القربة من سمات الثقافة الريفية

تقول فاطمة الخطبان التي تعيش في جبل عبد العزيز/كزوان أنها تستخدم (خضاضة اللبن) أو القربة منذ كانت طفلة صغيرة، فهي جزء من الثقافة الريفية.

سوركل شيخو
الحسكة -  
يعتبر جبل عبد العزيز/كزوان، في مدينة الحسكة بشمال وشرق سوريا من المواقع الجغرافية المهمة، بالإضافة إلى كونه منطقة تنزه يقصدها أهالي إقليم الجزيرة ومناطق شمال وشرق سوريا. ويرتاده مربي الماشية من أهالي المنطقة لرعي مواشيهم نظراً لتوفر المراعي والماء. فيما تحافظ الأمهات على تراث الحياة الريفية في تلك المنطقة. 
ورغم التطور التقني والصناعي إلى أن الأمهات لا زلن يولين أهمية كبيرة للأدوات التراثية القديمة، ومن تلك الأدوات (القربة) أو ما يعرف باللغة الكردية بـ (المشك) وهي خضاضة اللبن التي يتم فيها فصل الزبدة عن اللبن. وللتعرف أكثر على القربة وطريقة استخدامها توجهنا إلى قرية خرعة والتقينا مع فاطمة الخطبان البالغة من العمر 70 عاماً. 
 
نساء جبل كزوان خبيرات في استخدام القربة
بعد أن وضعت فاطمة الخطبان اللبن في القربة، قالت "عندما نقوم بذبح ماعز، نقوم بنزع جلدها وتنظيفه، ومن ثم نقوم بخياطته بشكل جيد، ونحضر خشبتين نعلقها على جانبي القربة، وخشبة طويلة أخرى للربط بين الخشبتين، وبهذا الشكل نصنع القربة. نساء جبال كزوان وخاصة أهالي القرى خبيرات في استخدام القربة. نحن نستخدمها منذ أيام أجدادنا، هي ليست حديثة بل لها تاريخ قديم جداً". 
 
"في السابق كنا نعمل من أجل الحصول على أي شيء"
تقول فاطمة الخطبان أنه رغم التقدم التقني فإنها لا ترغب بالتخلي عن ثقافة استخدام القربة، "في السنوات الأخيرة ظهرت ماكينات خاصة بدل عن القربة اليدوية، ولكن في أيامنا لم تكن توجد مثل هذه الأدوات، كان كل شيء يتم ببذل الجهد والعمل. قليل جداً من النساء لا زلن تستخدمن القربة، الأهالي الذين يملكون هذه الآلات ينتظرون التيار الكهرباء لاستخدام الأدوات، وإذا انقطعت الكهرباء يستخدمون القربة. في السابق كنا نعمل من أجل الحصول على أي شيء.  كنا نبقى واقفات على الأرجل لمدة 5 ساعات من أجل خض اللبن، ولكن النساء في هذا الوقت الحالي اعتدن على الراحة. الأيام القديمة كانت أجمل". 
 
خض اللبن للحصول على الزبدة واللبن 
تقول فاطمة الخطبان أن كميات اللبن تكون أكبر بحسب عدد رؤوس الماشية وبالتالي يزداد الإنتاج من اللبن والزبدة "أفضل طريقة لخض اللبن هو أن يكون وزنه زائداً، فكلما كانت أعداد رؤوس الأغنام والبقر كبيرة، تزداد كمية اللبن، ويتم خضه بشكل أسهل. في البداية نضع اللبن في القربة، ونضع الماء ومن ثم نخضه. ونفتح القربة بين فترة وأخرى لنرى إن كان اللبن تحول إلى زبدة أم لا. وفي النهاية نقوم بفصل الزبدة عن اللبن، ومن ثم نفرع محتويات القربة في الأواني المخصصة".
 
الحياة القروية تعزز الروح التشاركية
حول طبيعة الحياة القروية تقول فاطمة الخطبان "لدى كل عائلة قربة، بحسب عدد مواشيها، وما يميز القرى هو أن العائلة التي لا تملك الماشية تساعد الجيران في خض اللبن ويقدمون المساعدة لبعضهم البعض. الحياة لا زالت كما هي في القرى، حياة القرى تختلف عن حياة المدينة. فحتى بدون وجود الآلات فإن النساء تستطعن صناعة القرب واستخدامها. ما أريد قوله هو أن النساء تخلقن الأشياء من العدم. فإذا لم يكن موجوداً تقمن بصنعه حتى لا تحتجن إلى أحد".
 
إلى جانب استخدام القربة تجيد النساء الغناء الشعبي أيضاً
تتحسر فاطمة الخطبان على الأيام الخوالي، "آلا ليت الأيام الخوالي تعود. وقتها كانت الخيرات كثيرة، وليس كما الآن. كنا نعيش حياة الترحال والبداوة، ونحب كثيراً العمل في الغزل وصناعة الخيم. كنا نأتي إلى هذه الجبال منذ بداية فصل الشتاء وحتى بداية فصل الخريف، ومن ثم كنا نعود إلى منازلنا. النساء كنا يعملن في خض اللبن بالقرب من خيمهن ويؤدين الأغاني التراثية، كن تساهمن في تطوير الأغاني التراثية إلى جانب العمل".
واختتمت فاطمة الخطبان حديثها بسرد أمنيتها الأخيرة "أتمنى كثيراً أن أعلم نساء الجيل الحالي كيفية استخدام الأدوات التراثية. ابنتي الكبيرة بعد أن تزوجت تعلمت استخدام القربة وهي الآن تستخدمها. لا أريد لهذه الثقافة أن تتلاشى، لأنها ثقافة وتراث أجدادنا ويجب على أحفادنا الحفاظ عليها".