المرأة في مجال الأدب... تعبر عن نشاطها وكيانها

برزت أقلام النساء في مجال الكتابات الأدبية من شعر ونثر ورواية وغيرها، للتعبير عن نشاطها والمحافظة على استمرار كيانها

مركز الأخبارـ .
الأدب ليس جديداً على المرأة، أول من كتبت الشعر امرأة، وأول من كتب الرواية العربية كانت امرأة، الكاتبات عالجن قضايا ملحة في المجتمع، فمن الكاتبات من اتبعن الخط النسوي ومنهن من كن محايدات لكنهن اتفقن على نقل معاناة النساء وما يتعرضن له عبر كتاباتهن، ومنهن من ساهمن في حفظ التاريخ من خلال أشعارهن.
فمنذ بداية الحياة المجتمعية بدأت المرأة تكتشف معالم الحياة وفنونها وهندستها؛ فاكتشفت الطب وعلوم الفلك بسبب تحليلها العميق للحياة الانسانية، لكن التاريخ لم يخص المرأة بما قدمته للحياة البشرية عبر العصور بل اقتصر على فئة معينة، وحاصر ابداعاتها وكبّلها بقيود وسلاسل لكسر إرادتها وإبعادها عن ميادين الحياة.
قبل أن تظهر الرواية كأحد أنواع الأدب كتبت النساء الشعر، انخيدوانا الأكادية أول شاعرة عرفها التاريخ، تغزلت أشعارها بالآلهة إنانا، وفي شبه الجزيرة العربية العديد من الشاعرات أمثال الخنساء شاعرة الرثاء، وجليلة بنت مرة، وامامة بنت كليب، كما عرفت في الأندلس الشاعرة ولادة بنت المستكفي.
وفي القرن العشرين العديد من الاسماء لمعت في سماء الأدب أمثال العراقية نازك الملائكة واللبنانية مي زيادة، والمصرية عائشة التيمورية، وكذلك إليف شافاق من تركيا، ومن الجزائر أحلام مستغانمي، والأديبة الثورية الكردية روناك مراد والقائمة تطول.   
تأخرت النساء نسبياً للانخراط بكتابة الأدب الروائي الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي، وكانت أول رواية عرفها التاريخ باسم الحمار الذهبي للأديب والفيلسوف الأمازيغي لوكيوس أبوليوس.  
لا يعرف على وجه الدقة أول روائية في التاريخ، كما تم حجب حقيقة أن أول من كتب الرواية العربية هي الروائية اللبنانية زينب فواز عام 1899 بعنوان حسن العواقب، على عكس ما يشاع وما يدرس في المناهج التعليمية بأن رواية "زينب" للكاتب المعروف محمد حسين هيكل هي أول رواية بقلم عربي.  
في أوروبا النساء انخرطن في العمل الأدبي الروائي قبل ذلك بكثير واشتهرت اسماء عديدة منهن، مثل رواية ذهب مع الريح للكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشيل، والروايات البوليسية للكاتبة الإنكليزية أجاثا كريستي.
بعض الروايات تدرس اليوم في الجامعات البريطانية كأحد أعمدة الأدب الإنكليزي مثل رواية جين آير لتشارلوت برونتي وغيرها.
 
التاريخ حاصر ابداعاتها  
النظرة الدونية والتهميش أولى المعوقات التي واجهت المرأة وعرقلت طريقها حيال الذهنية الذكورية، ظناً منهم أنها غير قادرة على إتقان الفنون الأدبية والوصول إلى القمة، مما جعلها تقف أمام خيارين إما التصادم مع المجتمع أو الاستسلام التام لرغبته، فيما الكتابة تحت اسم مستعار كانت أحد الحلول بالنسبة لبعض الكاتبات أمثال الأختين برونتي (تشارلوت وإيميلي) اللتين كانتا تنشران كتاباتهن باسم مستعار وهو "إليس بيل". بذلك لا يكون رأي القارئ معتمداً على جنس الكاتب أي أن الكاتبات استطعن الوصول للجمهور دون تعرض اعمالهن للأحكام المسبقة كونها مكتوبة بقلم امرأة. 
رفضت الذهنية الذكورية الأعمال الأدبية النسائية والتي تحمل طابع الأنا حيث تم ربطها بالغواية لذلك لا تبوح النساء برغباتهن ولا يعبرن عن أنفسهن بشكل صريح بل يتجهن للحديث على لسان الرجل، وهو ما أكد عليه الكاتب مصطفى الغرافي بالقول "لا تتكلم المرأة غالباً باعتبارها فاعلاً لغوياً مستقلاً، بل ظلّ الرجل هو المتكلم باسمها والمعبّر عن حقيقتها وكينونتها". فالمجتمع يحارب المرأة بشكل خاص، إضافة إلى أنه يرفض الافكار غير المألوفة بشكل عام. 
لكن ذلك لم يمنع صوت الأنا للمرأة من التنامي، فمنذ نهاية الأربعينيات بدأت ممهداته في المنطقة العربية بالظهور.
 
الكتابة تحت اسم مستعار
لم يتقبل المجتمع العربي ولا حتى الغربي فكرة أن تكتب المرأة، وهو ما بدا واضحاً من خلال اختيار بعض الكاتبات الشهيرات في ذلك الوقت لأسماء مستعارة، تفادياً للأحكام المسبقة على نتاجهن الأدبي، الأختين برونتي (تشارلوت وإيميلي) كتبتا تحت اسم "إليس بيل"، مي زيادة كتب تحت اسم خالد رأفت، الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانس والتي عاصرت مي زيادة ادرجت كتاباتها تحت اسم جورج إليوت جميعهن كان لديهن تخوف من عدم أخذ كتاباتهن على محمل الجد لأنهن نساء، مع ذلك اعتبرت ماري آن إيفانس أهم روائية في العصر الفيكتوري، أما جاين أوستن صاحبة الرواية الشهيرة "كبرياء وتحامل" فنشرت روايتها الأولى تحت اسم "من قبل سيدة" قبل أن تكشف هويتها الحقيقية بعد ذلك، كذلك لجأت الكاتبة الفرنسية أمانتين أورو لوسيل دوبين إلى توقيع مؤلفاتها باسم جورج ساند. 
مي زيادة عانت من تهميش شخصيتها الأدبية، حتى أن أبرز المثقفين في ذلك الوقت أمثال طه حسين وعباس العقاد ومصطفى الرافعي وغيرهم أعجبوا بها لأنها امرأة مثقفة وليس لأنها كاتبة باعتبارها منافسة لهم، ففي إحدى المرات حينما سأل عباس العقاد عن أدب مي زيادة تجنب الحديث عن كونها كاتبة ومثقفة واكتفى بوصفها بالأنوثة وجمال الروح.
فالمرأة عملت على تغيير وسيلة حديثها بحملها للقلم، لتكتب عن ذاتها، وتطلق شرارة ثورة المطالب الحقوقية عبر الأدب. فدافعت عن قضايا بنات جنسها بعد رؤيتها أن قلم الأديب فيه ظلم للمرأة. 
كتابات أدبية مرتبطة بحرية المرأة
خصّت المرأة عبر كتاباتها الأدبية بطرح قضية المرأة والدفاع عنها وعن حقوقها، فهو أدب مرتبط بحركة نصرة وحرية المرأة وصراعها التاريخي الطويل لمساواتها مع الرجل، فعندما تمسك القلم، أول شيء يمكن أن يتبادر إلى ذهنها ويتراوح في كتاباتها هو معاناتها المجردة، محاولة شق طريقها نحو الحرية، فالباحثة الجزائرية جميلة زنير تجرأت على كسر الأعراف القبلية التقليدية والعمل على نشر اسمها عبر الإذاعة في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات عندها قالت "إن القمع ينطلق من الأسرة إلى المجتمع القبلي الذي يمارس أقسى وأشد أنواعه". إضافة إلى رغبة الكاتبة المغربية لطيفة لبصير بالتحرر من قيود المجتمع والانطلاق خارج البيت عبر كتاباتها كما في قصة "مسافة"، تحكمها رؤية الأنا المتلفظة الراغبة في التخلص من السلطة الاجتماعية وكسر الأعراف والتقاليد القبلية. 
والشاعرة الجزائرية زينب الأعوج اتخذت موقفاً تدعو فيه إلى الاستفزاز من المجتمع وتصفه بالمتخلف والمريض حين تتعلق القضية بالمرأة والأدب قائلة "مجتمع مثقل بالتقاليد البالية بإرث طويل من الظلم والفكر الإقطاعي... إنه مجتمع يمشي على كثير من جثث النساء البريئات".
طرحت الأديبات في الشرق الأوسط وفي أوروبا مواضيع مختلفة تشغل بال المجتمع كالحب والانتقام والحقوق والحرية، آثرت الكاتبات على اختلاف مشاربهن الانحياز لقضايا المرأة، مثل الكاتبة الأمريكية توني موريسون التي طرحت قضايا النساء الأفريقيات في أمريكا إلى جانب قضايا السود بشكل عام في مجتمع البيض.
رواية "مظالم النساء" التي صدرت عام 1792، للكاتبة البريطانية ماري وولستونكرافت يعد العمل الأكثر نسوية لها، حيث أنه تضمن قضايا عديدة منها الزواج بالإكراه والقمع الجنسي والطبقية.   
الكاتبة الكندية مارغريت أوتوود في روايتها "قصة خادمة" التي نشرت عام 1985 وضعت القارئ وجه لوجه مع المستقبل المظلم حيث صورت معاناة النساء في الولايات المتحدة الأمريكية في حال سيطرت أحزاب دينية متشددة على البلاد.
وكذلك تضمنت كتابات النسوية والفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار مثل "مذكرات فتاة رصينة" صراع الفرد من أجل تحصيل حريته الشخصية وخاصة بالنسبة للمرأة من خلال تصوير تجربتها الشخصية.
شكلت بداية السبعينيات من القرن الماضي نقلة نوعية في السرد الأدبي النسوي كما وصفها النقاد، ثم بدأ العدد يزداد مما مهد الطريق لظهور جيل الثمانينات، ومن رائداته الكاتبة اللبنانية وداد سكاكيني والتي كتبت القصة القصيرة، والرواية والمقالة، لكنها أولت اهتماماً كبيراً بأدب المرأة، تعد من الرائدات في مجال الرواية النسوية السورية (بعد اقامتها الطويلة في سوريا) من خلال رواية "أروى بنت الخطوب". 
وكذلك استطاعت الكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكي في مؤلفها "أنا أحيا"، وكتاباتها الأدبية الأخرى أن تعطي للمرأة صوتاً في الرواية العربية.
 
قضايا... بقلم المرأة
لا شك في أن كتابات النساء شملت آلام النساء وآمالهن، حتى أن البعض ذهب لاقتراح ما يعرف بالأدب النسوي الذي ظهر لأول مرة في سبعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا والذي أثار جدلاً كبيراً حتى بين الكاتبات أنفسهن، حيث لا تعتبر الكاتبات أن كل ما تكتبه المرأة نسوياً إلا إذا ناقش قضايا المرأة بشكل أساسي، ومن هؤلاء الكاتبتين غادة السمان، أحلام مستغانمي وغيرهن.  
واستطاعت المرأة أن تكوّن لها رؤية في الفنون الأدبية، وتُنشأ لطموحاتها مدرسة تُعنى بقضاياها وتتفاعل مع تجديد الفكرة والصورة المستوحاة من البيئة والتراث والهوية، وهذا ما عرضته الكاتبة سحر خليفة صاحبة رواية "امرأة غير واقعية" ضمن كتاباتها الأدبية في ثنائية المرأة والوطن، وحاولت أن تشكل في روايتها ثقافة نسوية تحررية في نموذج المرأة الجديدة المتمردة على الواقع.
طرحت الكاتبات قضايا المرأة المعاصرة كزواج القاصرات وحرمان الفتاة من التعليم وقضايا أخرى، فالكاتبة عائشة عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ واجهت ظروف العالم القهرية التي تقابل المرأة، وبرزت كتاباتها الفكرية والنقدية في عدة مؤلفات لها منها "أعداء البشر"، و"تراجم سيدات"، إضافة إلى نقد بعض الكاتبات والروائيات للأوضاع السائدة المحيطة بالمرأة منهن الكاتبة الكويتية بثينة العيسى والفلسطينية عدنية شلبي والجزائرية آسيا جبار والسعودية رجاء الصانع. 
أما الكاتبة والحقوقية والناشطة النسوية المصرية نوال السعداوي التي حملت هموم النساء دافعت عن الفتيات اللواتي يتعرضن للختان في مختلف مؤلفاتها انطلاقاً من معاناتها هي. 
وعملت الكاتبة سفيتلانا أليكسييفيتش على رصد تجارب النساء الثوريات واللواتي شاركن في الحروب والعمل وحرصت على إظهار صوتهن الذي لم يكن مسموعاً من قبل، كما فعلت الكاتبة الكردية روناك مراد من خلال تصوير حياة المقاتلات في جبال كردستان.   
فالمرأة عملت على تغيير وسيلة حديثها بحملها للقلم، لتكتب عن ذاتها، وليتحول صراع الذهنيات لكلا الجنسين إلى أسلوب أدبي فكري لغوي، كما وجدت أن الأدب هو الوعاء الأكثر استيعاباً لمتطلباتها، فدافعت عن قضايا بنات جنسها بعد رؤيتها أن قلم الأديب فيه ظلم للمرأة، حيث أن وعي الكاتبات زاد من أهمية مناقشة قضايا المرأة ومطالبها كون الأدب المكتوب بأقلام الرجال يعالج قضايا المرأة من وجهة نظر ذكورية.  
الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق طرحت في كتاباتها الأدبية المشكلات التي تعاني منها المرأة في المجتمع، والتهميش الذي يعيق حركة تقدمها، وفرقت بين كتابات المرأة التي تكتب من أجل السلام والمحبة وتغيير العالم نحو الأفضل، وكتابات الرجال الذين يكتبون من أجل قلب أنظمة وتصفية حسابات.
 
حضور ذاتي يمتاز بالنوعية
امتازت الكتابات النسائية بالتنوع، بحيث لم تتوقف عندها كفكرة ورمز وصورة، بل انتقلت من تلك الأطر العامة ليصبح لها حضور ذاتي مشرف في الأدب يمتاز بالنوعية، وسجل تاريخ الثقافة الأدبية صفحات من ابداعات المرأة.
رائدة الشعر الحديث الشاعرة العراقية نازك الملائكة الذي كشف كتابها "قضايا الشعر المعاصر" بأنها أوّل من نظّمت قصيدة الشعر الحر أو ما يعرف بشعر التفعيلة في قصيدتها "الكوليرا". حيث ربطت ثقافة الأدب بالتراث والوطن والإنسان.
ورأت الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار أنه خلال القرن السابع عشر توسعت الحياة الاجتماعية، وازداد دور المرأة في الحلقات الأدبية، رغم أن تعليم الفتيات لم يكن منظماً إلا أنهن يحصلن على الثقافة، كما ونُشر لها كتاب ثوري عام 1949 حمل عنوان الجنس الآخر وتناولت فيه قضية قمع وتحرير النساء، الذي يعتبر من أهم أعمالها الأدبية.
كما صنفت مواقع القراءة رواية "الكبرياء والتحامل" للكاتبة جاين أوستن كأفضل الكتب على الإطلاق، التي برعت في تسيير الأحداث وإدخال شخصيات جديدة تضفي تنوعاً للرواية. 
 
أدب المرأة... تنوع المواضيع 
لم تقتصر أعمال الأديبات على طرح قضايا المرأة، بل إنها تنوعت بشكل كبير فهناك الكثير من أعمال صورت أزمات عديدة مرت بها البشرية ومنها تفشي الأوبئة بدءاً من بدايات تشكل المرض وظهور الأعراض وحتى بلوغها الذروة الخطرة، وباتت كتباً إرشادية وذات منهل توعوي، توضح كيفية التعامل مع تلك الأمراض التي أخافت البشرية حينها.
ففي عام 1918، اجتاح البشرية وباء الأنفلونزا الإسبانية وتسبب بمقتل أكثر من خمسين مليون إنسان، عدا عشرة ملايين آخرين خلال الحرب العالمية الأولى، وصفت الكاتبة الأمريكية كاثرين آن بورتر ما آلت إليه البلاد والخراب الذي خلفه الوباء في سياق روايتها "حصان شاحب، فارس شاحب" التي صدرت عام 1939.  
وصورت الكاتبة مارغريت آتوود في روايتها "عام الطوفان" التي صدرت عام 2009، عالماً دمره وباء فيروسي خطير، وبينت في روايتها الشعور بالعزلة الذي يساور بعض الناجين من الأوبئة، وشرحت كيف دمر الوباء التوازن بين عالم البشر وعالم الطبيعة جراء أنشطة الهندسة الحيوية التي ترعاها الشركات والمؤسسات ذات النفوذ والسلطة. 
وفي عام 2014، أصدرت الكاتبة الكندية إيميلي سانت جون مانديل رواية "المحطة الحادية عشرة" التي تدور أحداثها قبل تفشي وباء الأنفلونزا في شتى أنحاء العالم، وكيفية إعادة بناء العالم بعد أن يجتاحه أحد الأوبئة القاتلة. 
وكانت الحروب أحد المواضيع التي شغلت بال العديد من الكاتبات وما لها من تأثيرات مدمرة على حياة الأفراد والنساء، كما في رواية ممرات السكون للكاتبة العراقية إقبال القزويني الصادرة عام 2006، وتبحث في آثار الحرب والدمار الذي عانى منه الشعب العراقي منذ ثورة 1958 حتى الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003. 
وكتبت الأمريكية مارغريت ميتشل رواية "ذهب مع الريح"، التي تصنف ضمن القصص الرومانسية التاريخية، وتتحدث عن الحرب الأمريكية بين السود والبيض نتيجة لنظام العبودية المتبع في ذلك الوقت. 
وعن الشتات الإفريقي كتبت النيجيرية تشيماماندا نغوزي أديتشي رواية بعنوان "أمريكانا". كما اختارت الكاتبة المصرية عنايات الزيات الثورة كموضوع لروايتها "الحب والصمت" ومثلت ثورة على الذهنية الذكورية.