'أرسم ما أراه وما أعيشه'
روكن آلتورك التي ولدت في الغربة، تعمل على تجديد وإحياء الثقافة الكُردية من خلال إعادة رسمها على شكل لوحات
هيفيدار تالي/ ديلان كورهان
الموصل ـ ، تقول "إن العمل على إحياء ثقافتي في ظروف الغربة والهجرة، أمر يستحق التقدير، وأنا أسعى إلى التعبير عن هذه الثقافة من خلال اللوحات، وإعادة إحيائها بأسلوب فني".
الشابة روكن آلتورك، من أهالي مخيم الشهيد رستم جودي (مخمور)، درست الرسم، وتعمل في ورشة الرسم في المخيم. الفنانة التي تشي لوحاتها بالكثير من آثار الغربة، ولدت في مخيم مخمور بعد أن هاجر إليها أهلها.
ففي عام 1994 كان أهالي قرى منطقة بوطان في شمال كردستان أمام خيارين، أما أن يقبلوا بالعمل كحماة للقرى للدولة التركية، أو ترك قراهم والهجرة منها. عائلة روكن آلتورك مثلها مثل المئات من العوائل رجحت الخيار الثاني واضطروا إلى مغادرة قريتهم. وفي الغربة وتحت خيمة بيضاء مغطاة بالبلاستيك الأزرق في مخيم نهدار على الحدود المزروعة بالألغام، فتحت روكن آلتورك عينيها على الحياة وأطلقت صرختها الأولى. هذا الحدث كان له التأثير الأكبر على حياتها وظلت تفكر فيه على الدوام.
'حياتي الحقيقية اختلطت على الدوام مع حياتي الخيالية'
روكن آلتورك التي فتحت عينيها على الحياة في الغربة، ارتادت المدرسة وتعلمت الرسم: "أنا من جيل الشباب الذين ولدنا في الغربة وترعرعنا أيضاً في الغربة. نحن أبناء شعب لم يتحدث عن آلامه، ولا زالت الآلام مخبأة في قلوبهم. والآن أسعى للتعبير عن مشاعري وخيالاتي وأحاسيسي التي عشتها خلال فترة الطفولة، عن صرخات أمي التي كنت شاهدة عليها، وكذلك عن الخوف المخبأ في قلوب كل الأطفال، أسعى للتعبير عن كل ذلك من خلال لوحاتي.
في عام 2017 بدأت حياتي في مجال الفن، كان للفن مكانة مهمة في حياتي على الدوام، حقيقة الحياة، والبحث عن الحقيقة كانت السبب في أن أتوجه إلى الرسم لكي أتمكن من رسم وجه الحقيقة.
على الدوام اختلطت حياتي الحقيقة مع حياتي الخيالية. في قلبي كنت أحتفظ بكل ما عايشته وأبقيه حياً. ولكي أتمكن من تحقيق ومعايشة أخيلتي، كان أمامي طريقين، أما أن أحمل القلم وأتحول إلى كاتبة للحقيقة، أو أن اتجه إلى الرسم. وفي النهاية اخترت طريقي، وهو الرسم، وأحاول أن أعبر في لوحاتي عما عايشته. لأن أحلامنا وآمالنا لطالما تعرضت للقمع".
حياة مليئة بالإبداع خلال فترة قصيرة
تتحدث روكن آلتورك حول صعوبات العمل في مجال الفن التشكيلي في ظروف الغربة: "مما لا شك فيه أننا نعاني من مصاعب جمة، فكيف للإنسان أن يطور من مواهبه الفنية في ظروف الغربة وسط قلة وانعدام الإمكانيات؟ ففي ظروف الغربة وحياة النزوح يصعب علينا العمل بحرية وإقامة المعارض الفنية في كل المدن. لذلك فإننا كطلاب وكمعلمين نواجه صعوبات وعوائق جمة في هذا المجال. عندما يبدأ الفنان برسم موضوع ما فإنه يشعر به ويتخيله ويرى نفسه في ذلك النتاج الفني. الأمر المؤلم في الموضوع هو ألا يكون ضمير الإنسان مرتاحاً، فعندما يمارس الإنسان عملاً ما فإنه يشعر بالسعادة إزاء عمله، وكلما نظرت إلى اللوحات الفنية فإنني أشعر بالكثير من التفاؤل، تلك اللوحات تعتبر مقدسة بالنسبة لنا، لأننا وصلنا إلى المستوى الذي يمكننا من الشعور بذلك الإحساس.
نقوم سنوياً بتنظيم معرض فني في المخيم باسم الطلاب في الـ 15 من شهر آب/أغسطس. كما تقام العديد من المعارض في الأماكن الأخرى، وتشارك لوحاتنا في المعارض التي تقام خارج الوطن، وتلقى لوحاتنا اهتماماً كبيراً من قبل الناس، ويستغرب الناس من أن أطفال صغار يمتلكون كل هذه الأحاسيس والمشاعر".
'عندما يفقد الإنسان فنه، فإنه يفقد نفسه'
ووجهت روكن آلتورك ندائها إلى الفتيات: "أدعوا جميع الشباب وبشكل خاص النساء الشابات، اللواتي بتن تدركن خصوصية وطريقة حياتهن، بأن ينظرن أحياناً إلى حياتهن ورؤية ما خلفن ورائهن. علينا نحن كنساء شابات الاهتمام بثقافتنا وفننا ومجتمعنا، لأن كل مجتمع يصبح جميلاً بثقافته الخاصة. عندما يُفتقد الفن من المجتمع، فهذا يعني أن أجيالاً كاملة سوف تنتهي. لأن ما يحافظ على تماسك وبقاء المجتمعات هي اللغة، واللغة مرتبطة بالفن. الأمر الأهم هو أن يجسد الإنسان ثقافته من خلال مختلف أنواع الفن. الفن هو العامل الأساسي والأهم الذي يساهم في بقاء الإنسان حياً، إذا فقد الإنسان الفن فإنه يفقد نفسه".