السامرية أصغر طائفة دينية في العالم

تعيش في الأراضي الفلسطينية شعوب متعددة الديانات وكل منها ينقسم إلى طوائف ومذاهب ومنها الطائفة السامرية التي سكنت مدينة نابلس منذ آلاف السنين لكنها غير معروفة بشكل كبير لدى شعوب العالم

مركز الأخبار ـ .
تتعد الطوائف والمذاهب في الأديان ولكل منها رؤيته للدين ينظر إلى تعاليمه من زاوية مختلفة وفي احيان كثيرة تكمل الطوائف بعضها رغم الاختلافات الكبيرة بينها والتي تصل إلى حد القطيعة كما في الطائفة اليهودية والسامرية.
 
مقدساتهم
تتخذ الطائفة من قمة جبل جرزيم أو جبل الطور الموجود في مدينة نابلس الفلسطينية قبلة لها، ويعتبر السامريون جبل جرزيم قبلة أفئدتهم، ومقصد حجهم.
وذُكر جبل جرزيم الموجود في فلسطين في الشريعة المقدسة 13 مرة باعتباره بيت الله وباب السماء، وتأتي قدسية الجبل من اعتقاد السامريين أن آدم خلق من ترابه، وأنه المكان الذي انزل فيه آدم من الجنة وبدأ تكاثر الإنسان، ويعتقدون أيضاً أن كل من النبي إبراهيم والنبي يعقوب قد بنيا فوق الجبل مذبحاً لله ودعا فيه باسمه. 
ويختلف جبل الطور في مصر عن جبل الطور أو ما يعرف بجبل جرزيم في فلسطين، فالأول يقع في محافظة جنوب سيناء بمصر ويسمى بجبل موسى حيث تلقى فيه النبي الوصايا العشر وكلمه الله عنده، بحسب الديانات السماوية الثلاث. 
ويقدس السامريون أيضاً قبور الأنبياء والصالحين الموجودة حول مدينة نابلس ومنها قبر النبي يوسف، وذو الكفل، ويوشع بن نون، وآدم، ونوح، وإبراهيم، وهارون، وإسحق، ويعقوب، وشيت (من ابناء آدم)، وقبور الصالحين كأمثال قبر أنوش ورفقة ولائقة وراحيل زوجة النبي يعقوب. 
 
أصولهم
جاء العبرانيون وهم اليهود والسامريون إلى فلسطين عقب خروجهم من مصر وضياعهم في صحراء سيناء ما يعرف بالتيه الذي استمر 40 عاماً، ويقول السامريون أن النبي يوشع بن نون وهو من قبيلة "إفرايم" قادهم بعد موت النبي موسى إلى أرض فلسطين متجهين نحو جبل جرزيم.
وكان اليهود متحدين قبل موت النبي سليمان وبعد موته انقسم اليهود "العبرانيون" إلى فرقتين الأولى اتخذت من القدس عاصمة لها وقدست جبل صهيون، بينما اتخذت الثانية مدينة نابلس عاصمة لها وقدست جبل جرزيم.
وسكن السامريون في وسط نابلس ومن ثم انتقلوا إلى حي مجاور لها يعرف في فلسطين بحارة السمرة، ثم انتقلوا إلى جبلهم المقدس جرزيم وبنوا أول منزل فيه عام 1961.
 
التسمية
كلمة سامري تعني "المحافظ"، والمقصود بها الفئة المحافظة على التوراة حيث تعتبر الطائفة أنها تمتلك التوراة الحقيقية لبني إسرائيل وليست المحرفة التي يمتلكها اليهود، وترفض ما كتب بعد موت موسى.  
ورغم انهم من التابعين للدين اليهودي إلا أنهم يرفضون انتسابهم لليهود ويصرون على اعتبار أنفسهم إسرائيليين من أبناء النبي إسرائيل "يعقوب" ومن سلالة النبي موسى.
 
الاختلاف بين السامرية واليهودية
كما قلنا سابقاً فإن اليهود كانوا متحدين إلا أن مات النبي سليمان وانقسمت مملكتهم إلى شمال وجنوب بحسب ما كُتب في العهد القديم "التوراة"، فما كان من قبائل "أسباط" يهودية وعددها عشرة وعلى رأسهم سبط إفرايم إلا أن اقامت مملكة إسرائيل الشمالية وبهذا انشأت مملكة للسامريين استمرت قرابة 200 عام ويعتبر السامريون أنهم من نسل هذه المملكة.
فيما سكن اليهود مملكة الجنوب أو ما تعرف بـ "يهوذا" ضمت قبيلتين "سبطين" واتخذت من أورشليم عاصمة لها. 
أما من ناحية العبادة فإن السامريين يختلفون عن اليهود بأمور تعد جوهرية أهمها أن لكل منهما توراة خاصة به، إضافة إلى اختلاف في شعائرهم وصلاتهم وصيامهم وأعيادهم. 
وقبل السامريون بأسفار موسى الخمسة فقط "التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية"، ورفضوا كتب الأنبياء وكل التقاليد اليهودية.
 
العداوة مع اليهود 
ظهر الخلاف الحقيقي بين اليهود والسامريين بعد عودتهم من السبي البابلي وقال السامريين أن اليهود حرفوا الدين وعبدوا الأوثان، بينما اعتبرهم اليهود كفار واحتقروهم لدرجة كبيرة وصلت حد اعتبار طعامهم نجاسة، وحرموا الجلوس معهم وحتى النطق باسم سامري لئلا تتنجس به شفاههم، اعتبروا السامريين أسوأ ما في الجنس البشري وبذلك انعدم التعامل فيما بينهم.
 
المجتمع السامري
في آخر احصائية للسامريين بلغ عددهم نحو 785 نسمة، يسكن 385 منهم في جبل جرزيم، بينما يسكن أربعمئة في منطقة حولون داخل فلسطين، وبقي السامريون في الشمال "نابلس ومحيطها"، علماً أنهم كانوا موجودين في الساحل وبيسان وعسقلان، كما أن مجموعة كبيرة منهم تمركزت في غزة ودمشق حتى القرن السادس عشر، لكن الجزء المتبقي منهم في دمشق انتقل إلى نابلس.
وفي العقد الأول من القرن العشرين، بدأت طلائع السامريين تنتقل إلى منطقة حولون، القريبة من تل أبيب لأسباب اقتصادية، وازداد عددهم بعد اجتياح القوات الإسرائيلية للضفة الغربية عام 1967. 
والسامريون متعايشون في المجتمع الذي يتميز بتنوعه فهو يضم العرب والمسلمين والمسيحيين واليهود ويملكون الجنسيتين العربية والإسرائيلية لذلك فهم يرون أن من حق الشعب الفلسطيني أن يحصل على حريته أسوة ببقية شعوب العالم، كما أنهم لا يفضلون الانخراط بالعمل السياسي.
وتنقسم الطائفة السامرية إلى فئتين هما الكهنة وعامة الشعب، والكاهن الأكبر هو الأكبر سناً في المجلس الكهنوتي الذي يضم 12 كاهناً، ويعمل الكاهن الأكبر على ترتيب الصلوات والأعياد والقوانين الدينية والعبادة والزواج.
 
المرأة السامرية
يتفق السامريون واليهود على عزل المرأة في فترة الحيض والولادة، وعد كل ما تلمسه نجساً، كما أنها تمنع من العمل في المنزل ويحرم عليها حتى لمس أطفالها، وأثناء هذه الفترة يقوم الزوج أو الجيران بأعمال المنزل. 
أما من ناحية تعدد الزوجات فهو غير موجود إلا في حال كانت الزوجة عاقر لا تنجب، كما يحرم السامريون زواج السامري أو السامرية من غير طائفتهم لذلك نجد أن أعدادهم في تناقص مستمر.
وبسبب هذا التناقص سُمح للسامريين الزواج من غير ديانتهم لكن بشرط أن تعتنق الزوجة الدين السامري ولكن هذا لا ينطبق على الفتاة حيث يعدون من تتزوج بغير سامري خارجة عن دينهم. 
 
السياسية 
يعتبر السامريون أنفسهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، ويرفضون تسميتهم يهوداً، وقد منحهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مقعداً في البرلمان الفلسطيني عام 1996.
وبالرغم من عدم تنازلهم عن الهوية الفلسطينية إلا أن السلطات الإسرائيلية منحتهم هويتها وعاملتهم على أساس أنهم أقلية طائفية يهودية، كما أنهم يحملون الجنسية الأردنية أيضاً.
ولم يسلم السامريون من مضايقات القوات الإسرائيلية، فقد قسمت السلطات منطقتهم في جبل جرزيم باتفاق أوسلو، ففي عام 2000 أغلقت منطقة جبل جرزيم بحاجز دائم، ليحول دون تواصلهم مع أهلها في نابلس، كما قامت بإغلاق بعض معالمهم التاريخية التي يؤدون فيها طقوسهم وشعائرهم الدينية وأهمها قمة جبل جرزيم، وأجرت عمليات تنقيب عن الآثار في محاولة لإثبات عدم قدسيته.
 
طقوسهم ومعتقداتهم
يخصص السامريون في آخر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام يوماً كاملاً في السنة يصومون فيه 24 ساعة عن كل شيء حتى عن الكلام، كما لهم صلوات يؤدونها طوال الأسبوع.
ويحظى يوم السبت بقدسية عندهم، وينقطعون فيه عن العالم أجمع، حيث تؤدى فيه الصلاة بدءاً من مساء يوم الجمعة وحتى مساء يوم السبت بالكنيس، وهي صلاة بوضوء وركوع وسجود تشبه الصلاة عند المسلمين، كما يرتدون زياً أبيض خلال الصلاة يُعرف بالقمباز. 
وللسامريون سبعة أعياد في العام وهي "الفسح، العرش، الفطير، الحصاد، رأس السنة العبرية، الغفران، الأسابيع"، حيث يقومون بذبح الأضاحي في قمة الجبل وتشوى هناك في تنانير مخصصة لذلك. 
ويؤمنون بأركان الدين وهي الإيمان بالله وحده وبموسى نبياً وبالتوراة "الأسفار الخمسة" وبجبل جرزيم مكاناً مقدساً زاره الأنبياء وقدموا فيه الأضاحي والقرابين مثل إبراهيم الذي قدم ذبيحة بدل ابنه، والإيمان بيوم البعث "يوم القيامة"، إضافة للوصايا العشر. 
 
علم الفلك
تحتكر طبقة الكهنة لنفسها علم الفلك باعتبارها أكثر العائلات تمسكاً بالدين، ويربطون بين علم الفلك كعلم وبين التنجيم ويعتبرونه علماً ولهم مكاتب مختصة بذلك، وقد توارثوه منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام ويتعلمه الشخص عندما يبلغ سن الثلاثين أو بعد الزواج ويشمل عملهم بالتنجيم علاج الأمراض والعقم وقراءة الكف ولا يستخدمون معارفهم في إيذاء الناس كالتفرقة بين الأزواج ولا يرضخون لمغريات الزبائن؛ لأن الله حرم على بني إسرائيل العمل بالسحر. 
ومن ناحية الفلك كعلم فإنهم يؤكدون أن قمة جبل جرزيم تتوسط العالم، ويملكون حساباً خاصاً يسمى حساب الحق أو "حسبان قشطة" وهو حساب قمري قديم يعود لآدم، ومن خلاله يحددون توقيت الأعياد وعلم الأبراج الفلكية وتحديد السنة العبرية المؤلفة من 12 شهراً قمرياً، وبه قاموا بتحديد تاريخهم الذي بدأ بدخول شعب إسرائيل إلى الأراضي المقدسة عام 1639 ق.م. 
 
العمل واللغة
يعمل السامريون في العموم بالتجارة، خاصة الوساطة التجارية بين الشعب الفلسطيني والسلطات الإسرائيلية، كما أن لبعضهم أعمالاً خاصة، وينخرط جزء كبير منهم بالوظائف الحكومية الفلسطينية.
وتتكلم هذه الطائفة اللغة السامرية "العبرية القديمة" والتي تتألف من 22 حرفاً، تقرأ من اليمين إلى اليسار. 
ويتلقون التعليم في مدرسة موجودة في جبل جرزيم، فيها سبعة صفوف يتعلمون فيها أركان الدين السامري ولغتهم العبرية القديمة، ثم يكملون تعليمهم في مدارس مدينة نابلس ثم في الجامعات.
والسامريون يعدون أنفسهم طائفة منفتحة على العالم ومعالم الحياة حضارياً وفكرياً وتقنياً، بحيث عملوا في مجالات العلم كافة، وعملوا بكل ما فيهم من طاقات وابتكارات. 
وتستمر أعداد السامريين في التناقص نتيجة للحروب الطاحنة التي خاضتها الأقلية مع اليهود من جهة ومع الغزاة الذين قدموا إلى فلسطين مثل الآشوريون، والبابليون، والفارسيون، والحملات الصليبية من جهة أخرى، إضافة لاعتناق معظمهم الأديان الأخرى فهناك أعداد كبيرة من مسيحيي فلسطين أصولهم سامرية، وكذلك العديد من المسلمين، وقد واجهوا أزمة وجودية حقيقية قبل مئة عام عندما انخفضت أعدادهم إلى 146 شخصاً فقط.