جهانارا خانوم الشاعرة التي كسرت المحرمات في بلدها

في الوقت الذي كان محرماً على المرأة الحديث عن الحب، عبرت الشاعرة جهانارا خانوم بافي عن هذه المشاعر السامية والإنسانية بكل جرأة.

باران عبد الله

باوه ـ تعتبر الفترة ما بين القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، تاريخية ومتألقة في التاريخ الكردي، ففيها انتعشت المرأة الكردية، بعد أن عانت قروناً من القمع والإقصاء وإبعادها عن المجال العام جراء سيطرة النظام الأبوي والخلافة والملكية.

خلال تلك الفترة، استعادت المرأة الكردية ثقافتها الأنثوية والأمومية القديمة وعادت إلى المجال العام، وفي بعض الحالات تمكنت من الوصول إلى مصادر المعرفة والكرامة الاجتماعية، وهذا التغيير الاجتماعي الذي حدث في الطبقات الدنيا من المجتمع الكردستاني انعكس على حياة ونضالات هؤلاء القياديات، اللواتي هن واجهة هذا التغيير الاجتماعي الملموس، وهذا التغيير هو عملية طويلة الأمد مستمرة حتى الآن، وعلى الأغلب ستستمر حتى تحقيق المساواة والحرية الكاملة.

 

سيرة ذاتية مختصرة

ولدت جهانارا خانوم بافي التي تعد إحدى النساء الرائدات اللاتي وصلن إلى مكانة رفيعة في مجال الأدب عام 1859 في مقاطعة باوه شرق كردستان وتوفيت عام 1913، ويقع قبرها على بعد كيلومترين من مدينة جوانرود في قرية صافي آباد، وهي ابنة الملا نشأت بافي، وقد أثرت نشأتها في عائلة محبة للأدب لتكتب العديد من القصائد لكن معظمها غير متوفرة بسبب التدمير الذي لحق بها أو الضياع، لكن ما تبقى من قصائدها المكتوبة باللغة الكردية السورانية نُشرت في ديوان عام 2018.

 

اكتشاف قبر الشاعرة

لم يكن مكان قبرها معروفاً لسنوات عديدة، حتى عام 2015، عندما عثرت مجموعة من محبي الأدب ونشطاء المجتمع المدني وأحفاد الشاعرة على قبرها في "باواکماله" بقرية صافي آباد في جوانرود من خلال عمل جماعي، ولكن الآن، وبعد مرور أكثر من ثماني سنوات على ذلك، أصبحت المقبرة غير منظمة وتواجه إهمالاً تاماً من المؤسسات الحكومية، وبجهود المجتمع المدني والناشطين/ات والمثقفين/ات في منطقة هورامان تم بناء نصب تذكاري لها في مدينتي جوانرود وباوه.

ومنذ عدة سنوات تم بناء حديقة تحمل اسمها على مستوى المدينة في باوه، وفي العامين الماضيين تم بناء حديقة تحمل اسمها ونصب تذكاري على شكل ديوان من قصائدها.

 

لغة شعرية طليعية

على الرغم من رؤية ولمس التمييز والإيذاء الذي تتعرض له المرأة، إلا أنها لم تكتفي بالمطالبة بإزالة هذا التمييز وتحقيق المساواة من النظام الأبوي، بل عاشت المساواة والحرية بحياتها وأعمالها الأدبية وجعلتها حقيقة، ولغتها الشعرية لغة أنثوية، لغة شجاعة تعبر عن حبها ومشاعرها العاطفية بطريقة غير تقليدية. وهو نادر في شعر من سبقنها.

من خلال إزالة المحرمات عن الجسد الأنثوي، وصفت جسدها وجماله في بعض قصائدها، حتى أنها وصفت جسد المحبوب، وهو كسر آخر للمحرمات، ولذلك يمكن اعتبار قصائدها طليعية، ففي النظام الأبوي والديني، جسد المرأة هو ملكية للرجل، وهو مسور بمفاهيم مثل الشرف والغيرة والستر والعفة، ولا يجوز للمرأة أن تظهره أو تتحدث عنه أو تصفه، فسلطانه ليس بيدها. لكن جهانارا خانوم وصفت جسدها وجماله واحتمال ذبوله في زمن الهجرة والحنين إلى الوطن بطريقة نادرة جداً.

وفي الوقت الذي لم يسمح للمرأة بالتعبير عن الحب والمودة كسرت التابوهات ونقلت المشاعر السامية والإنسانية للمرأة بأوضح طريقة.

وتشير بعض قصائدها إلى الحتمية المشتركة بين الطبيعة والمرأة، وترى أوجه التشابه بين استعبادها واستعباد الطبيعة، وقد تكون لهذه الإشارة جذور غير واعية خلال حياة الشاعرة وليست متجذرة في الوعي الذاتي الجماعي للمرأة، لكن من المؤكد أن الحياة الطبيعية والحياة الأنثوية والمتمحورة حول المرأة تعود إلى نفس الخطاب، ويتم تطبيق أسر واستغلال المرأة والطبيعة بنفس الطريقة، كما أن حريتهما وتحررهما يمران عبر مسار مشترك، لذلك، ينبغي أن يكون العمل اليوم هو نقد وتحليل أعمال هؤلاء النساء بمعارف اليوم لتنظير هذا الحدس اللاواعي وتحويله إلى وعي ذاتي.

وتناولت قصادها الأفراح والحريات والعواطف الإنسانية التي حرمت منها في عدة أبيات موجهة إلى "القلب"، ولا داعي لذكر أن المفارقة هنا هي الشاعرة وبنظرة أكثر شمولية فإن ما تقوله كناية عن النساء عموماً في ذلك الوقت، كما أوضحت في بعض الابيات مكانة المرأة في عصرها من خلال سرد حرمانها ومحدوديتها وإخفاقاتها، ومن خلال هذه اللفافة والقائمة الطويلة يمكن معرفة لماذا تحدثت عن "سلسلة السلاسل"، ولا تزال أغلال المائة رجل والسلاسل التي في عنقها ثقيلة على ملايين النساء، والصرخة التي تسمع في الشوارع والسجون هي صوت زعماء العالم في ذلك الوقت الذين لا يتسامحون مع هذا القهر.