"جزيرة كينو" آخر مجتمع أمومي في أوروبا

لطالما كان السؤال هل تستطيع النساء العيش بعيداً عن الرجال وإدارة المجتمع؟ الرجال الذين لم يعرفوا تاريخ المرأة وحتى النساء اللواتي لم يتعرفن على تاريخهن طالما يتساءلون عن ذلك

مركز الأخبار ـ .
تحاول النساء حول العالم تخصيص حيز لهن بعيداً عن الرجال، وتعد القُرى والجزر التي تقتصر على النساء شكلاً من الاستقلالية والثورة على مفاهيم حول ضرورة عيش النساء تحت وصاية الرجال واستحالة إدارة شؤونهن بمعزل عنهم.
تستقل النساء في قرى خاصة بهن إما هرباً من العنف الممارس ضدهن وأما لقناعتهن بضرورة الاستقلال الكامل عن مجتمع يفرق بين الجنسين، ومهما كانت الأسباب فإنهن استطعن تحمل المسؤولية.
تنتشر المجمعات النسائية والتي كان آخرها قرية جنوار في منطقة الدرباسية الواقعة في شمال وشرق سوريا. قرية السماحة في مصر وقرية أوموجا في كينيا وغيرها من القرى، وهي أماكن تستقل فيها النساء بشكل كامل ويتحملن المسؤولية كاملة.
في دولة إستونيا التي تقع في منطقة بحر البلطيق توجد جزيرة كينو ذات الطبيعة الخلابة على بعد أميال من الساحل الغربي للبلاد الواقعة في أوروبا الشرقية.
تتولى النساء الكبيرات في السن إدارة شؤون الجزيرة التي تضم حوالي 400 نسمة جميعهم تقريباً من النساء، تعلمن كيف يصدن الفقمة ويقمن بجميع الأعمال حتى الصعبة منها. 
تعد جزيرة كينو آخر مجتمع أمومي في أوروبا، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت وبشكل تدريجي خالية من الرجال. تعيش النساء لفترات طويلة من السنة لوحدهن بعيداً عن أزواجهن الذين توارثوا مهنة الصيد في البحر. 
 
يعملن كأسرة 
نساء الجزيرة يهتممن بكل شيء بدءاً من تعليم الأطفال إلى تنظيم الحياة الكنسية. يعتقد أن حفر قبر هو العمل الوحيد الذي لم تقم بها النساء بعد.
تتمتع النساء باستقلالية تامة حيث أنهن ومنذ مغادرة الرجال إلى الصيد عملن كعائلة كبيرة ومتماسكة، النساء لا يتوانين عن إصلاح الجرارات وأداء الخدمات الكنسية، إضافة إلى تربية الأطفال وتعليمهم واستقبال السياح ويحرسن المنارة ويقمن بجميع الأعمال.
 
ثقافة الجزيرة على قائمة "اليونيسكو" للتراث العالمي
تحافظ النساء على ثقافة الجزيرة فقد أدرجت ملابس النساء والموسيقا الشعبية التي تتميز بها الجزيرة والتي تمتد لأكثر من 2000 عام وكذلك الرقصات التي توارثنها عبر أجيال وكل ما في الجزيرة على قائمة "اليونيسكو" للتراث العالمي في عام 2008 واعتبرت النساء أمينات على هذا الإرث وانتقاله من جيل إلى آخر.
تختلف ملابسهن بين فتاة وامرأة متزوجة وأخرى كبيرة في السن. جميعهن يرتدين الحجاب مع أن البلاد تحظر ارتداءه في الأماكن العامة إلا أنه يعتبر أحد رموز ثقافة نساء كينو. 
ترتدي النساء الأزياء التقليدية وهي التنانير ذات الألوان الزاهية والمزركشة بالأزهار والخطوط، يمكن مشاهدة بعض النساء اللواتي يرتدين مآزر ملونة فوق تنانيرهن للإشارة إلى أنهن متزوجات.
حفلات الزواج في كينو فريدة من نوعها فهي تستمر لثلاثة أيام متواصلة من الرقص والموسيقا، تعزف النساء على الأوكورديون والكمان ويُغطى رأس العروس بقماش أبيض مطرز بالأحمر لحمايتها حسب معتقداتهم.
تتكون الجزيرة من أربعة قرى (ليمسي، ليناكولا، وروتسيكولا، ساري) المنازل ذات التصميم البسيط مطلية بألوان مبهجة تتحدى برد الشتاء القاسي الذي يمر على الجزيرة ويدوم لنحو 6 أشهر. تقضي النساء لياليه الطويلة بالحياكة والحرف اليدوية التي تتعلمها جميع نساء الجزيرة منذ الصغر.
لدى ساكنات الجزيرة عادة وضع غصن شجرة على الباب للدلالة على أن لا أحد يعيش في المنزل. كما أن النساء عند وصولهن لعمر الستين عاماً يقمن بالاستعداد للجنازة عن طريق حياكة ملابس جميلة لهن وقفازات للرجال الذين تم اختيارهم لحفر القبر. 
تتولى النساء الكبيرات في السن مهمة الحفاظ على ثقافة كينو حية، حيث أن الجيل الشاب مبهور بالعالم الخارجي ومتشوق للتغيير.
 
متحف الجزيرة... مركز للتشاور 
في عام 1974 تأسس المتحف في مدرسة وتم تجديده بالكامل عام 2009. تُحفظ فيه المقتنيات الشخصية لسكان الجزيرة من ملابس وأدوات وحرف يدوية وأثاث. فكأنما هو متحف صغير داخل متحف كبير.
في المتحف الذي أدرج على قائمة اليونيسكو لكونه أحد الأماكن التي تحفظ فيها مقتنيات ثقافة الجزيرة تجلس النساء الكبيرات في السن للتشاور عن الأعمال الواجب القيام بها وتوزيعها على نساء القرية، تجلس النساء وهن يرتدين تنانيرهن الحمراء المخططة وتدعى "الكورت" ويحتسين القهوة ويفكرن بالأعمال التي لم تقم بها نساء الجزيرة بعد.
 
السياحة 
لا يحبذ سكان الجزيرة السياحة الجماعية، عدا أولئك الأشخاص القادمين للتعرف على ثقافة السكان ونمط حياتهم، وعلى ذلك لم يتم اعداد الجزيرة كوجهة سياحية أبداً فهي لا تحوي مطاعم وفنادق، فيها عدد قليل من الطرق المعبدة ولا توجد أماكن تسوق سوى متجرين صغيرين لبيع المواد الغذائية ولا صراف آلي، إن جميع مظاهر المدن غير موجودة في الجزيرة. القادمين يحلون ضيوفاً على سكان الجزيرة. 
معظم القادمين لزيارة الجزيرة والتعرف عليها من إستونيا نفسها، عدد آخر من الزوار قادم من أوروبا وآسيا، حيث تزدهر السياحة في فصل الصيف.
 
عودة الرجال إلى القرية
تواجه الجزيرة مشكلة في نقص أعداد سكانها نتيجة لقلة عدد الوظائف كما يهاجر الطلاب للدراسة في المدن الكبرى فالجزيرة تفتقر لمدرسة ثانوية. 
وفي السنوات الأخيرة بدأت ملامح الجزيرة تتغير فالرجال بدأوا بالعودة وقضاء أوقات أطول مع أسرهم. بعض الرجال سافروا إلى النرويج وفنلندا للعمل لكن عدداً منهم فضل الاستقرار في الجزيرة وبدأوا يعملون في مجالات كانت حكراً على النساء كما في أعمال الزراعة.
ومثلت حماية أنواع من الأسماك والحيوانات البحرية مثل الفقمة وطيور الغاق تهديداً لعمل الصيادين، كذلك أظهرت دراسة في العام 2010 أن عدد الأسماك يتراجع بشكل كبير، لذلك يفضل الرجال العودة والعمل في الزراعة.