"هدفي هو إظهار الاستغلال والعنف والانتهاكات"

آرين سيبال أرسلان، جذبتها السينما منذ كانت طفلة صغيرة، تخرجت من قسم إعداد معلمي اللغة الإنكليزية في جامعة جوكورفا. وبعد تخرجها من الجامعة، سافرت إلى إيطاليا وعملت كمعلمة للغة التركية والإنكليزية في ثانوية الآداب في مدينة كوسيب لا فرانيا

زينب آكغول
انقرة- . كما نظمت العديد من ورش العمل حول اللغة لمختلف الفئات العمرية. آرين التي عادت إلى تركيا بعد عامين من العمل في إيطاليا، تمارس هواية التمثيل إلى جانب تدريس اللغة الإنكليزية في العديد من المدارس الخاصة، كما تعمل أيضاً في مجال المسرح والدراما باللغة الإنكليزية.
وللحديث عن مسيرة حياة آرين أرسلان ورحلتها مع التمثيل كان لنا معها هذا اللقاء.
 
بعد أن تخرجتم من قسم إعداد معلمي اللغة الإنكليزية في جامعة جوكوروفا أتيتم إلى إيطاليا. كيف ذهبتم إلى هناك؟ هل لكي أن تحدثينا قليلاً عن فترة وجودكم في إيطاليا؟
كان عمري 21 عاماً عندما تخرجت من الجامعة، في الحقيقة لا أعرف كيف بدأت، وكيف درست وكيف تخرجت، لا أتذكر بشكل جيد. لم أفكر يوماً بأن أكون معلمة. ولكن النظام الذي نعيش فيه، وخاصة خلال فترة الشباب، يأخذك بين دفتيه، ويسحقك ويحولك إلى إشلاء، ويطحنك في مطحنته. عندما كنت طالبة، كنت أقول في نفسي "ما الذي أفعله هنا؟" وعندما تخرجت من الجامعة أيضاً سألت نفسي "ماذا فعلت الآن؟". ظهر عندي هذا الشعور في الفترات الأخيرة من الدراسة الجامعية، وكنت على الدوام أقول في نفسي "لحظة، كانت لدي أحلام، يجب أن أعود إلى حيث أحلامي".
إيطاليا كانت واحدة من تلك الأماكن، التي حلمت بها منذ طفولتي. قدمت على برنامج للاتحاد الأوروبي، في ذلك الوقت كانت مثل تلك المشاريع لا تزال حديثة العهد في الوطن، ولم يكن لدى الكثير من الناس علم بهذه المشاريع. وتم الموافقة على طلبي، وعليه سافرت إلى سيجيليا لمدة ثمانية أشهر. تم إرسالي إلى مدرسة ثانوية أدبية من أجل العمل في مجال اللغة. وقد عملت فيها، وتركز العمل بشكل خاص على الثقافة واللغة. وكنت أتواصل مع الطلاب خارج دوام الجامعة أيضاً، أصبحوا جميعاً أصدقائي، فلقد كان فارق العمر بيننا هو سنتين فقط. وأمضينا سوية أوقات جميلة. وعندما عدت إلى تركيا، عرضت علي مدرسة أخرى العمل، ولكن في هذه المرة أيضاً غلبني شعور الانتماء إلى المكان، لذلك قررت البقاء، لأن عقلي وقلبي كانا في مكان آخر، وهكذا انتهت مغامرتي في إيطاليا، وعدت إلى الوطن. لقد مضت 14 عاماً إلا أن علاقتي مع إيطاليا ومع طلابي لا زالت متواصلة، وعلاقتنا جيدة وجميلة.
 
كيف بدأت مغامرتكم مع المسرح والسينما، ولماذا قررتم أن تدخلوا عالم التمثيل المسرحي؟ ما الذي ألهمكم لتدخلوا إلى هذا العالم؟
أنا أيضاً أسأل نفسي أحياناً هذا السؤال ولكن بصيغة مختلفة. وأقول في نفسي "آرين، عندما كنت صغيرة كنتي ترغبين بأن تصبحي ممثلة، فما الذي دفعك إلى دراسة إعداد المعلمين؟" لقد كنت أمارس التمثيل وخاصة التمثيل المسرحي منذ أيام المدرسة الابتدائية. ولكن في الحقيقة لا أعرف بالضبط متى بدأت معي هذه الرغبة، فإنا ومنذ طفولتي وجدت نفسي على خشبة المسرح وفي كل نشاط تظاهري.
منذ بداية ارتيادي للمدرسة شاركت في كل شي متعلق بالرقص والموسيقا والصعود إلى خشبة المسرح. لقد شاركت في فرقة المسرح، وفرقة الدبكات الشعبية، وفريق الكاراتيه، وإلقاء القصائد وكورال المدرسة، كنت حاضرة دائماً في كل هذه النشاطات ولم أكن بعيدة عنها. في تلك الفترة كان التلفزيون يعرض عروض مسرحية لمسرح نجاة أويغار، وعندما يبدأ العرض كنت أجلس أمام التلفاز، ولم أكن أتحرك من مكاني. وقبل العرض بأيام كنت دائماً أسأل والدي عن موعد العرض المسرحي. كنت وقتها صغيرة جداً، ولكن الآن وحين أفكر في تلك الفترة، فإنني أعلم إن أول خشبة مسرح رأيتها وأول ممثلين رأيتهم كانوا أولئك. وربما كانت تلك هي الشرارة الأولى التي اشتعلت في قلبي وقتها.
 
"باسم التنوع يتم إهانة نصوص وأفكار الكاتب"
 
في هذه الأثناء وعندما نعود إلى أعمالكم التمثيلية التي تم عرضها حتى الآن، وبالنظر إلى خلفية هذه الأعمال والفترة التي ظهرت فيها، نرى إنها تتضمن محاولات تجريبية قوية وجريئة. أعتقد أنكم أيضاً تنظمون ورشات عمل؟
الفن، والجماليات الموجودة فيه، أمور متغيرة، لذلك فإن أي عمل فني ننجزه يجب أن يتضمن شيئاً جديداً، ولكن هذا الخط الرفيع هو الموضع الأكثر خطورة، لأنه في السنوات الأخيرة، تم الابتعاد كثيراً ونسيان الأشياء الأساسية، باسم التجديد، وبشكل خاص بين الممثلين المسرحيين الشباب بات هذا المرض ينتشر بكثرة.
في النصوص المسرحية عادة يرغب الكاتب في إيصال فكرة معينة، هناك سقف درامي للعرض المسرحي يجب عدم الإخلال به. إن هذا الأمر هو بمثابة النخاع داخل العظام، يحافظ على العرض المسرحي وعلى جميع عناصره. إذاً التجديد ممكن بدون أن يخل المرء بهذه الأمور الجوهرية، بالإمكان الحفاظ عليها ضمن حدودها، ولكن هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً، وأنا أرى الموضوع على الشكل التالي؛ باسم التجديد يتم إهانة نص ووجهة نظر الكاتب. لن تستطيعوا فهم واستيعاب التجديد ما لم تفهموا الكلاسيك بشكل جيد. وكمن يسقط من السطح، يقولون "لقد فعلت وتم ذلك" المخرجون الشباب يفعلون ذلك بشكل خاص. في أدواري التي أشارك فيها لا أتدخل أبداً في رأي ووجهة نظر المخرج، وهذا ما تتطلبه الأخلاق المسرحية. منذ ثلاث أعوام، ومنذ أن أسسنا الفرقة المسرحية مع صديقي المخرج نوري نالبند أوغلو، ونحن نسعى على الدوام من أجل الحفاظ على هذه الأسس. 
نعم أنا أنظم ورش عمل أيضاً، على خشبة المسرح، أو حول اللغة، أو أحياناً أدمج بين اللغة والمسرح في المواضيع التي لا ألم بها بشكل جيد ولكنها تهمنا جميعاً. في الحقيقة أسعى من خلال نشاطاتي إلى التطرق لحالات العنف والاستغلال الجنسي، وانتهاك حقوق مثليي الجنس، وضحايا جرائم الكراهية، وكذلك إظهار مطالب التعليم باللغة الأم. وللأسف فإن الإجراءات التي تتم باسم تحسين الأوضاع، تنطوي على العديد من العراقيل والعوائق، فالناس يعانون كثيراً فيما يتعلق بالرغبة في تعلم لغتهم الأم.
 
"في الوطن ليس هناك مجال أو مصادر أو دعم للإنتاج والإبداع"
 
ما هي محركات الحياة بالنسبة لـ آرين سيبل أرسلان، وما هي المصادر التي تعتمدون عليها في عملكم كممثلة مسرحية؟
لدي رغبة قوية في الإبداع والإنتاج، ولكنني لا أشعر بالاكتفاء منها. وعندما أعجز عن الإبداع فإنني أنهار، وحين أبدع وأنتج تنتعش روحي من جديد. في الظروف الراهنة، فإنني أراوح في مكان يقع بين الاثنين، لأنه في هذا الوطن ليس هناك مجال أو مصادر أو دعم للإنتاج والابداع وبشكل خاص الابداع الحقيقي. أنا وأشخاص آخرين مثلي، نجتمع سوية ونسعى إلى إبداع شيء ما من الإمكانيات القليلة، لأننا مجبرون على ذلك".
وبصفتي ممثلة مسرحية فإن المصادر التي استند إليها، هي الانطلاق من الداخل إلى الخارج، فالممثل قبل كل شي لديه جوهر داخلي. بمعنى أنني أحاول دائماً أن أتذكر جوهري والتعمق فيه أكثر، عبر طرح أسئلة من قبيل "من أنت، من أنا؟" إذا لم تتمكنوا من التعرف على مكان وجود بذرة الحياة في داخلكم لن تستطيعوا الوصول إلى المكان الذي ترغبون بالوصول إليه. وعليه فبالنسبة لي المكان الذي ولدت فيه هو جوكوروفا، لقد ترعرعت في جوكوروفا وأمضيت طفولتي هناك، إلا أن أصولي شرقية، أي أن مكاني الثاني هو الشرق. أنا امرأة أنتمي إلى الشرق وإلى جوكوروفا. أما محطتي الثالثة فهي أنني أنثى من هذا الوطن. أنا أعيش على هذه الأمور الداخلية والجوهرية.
أما ما أقصده بالنواحي الخارجية فهي الأمور الجيدة التي أفعلها على صعيد وجهة نظري ورؤيتي للتاريخ، وللفن، والقراءة بشكل متواصل. أستطيع هنا أن أتحدث عن جزئية شخصية جداً، فمنذ أن وعيت على الحياة، هناك شيء فعلته على الدوام ولم أنتهي منه أبداً، ألا وهو المشاهدة. وكأن العالم كله والناس كلهم صعدوا على خشبة المسرح ويؤدون أدوارهم وأنا أيضاً لي دور هناك. من الأمور التي أحبها كثيراً هو عندما أنظر إلى الناس وهم غير منتبهين. وكأنني أشاهد فيلما، أحدق فيهم، أشعر بالحماسة، بالخوف، وبالرهبة وفي نفس الوقت بالانزعاج. أحياناً وأنا أنظر إليهم، أشعر وأنني أدخل إلى داخل عقولهم وأرواحهم. أعتقد أن هذه العادة، تساهم كثيراً في صقل ملكة التمثيل المسرحي لدي.
 
"هذه انتفاضة!"
 
بصفتكم ممثلة مسرحية تعملون في المسرح البديل، ما الذي تقلقون بشأنه في المستقبل؟
المسرح البديل ظهر أصلاً نتيجة القلق حيال المستقبل. المسرحيين الموجودين حالياً غير راضون عن الأعمال التي يؤدونها، لذلك توجهوا نحو المسرح البديل. وهذا بحد ذاته انتفاضة. سوف يساهم ذلك في تحرر المسرح البديل في تركيا من حالة القلق، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالمسرح بل يشمل جميع مناحي الحياة الأخرى أيضاً. لذلك يجب أن تفعلوا كل ما بوسعكم. قد يكون فعل أفضل ما بوسعنا غير كاف، وهذا غير مهم، القضية لا تتعلق دائماً بالنتائج، المهم أن يواصل الإنسان مسيرته.
 
ما الذي يعجبكم أكثر في المسرح أو السينما العالمية، وأي من هذه الأعمال العالمية كنتم ترغبون بالمشاركة فيها؟ وهل هناك شخص معين كنت تودين التمثيل إلى جانبه؟
مع الأسف لم تتح لي الفرصة لمشاهدة المسرحيين العالميين على خشبة المسرح، ولكننا نقرأ المقالات النقدية المنشورة على الانترنت بخصوص بعض الأعمال المسرحية. خلال فترة الحجر المنزلي للوقاية من فيروس كورونا، أتاحت العديد من المؤسسات المشهورة والناجحة على مستوى العالم، الفرصة لمشاهدة أعمالها عبر الانترنت، وعدا ذلك لا نستطيع مشاهدة تلك الأعمال، وهذه الفرصة أتيحت لنا بفضل شاشات العرض. ولذلك لا أعرف إذا كان بإمكان المرء أن يحلل أو يقيم بشكل صائب. لقد أتيحت لي الفرصة لمشاهدة المسرح الروسي والأوكراني والجيورجي. ربما كان الصائب تقييم المدارس الفنية، وأنا أنحدر من المدرسة الروسية، وأنا معجبة بشكل خاص بالمسرحيين الجيورجيين والروس، وأستطيع القول أنني أرغب بالوصول إلى مستوى أولئك الممثلين. ومن جهة أخرى فإن الممثلين الإنكليز أيضاً أبدعوا أعمالاً جيدة أمام الكاميرا، وهذا أيضاً يعود بجذوره إلى خشبة المسرح. وهذا هو الأمر المهم هناك، فهم يرغبون بالأشخاص القادمين من خشبة المسرح، كما أن الأشخاص الذين يحققون النجاح هم عل الأغلب من القادمين من خشبة المسرح. ومن جهة أخرى هناك مسرح الشرق الأقصى وممثليه المسرحيين، ولكن ونظراً للبعد الجغرافي بيننا، فإننا لا نعلم عنهم شيئاً. هؤلاء الممثلين يتلقون تدريباً جيداً، فيا ترى كيف ستكون عروضهم؟.
 
"تم إيقاف المشروع"
 
ما هي المشاريع التي تعملون عليها الآن؟
في الفترة الأخيرة أعمل في ورشة (آرت نيت) الفنية. نعمل على مشاريع تتضمن التمثيل أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح. حالياً لدينا دورة تدريبية للغة الإنكليزية، كما أنه لدينا فرقة للإيقاع والتي أشارك فيها، نواصل مشروعنا الموسيقي منذ 4 أشهر. بعد أن انتهينا من العرض المسرحي الذي يحمل عنوان 70DK، نسعى إلى إنجاز مشاريع أخرى، ولكن المشروع توقف حالياً بسبب عدم توفر الدعم الخاص أو الدعم الحكومي. إضافة إلى ذلك أعمل الآن على ترجمة كتاب يعتبر مهماً بالنسبة لي.