'كوني امرأة ذات إعاقة لاقت روايتي البوليسية تهجماً فاق الخيال'

تسلط الكاتبة التونسية بسمة الدجبي الضوء في روايتها "ظل الحقيقة" على العنف المسلط على القاصرات

زهور المشرقي
تونس ـ ، الرواية التي لاقت بسببها هجوماً غير مبرر لم تتوقعه من أبناء الجهة التي ذكرتها في روايتها، "صدمت بحجم العدوانية تجاهي التي بلغت حدّ التنمّر بسبب إعاقتي العضوية"، وتشدد على أن الرواية تنتمي للأدب البوليسي وقد حاولت عبرها الحديث عن ظاهرة خطيرة وكسر تابوهات ممنوعة في مجتمع ذكوري.
في حوار خاص لوكالتنا قالت الكاتبة التونسية بسمة الدجبي "أنا لم أندم على اختيار الأدب البوليسي لطرح قضية تخص التونسيين والعرب"، مبينةً أن هذا النوع يعرف حضوراً ضعيفاً في الوسط الأدبي ما قد يفسّر الضجة التي أثارتها روايتها "ظل الحقيقة".
ودعت بسمة الدجبي التي بدأت بكتابة الروايات منذ 3 سنوات تقريباً وكانت أولى رواياتها "الراقدونَ فوقَ التُراب" ثم رواية "ظل الحقيقة"، جمهورها إلى قراءة الرواية قبل التهجم عليها والتنمر، مضيفةً "كوني امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة فهذا لا يعني أنني ممنوعة من الكتابة والتعبير".
 
شاركتِ هذا العام ضمن معرض الكتاب برواية بوليسية "ظل الحقيقة" حدثينا عن فكرة الرواية وماذا تناولت فيها؟
كانَ معرض تونس الدولي للكتاب بدورته 36 فرصة قيمة للمُشاركة في فعالياته من خلال روايتي الثانية "ظلُ الحقيقة" من إصدار دار البشير للثقافة والعلوم لهذه السنة، الرواية رغم طابعها البُوليسي إلا أَنها تتناولُ ظاهرةَ "العنف ضد القاصرات" وما يتعرضن له من استغلالٍ اقتصادي واجتماعي رغم توفر قوانين من المفروض أَن تقوم بحمايتهن. 
"ظلُ الحقيقة" هي محاولة لتسليط الضوء على بعض الحالات الإنسانية الحاضرة بقوة في مجتمعنا في قالبٍ بوليسي ذو نسقٍ سريعٍ قائمٍ على التشويق والغموض من خلال شخصية المحقق "أَحمد الغزوانِي" الذي يُتابعُ التحقيق في ظروف اختفاء طفلة بالتوازي مع موت والدها الصحفي، في الأَثناء تتبعُ الأُم خطوات زوجها الصحفي قبل الحادثة حتى تكتشف بالتدريج أَنَهُ كانَ يُخفِي عنها سراً، يبدأ من دراسة كان بصدد إِنهاءها مع مُساعده. مع تتالي الصفحات نكتشفُ أَن هذه الدراسةِ كانت مرتبطة بقصص مجموعةٍ من العاملات المُعنفات والتي تحولت إلى ما يُشبهُ تحقيقاً خطيراً مع اكتشاف ارتباط أسماء شخصيات شهيرة بحوادث عنف ضد القاصرات.
 
أثارت روايتكِ الجدل بين أبناء الجهة التي تحدثت عنها الرواية... بماذا تفسرين ذلك الجدل؟
تفاجأت بنوع من الهجوم على روايتي بسبب ذكري لاسم جهةٍ بمحافظة بنزرت في أَحد منشوراتي من قبل عددٍ من مواطني الجهة، ردودٌ مُستمرةٌ من الشتم والتكذيب وصلت إِلى حد مُعايرتي بإِعاقتي بدعوى أَنني أَسئتُ لبنات المنطقة في روايتي مع العلم أَنهُ لم يطلع أَحد على محتوى روايتي إِنما فقط تم ترجمة كلمات كتبتُها بطريقةٍ غيَر صحيحة بدون التحقق من الأَمر أَو طلب توضيح مني.
وقد سبق أن وضحت أَهميةَ ذكر أَسماء مناطق أَو محافظات تونسية حقيقية في روايتي وأَن الغرض الفعلي لذلك هو إبرازُ مدى واقعية الأَحداث وقربها من مشاكل المواطن التُونسِي، خاصةً بالنسبة لموضوع حساس مثل "العنف ضد القاصرات" خاصةً اللاتي يعملن في البيوت والقادمات من ولايات الشمال الغربي، وهو موضوع طرح في العديد من المرات ليس فقط روائياً بل تلفزيونياً أَيضاً وليس مُستحدث النزعة أَو الطرح كما يتصور البعض.
عموماً أَعتقدُ أَنهُ من الصعب تقبل وفهم الأَدب البوليسي الواقعي الذي أُحاول أَن أُجسدهُ في رواياتِي، خاصةً ذلك النوع الذِي يُحاولُ تجاوز تابوهاتٍ اجتماعيةٍ مُعينة حصرت الأَدب في أَصناف مُعينة لذلك لا أَطلب منهم سوى التريث والتعرف على الكتاب، وبعد ذلك لكل حادث حديث، خاصةً وأَنهُ قد تم إبلاغي أَن بعض الشخصيات قد رفعت شكوى تُطالبُ فيها سحب روايتي منَ المعرض.
 
كونَكِ من ذوي الاحتياجات الخاصة هل لامست دعماً من الدولة لتشجيعكِ ككاتبة؟
في الواقع وبكل صراحة حاولت التواصل مع بعضِ الجهات "الحكومية" التِي لها علاقة بدعم أًصحاب الإِعاقةِ أَو حتى الطفولة لكن لا رد أَبداً، رغم أَن بعض المنظمات المدنية أَثنت على فكرة روايتي ووعدتني بالدعاية على الأَقلِ. لكن عموماً أَعتقدُ أَن الكاتب التُونسي لا يجبُ أَن ينتظر شيئاً من الدولة.
 
كيف تقيّمين وضع الأديبات النساء في تونس؟ هل هنَ بحاجة للدعم لتتساوى إنتاجاتهن مع الرجال؟
لاحظتُ بعد أَن خضت غمار الكتابة أَن هناك نقلةً فارقةَ بخصوص واقع الكاتبات التونسيات لا أَقول أَن عددهن يُقاربُ عدد الكتاب الرجال إِنما حضورهن يبدو ملموساً أَكثر في هذا الوسط، يُمكن أَن نلاحظ هذا مع تعدد الجوائز الأَدبية النسائية وهذا لوحده خطوةٌ كبيرةٌ لدعم الأَقلام النسائية. 
وإِن كان هناك نوعٌ من الدعم الذي يجبُ أَن يتوفر فهو يجبُ أَن يكون بعلاقةٍ مع اتساع مساحة حرية التعبير بعد الثورة، فالمسؤولية تبدو مضاعفة على أَديباتِنا اللاتِي يُحاولن بشتى الطرق أَن تنفتح أَقلامهن للغوص في مشاكل المجتمع والمرأة خاصةً وقد عرف عن النساء قدرتهن على التعبير والتغلغل في نفسية كل الشرائح الاجتماعية.
 
ما تقييمكِ للواقع الثقافي التونسي؟
الوضع الثقافِي التُونسي الحالي بلورتهُ النتائجُ العاجلة للثورة التونسية فلا يمكننا قراءتهُ إلا انطلاقاً من ذلكُ، على مستوى ما خصصتهُ الدولة للوسط الثقافي نلاحظ أَن هناك تراجعاً في الدعم المادِي ربما يفسرُ ذلكَ بأَن الثقافة ليست من أَولويات المرحلة الجديدة القائمة على الإصلاحات السياسية والاهتمام بالأزمات الاقتصادية المُتلاحقة لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف أَن الوسط الثقافي بجميع أَنشطتهِ (الأَدب، السينما، المسرح...)  قد استغلَ "حرية التعبير" التي تعتبرُ أَهم ميزة مُكتسبة للثورة لكي يسجل ازدهاراً من حيثُ العرضِ وتنوع الاصدارات وظهور أَسماءٍ جديدةٍ في عالم الإخراج والكتابة والتمثيل وهذا كله سجل بفضل تراجع الدور الرقابي لمؤسسات الدولة.
 
ما رسالتُك للنساء وخاصةً الأديبات الشابات؟
أَتذكرُ في هذا الصدد مقولة آدم سميث "دعه يعمل دعه يمر"، وهذه رسالتي للفتيات اللاتي يُردن خوض ميدان التأليف وللمحيطين بهن اتركهن لأَحلامهن، لا أَحد يولدُ كاتباً أَو كاتبة كلها خطواتٌ قصيرة وخائفةٌ حتى تشدد مع اشتداد عودهن.
 
هل أنتِ راضية عن وضع المرأة في تونس عموماً وهل لديكِ حلم يخص عامة النساء تودين لو يتحقق؟
الرضا عن النفسِ غاية لا تدرك، فكيف بالرضا عن واقع المرأة في تونس؟ أَكذبُ إِن لم أَقل أَننا كنساءٍ أَفضلُ حالًا من غيرنا في دولٍ أُخرى وفقاً للتشريعات الحامية للمرأة والتي تتحسنُ وتتطورُ منذُ الاستقلال لليوم لكن عموماً لم نعد نحتاج إِلى قوانين بقدر حاجتنا كنساء إِلى قوانين تُطبق فعلياً على أَرض الواقع فتحمي المرأة الريفية والعاملة في المصنع والمراهقةَ في شارعها وحتى الطفلة في رياضِ الأَطفال.