'السينما قادرة على خدمة واقع النساء ومقاومة الحيف ضدهن'
ترى المخرجة السينمائية سلمى لخماس أن معالجة قضايا النساء عن طريق السينما باتت ضرورة لمحاربة الحيف والتمييز الذي تتعرضن له في المجتمع.
حنان حارت
المغرب ـ يساهم الفن في تغيير العقليات لأنه قادر على الوصول للجمهور والتأثير فيه بشكل مضاعف، ولأنه أداة محورية في عملية تغيير الفكر، بفضل قدرته الكبيرة على مخاطبة المشاعر والأحاسيس.
تركز المخرجة سلمى لخماس في أفلامها على قضايا النساء وحكاياتهن، وتعتبر أن الأفلام التي تقوم بإخراجها تمثل شخصيتها، مبرزةً اهتمامها بحقوق الإنسان والنساء خاصة، فهي تحاول كمخرجة ترجمة ما تشعر به عبر أفلامها "أنجذب إلى مناقشة قضايا النساء ومعاناتهن، كما أتطرق إلى الحيف والتمييز بين المرأة والرجل في مجتمعنا"، لافتةً إلى أن الفنان بغض النظر عن جنسه يجب فيه أن يكون وفياً لمبادئه ويأخذ بعين الاعتبار هذا النوع من القضايا الاجتماعية.
وترى سلمى لخماس أن معالجة قضايا النساء عن طريق السينما باتت ضرورة لمحاربة الحيف والتمييز ضدهن، مؤكدةً أن خدمة قضايا النساء فيه متعة خاصة لاعتبار أن أغلبهن تتقاسمن نفس المعاناة.
وأوضحت أنها لا تحب التصنيف أو الحديث عن سينما المرأة أو سينما ذات التوجه النسوي، وإنما تفضل القول إن هناك إنسان يؤمن بالمساواة والحقوق الإنسانية للنساء، وأن هناك آخر لا يؤمن بها، مشيرةً إلى أنه في الساحة الفنية هناك نساء مبدعات، لا يتم تصنيفهن على أنهن نسويات، ولكن كان لهن فضل كبير في الإنتاج، أو الإخراج، أو الكتابة، أو التمثيل واستطعن ترك بصمتهن، وأثرن قضايا مهمة تصب في خانة إبراز مكانة المرأة المغربية محاولة تجاوز تلك النظرة النمطية.
وتطرقت إلى فيلمها الوثائقي (أمازون) الذي لا يزال في مرحلة المونتاج وتتمتع فيه المرأة بمكانة استثنائية "قمت بإخراج وكتابة هذا السيناريو برفقة صديقتي المنتجة رشيدة السعيد، أخذت الكتابة منا وقتاً طويلاً، حاولنا تقريب الجمهور من معاناة النساء اللواتي يمارس عليهن العنف الزوجي، وماهي الآثار النفسية والجسدية على صحتهن".
وأضافت أن "قصة أمازون هي قصة حقيقية استحضرناها عن طريق ممثلين/ات وتحاكي قصة امرأة عانت من العنف الزوجي بكل أشكاله لمدة 15عام، وبقيت محبوسة بين جدران بيتها فلم يكن زوجها يسمح لها بالخروج، وكان يتعامل معها وكأنها "آلة إنجاب" فقط، حيث أنها كانت تتعرض للاغتصاب الزوجي، وتنجب أطفالها بدون أي مراقبة طبية، لكن بعد كل تلك المعاناة وضعت خطة محكمة مكنتها من الهروب رفقة أطفالها، حتى استعادت حريتها التي غيرت حياتها بالكامل".
واعتبرت سلمى لخماس بطلة فيلم "أمازون" قدوة لكل رجل وامرأة يعانون من الفشل، لكنه لا يفضل الاستسلام، بل يحارب من أجل تجاوز كل الصعوبات وتحقيق أحلامه المؤجلة "عملنا على كشف كيف أن الناجيات من العنف هن محاربات ولسن ضحايا، حيث أنه بعد كل معاناة وقهر تنتفضن من أجل تغيير الواقع بكسرهن لجدار الصمت أولاً، ثم رغبتهن القوية في تغيير حياتهن وتحقيق ذواتهن داخل المجتمع".
فيما تعتبر فيلمها "خيانة" الذي كتبته وقامت بإخراجه وحصل على جائزة النقاد في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، تجربة استثنائية وقالت سلمى لخماس إنها لم تكن تتوقع هذه الجائزة، وعندما شارك الفيلم في المهرجان وتم ذكر اسمها شعرت بالفرحة والفخر، لأنه بالنسبة لها جائزة النقاد هي من أهم الجوائز التي يفخر بها المبدع.
وعن قصة الفيلم أوضحت أن الفيلم يتطرق لحكاية امرأة ناجحة في الحياة تكتشف خيانة زوجها "لقد ركزنا على تصرف الضحية في هذا الموقف، وكيف تعاملت مع الأمر بنوع من التحدي لذاتها، صورة جسدنا من خلالها المرأة المغربية في كيفية إنهائها للقرارات المصيرية بحكمة".
وعن العوامل التي أثرت فيها حتى تشبعت بقيم الدفاع عن حقوق النساء التي ترجمتها في عدد من أفلامها بينت أن "الوسط الأسري الذي نشأت فيه له دور كبير في تشبعي بقضايا الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص، فأسرتي حقوقية بامتياز تناضل منذ سنوات من أجل حصول النساء على حقوقهن، وبما أنني ترعرعت في هذا الوسط تشبعت بثقافة المساواة، ما أدى إلى حصولي على رصيد حقوقي مكنني من توظيفه ومعالجته سينمائياً، والذي اعتبره مقاومة بطريقة مختلفة، لهذا أنحاز دائماً للموضوعات النسوية".
وبغض النظر عن تكوينها الحقوقي تعتبر أن من أولوياتها الاقتراب أولاً من القضايا التي تخص النساء، لأنها أولاً امرأة ولأنها تصور في أفلامها ما يلمسها ويشغلها كإنسانة "أعيش وأشاهد بشكل يومي ما تعانيه النساء في مجتمعي، ورسالتي هي نقل هذا الواقع من أجل تغيير العادات والتقاليد البالية التي تكرس الظلم والقهر والحيف ضد النساء".
وعن مدى قدرة الأفلام على تغيير العقليات أكدت أنها تمتلك الكثير من الشغف تجاه الحكايات والقضايا التي تعبر عن الواقع الذي تعيشه النساء والدفاع عما يعيشونه عبر السينما "إيماني بأن الأفلام أداة محورية في عملية تغيير الفكر، بفضل قدرتها الكبيرة على مخاطبة المشاعر والأحاسيس".
ولفتت إلى أنه كونها امرأة مخرجة وكاتبة سيناريو، تحاول قدر الإمكان المساهمة في تغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع عن المرأة "أحاول إظهار الظلم الذي تعانيه وحتى نظرة المجتمع لها، وألقي الضوء على حقوقها المنقوصة والعنف الذي تتعرض له، من أجل إيجاد الحلول، وهذا برأيي هو دور مخرجو/ات الأفلام، بحيث نساهم في تغيير حياة الناس دون فرض وجهة نظر أو تلقينهم دروساً عن الحياة المثالية".
ولفتت سلمى لخماس إلى أنه في الوقت الحالي بات هناك وعي عند عدد كبير من المخرجين/ات، في تقديم أعمال فنية بهدف إحداث تأثير في الرأي العام والإسهام في تغيير القيم وتفعيل حضور المرأة في السينما، وتغيير صورتها، ولو أن ذلك لازال يتم بشكل محدود".
وقالت إن وجود النساء في مراكز القرار لازال غير مرضي "أصبحت المرأة تواجه صعوبات في كل المجالات، هناك أقلية من النساء استطعن الوصول لمراكز القرار، لأنهن ربما تواجدن في محيط أسري وعملي سهل لهن الطريق من أجل إثبات قدراتهن".
ولفتت إلى أنه كما هو معلوم يقع على عاتق المرأة الكثير من المسؤوليات في المجتمع لأنها تتحمل مسؤولية البيت والأطفال وكبار السن، وإن أرادت الولوج داخل سوق العمل، فإن تلك المسؤوليات التي لا تجعلها تمضي نحو تحقيق ما تطمح إليه، لعدم وجود من يتحمل معها أعباء ومسؤوليات البيت، مضيفةً أن الرجل يعتبر ذلك من التزامات المرأة، وإن قدم المساعدة يعتبر من باب الجميل، وبالتالي فالمرأة تكون أمام خيارين إما التخلي عن طموحها أو أن تبقى في مكانها.
وأوضحت أن هذا الأمر ينطبق على المرأة المبدعة والمخرجة فهي لا يتم إنصافها، لأنه مجال جديد وذكوري، وبالتالي النساء قليلات فيه "على الرغم من ذلك لا ننكر أنه على مستوى المغرب هناك نساء تركن بصمتهن وأخذن جوائز قيمة، مثل أسماء المدير وهذا يبين أن إمكانيات النساء كبيرة ولا بد للنساء أن تتقن في ذواتهن وقدراتهن".
وفي ختام حديثها دعت سلمى لخماس النساء إلى تحقيق ذاتهن في المجتمع وأن تتحدين كل الصعوبات التي تواجهنهنا "كنساء نشكل قوة المجتمع، وما يجب أن تعلمه جميع النساء هو أنهن صانعات للأجيال، وما عليهن إلا أن تثقن في قدراتهن وأن تعرفن إمكانياتهن وتعملن عليها من أجل تطويرها، فلابد أن يتعاون كل من الرجل والمرأة من أجل تطور المجتمع وإلا سيبقى ذلك الاعتقاد بأن المرأة دائماً تكون على الهامش، بل يجب أن نعمل رجالاً ونساء على أن تأخذ المرأة مكانتها الحقيقية، لأن ذلك من صالح المجتمع".