السعدية العسري أيقونة الفلكلور التي تسعى للتعريف بالتراث الأمازيغي
تجسد العديد من المناطق الأمازيغية التراث الأصيل للمنطقة عن طريق رقصة "أحواش" التي تنظم في جميع الاحتفالات الشعبية والأعراس.
رجاء خيرات
مراكش ـ انضمت السعدية العسري لفرقة "تي زويت" الفلكلورية، منذ سن الثالثة عشرة. سافرت إلى العديد من البلدان العربية والأوروبية لتقديم عروض فنية قصد التعريف بهذا التراث الأمازيغي الأصيل "أحواش" قلعة مكونة.
وكالتنا التقت السعدية العسري على هامش المهرجان الوطني للفنون الشعبية في دورته الـ51، الذي نظم بمراكش ما بين الأول والخامس من تموز/يوليو، للحديث عن الفرقة ومشاركتها في المهرجان.
تحتل المرأة داخل فرقة "تي زويت" مكانة متميزة، حيث تقدم النساء رقصة "النحلة"، بينما يكتفي الرجال بالنقر على الدف. تتوسط المرأة "الريسة" (أي القائدة) الراقصات الملتفات حولها، بينما يجلس الرجال القرفصاء على الجنبات، فتنتظر النساء إشارة القائدة أو "الريسة" لتبدأن في الدخول تدريجياً وهن ممسكات ببعضهن البعض في حركات دائرية، تحت إيقاع العزف، تماماً كما تفعل ملكة النحل داخل الخلية، لذلك سميت برقصة "النحلة"، ولا تتوقف النساء الراقصات عن الرقص طيلة العرض، وهو ما يتطلب نساءً تمتلكن بنيات جسدية قوية.
وتتكفل السعدية العسري بتوفير اللباس الذي تشرف عليه بنفسها حتى يكون في المستوى المطلوب، وهو الزي التقليدي للمنطقة، كما تقوم بحياكة إكليل الورد الذي تضعه الراقصات فوق رؤوسهن كأنهن ملكات بتيجان الورود.
تقول السعدية العسري "هذا تراث أصيل ضارب في عمق تاريخ المنطقة، بحيث لا تستقيم الاحتفالات الشعبية والأعراس بدون رقصة "أحواش" قلعة مكونة، كما هو الشأن في العديد من المناطق الأمازيغية ببلادنا".
رغم اعتزاز سكان المنطقة بهذا التراث الذي يقدمونه في كل المناسبات ويشاركون به في المهرجانات الوطنية والدولية، إلا أن المرأة التي تمتهن الرقص في فرق "أحواش"، لا تحظى بالتقدير من قبل ساكني المنطقة، لذلك تؤكد السعدية العسري أنه "لا يمكن للمرأة في قلعة مكونة أن تنضم لفرقة "أحواش" إلا إذا كانت مطلقة أو عازبة".
أما عن التحاقها هي بالفرقة فتقول "التحقت بفرقة "تي زويت" منذ كان عمري 13 سنة، وغادرتها بعد تجربة زواج لم يكتب لها النجاح، فعدت من جديد للفرقة بعد أن أصبحت مطلقة، أنا الآن أعيل طفلة هي ثمرة زواجي السابق وأعتمد على نفسي لتدبير أمور الحياة".
أغلب النساء اللواتي تعملن في هذه الفرق تعانين من نظرة المجتمع خاصة بالنسبة لمناطق أمازيغية لازالت تحافظ على بعض أنماط العيش التقليدية القديمة، وأغلب الفتيات تنقطعن عن الدراسة من أجل الزواج المبكر الذي يرغمن عليه.
تتكون الفرقة من 22 عضواً، من بينهم 10 نساء فقط، ويقتصر عمل النساء على تقديم الرقصات، ولا يسمح لهن بالنقر على الدف، لأنه من اختصاص الرجال.
يحتل الورد مكانة مهمة لدى ساكني قلعة مكونة، حيث ينظم بها مهرجان سنوي يحتفي بالورود وتقام له حفلات ضخمة يحضرها الناس من داخل وخارج المغرب، فالمنطقة معروفة بزراعة الورد (البلدي) وهو يدخل في العديد من الوصفات التجميلية، كما أن الورد يدخل في المطبخ، وتؤكد ذلك السعدية العسري "في كل بيت بقلعة مكونة، لا بد من وجود الورد، إنه مكون أساسي في حياة السكان، يستعمل للزينة والعطور والكريمات، كما يُنَسم به الشاي ويستخدم في الكثير من الاستعمالات المتعددة".
رغم اعتزازها بمهنتها التي تتعيش منها، إلا أن السعدية العسري تتأسف لكون هذا التراث الجميل في طريقه إلى الاندثار كغيره من الأشياء التقليدية الأصيلة، حيث أن من اعتبرتهم "دخلاء" على المجال أفسدوا هذا الفن، لأنهم يعمدون إلى إحياء حفلات بأثمنة زهيدة جداً، وهو ما يجعل المحترفين الذين تربوا على الفن الأصيل بدون عمل دائماً.
أغلب عضوات الفرقة يزاولن أعمالا أخرى، مثل العمل في معامل خاصة بصناعة العطور ومستحضرات التجميل التي تعتمد على منتوج الورد، لأن المهرجانات الوطنية والدولية، رغم أهميتها، تبقى غير كافية لتوفير لقمة العيش، خاصة وأن العديد من اللواتي تعملن في فرق أحواش هن مطلقات ومسؤولات عن إعالة أطفال.
وتعليقاً على ذلك تقول السعدية العسري "خلال العامين الماضيين، وبسبب توقف المهرجانات والاحتفالات الشعبية مع ظروف جائحة كورونا، عانينا الأمرين حتى أن العديد من أعضاء وعضوات الفرقة غادروها بحثاً عن مصادر عيش أخرى، لكن الحياة عادت لطبيعتها نسبياً، وأصبحنا نتلقى دعوات لحضور مهرجانات، آمل أن تعطى الأهمية لهذا التراث ويعاد الاعتبار للنساء اللواتي تحترفن هذا الرقص الذي يعكس ثقافة المنطقة وهويتها".