... كانت تربيتنا الأولى تقوم على المسؤولية نحن مهذبات ومطيعات ومؤطرات بمديح من حولنا، وذاك دور نحب فعله مرغمات، وكما قلتِ نحن بنات شرق يخرجنا من الحرملك بالمصاعب الكبرى، ولا خروج عن نص القبيلة إلا بانتماءات أخرى حزبية وثقافية ونسوية.
نعم يمعن الموروث في هذا الأسر وذلك بحماية عرفية وقانونية هذا ما يحصل على الأرض لكننا ككاتبات نهرب قليلاً على الورق. 
 
في مرحلة نضوج المثقف الشرقي ينفصل تلقائياً عن قضاياه الشخصية... أيمكن لامرأة مثقفة تحتاج في لحظات معينة لرجل يقول لها أن قصة شعرها تليق بها أن تتقبل هذا الانفصال... عكس ما فعلت ورد؟ 
هذا ما يحدث كل يوم، الاعتياد يخلق هذه الرمادية وقضية المثقف الشرقي لا تنفصل عن أهم قضايا البلاد، كلنا مصابون بالفصام حتى المرأة المثقفة التي تعيش بين الورق والواقع، لا خلاص إلا بتحررنا سوياً، الرجل منفرداً لا يستطيع صنع أي جمال، كل جمال يصنعه مقرون بمرور امرأة بروحه هو، هذا العرفان الذي نكمل به بعضنا هو ما يجب مروره بواقعنا.
وبرأيي النساء يكرهنَّ الرمادية ويصنعنَّ ألوان للحياة، المرأة ترفض العيش دون موسيقى وورد ومحبة، وإلا تحولت من امرأة إلى مخلوق فاقد للهوية. 
 
كيف تختصر ورد النقاشات الجدلية التي دارت بين صديقاتها عن الوصاية والشريعة والحق، والحلول الوسط وسريان القانون والاجتهادات، والاحتجاج فيما يتعلق بحقوق المرأة؟ 
ورد كانت تعاند طواحين الهواء، لا خلاص من الوصاية والظلم وتأخر مجتمعاتنا دون أن تكون المرأة كائن مستقل وكامل الحقوق.
القضية تبدأ من نسف القوانين المتخلفة التي ترى بالمرأة تابع لسلطة ذكر ما، الحل هو مجتمع متساو في الحقوق والواجبات ورفع كل الوصايا التي تختبئ خلف الشرائع والذكورة الخائفة من هذا التحرر، والحل الأكبر هو فصل الدين عن الدولة كما فعل أجدادنا منذ ٣ آلاف عام من الشرائع المدنية. 
 
ماذا يعني أن تهدي كاتبة روايتها لزوجها حبيباً وصديقاً وزوجاً... كما أهدت نورا محمد علي؟ 
يعني أنه استطاع أن يأخذ شكلاً قريباً للروح بدون أي مبالغة، هذا الرجل هو صديقي بالدرجة الأولى وهذا مالا أتنازل عنه يوماً، يستطيع إلى اليوم أن ينصت لأخطائي بصبر ومحبة وأن يصنع قهوتي وأنا أكتب وأن يؤخر نشر كتابه لتطبع روايتي أولا، هو رغم كل تناقضاتنا الثقافية والاجتماعية نهري البديل وتلك أجمل صفات الذكورة. 
 
صفي لنا المساحة الممتدة بين متعة العين ومتعة الروح؟ 
المسافة هي الغواية بالخلق نحن نقلد الآلهة بخلق حيوات ومسارات نريدها بشدة، والمسافة تلغيها، المتعة في القص والتخيل... نحن نعترض على أقدارنا بالمخيلة. 
يذكر أن رواية يحدها نهر التي صدرت في كانون الثاني/يناير 2021 التجربة الروائية الأولى لنورا محمد علي بعد ديوانها الشعري (شال من عطر) الذي صدر عام 2015.