"الكردية"... تراث تقليدي تحافظ عليه النساء في ليبيا
ترك الحرفيون الكرد في ليبيا بصمتهم المميزة على أحد قطع الزي النسائي الليبي التقليدي التي تتصف بإتقان صناعتها وجمال تصميمها، وأطلق عليها اسم "الكردية" نسبة إليهم.
ابتسام اغفير
بنغازي ـ أبدعت الليبيات في صناعة الزي التقليدي النسائي والمحافظة عليه مثل "الكردية" التي أضفن عليها بعض الجماليات لتواكب التطور والحداثة.
ترتدي النساء في ليبيا الزي التقليدي المكون من السورية والرداء والسروال والكردية مع قطع الحلي المصنوعة من الذهب أو الفضة، وأكثر ما يميزه "الكردية"، حيث قالت هبة هلوم تخصص تاريخ وتحضر لرسالة الماجستير التي ستتناول فيها الزي التقليدي الليبي للرجال والنساء "تعد الكردية أو الفرملة النسائية من القطع المهمة في الزي النسائي الليبي، وأهميتها ظهرت بعد أن فرض تقديمها إلى جانب مهر العروس، وذكر في عقود الزواج، وارتدائها في الأفراح والمناسبات"، مضيفةً أنه "يتم ارتداء الكردية بطريقتين مختلفتين، فكانت تلبس تحت (الرداء)، في المنطقة الغربية، أما المنطقة الشرقية فيتم ارتدائها فوق (الرداء)".
وحول تسميتها قالت "في المنطقة الشرقية سميت الكردية نسبة للكرد الذين نفتهم الدولة العثمانية إلى ليبيا منتصف القرن السابع عشر، وللشبه الكبير مع لباس الفرملة الكردية ذات الطابع القديم، أما في المنطقة الغربية فيطلق عليها الفرملة النسواني، للشبه بينها وبين الفرملة التي يرتديها الرجال".
وأضافت "الكردية سترة دون أكمام، تغطي الصدر والظهر وتنسدل إلى ما تحت البطن، تزين بعشر أزرار على كلا جانب يوجد خمسة، وكانت هذه الازرار في البداية تصنع من اللؤلؤ والمرجان ثم صنعت من الفضة، أم في الوقت الحالي ونتيجة للظروف الاقتصادية أصبحت تصنع من معدن رخيص الثمن، وقد اختلف مكان الأزرار ما بين المنطقة الشرقية والغربية التي يتم وضعها أعلى الصدر وقريبة من بعضها كونه يتم ارتدائها تحت "الرداء"، والعكس في المنطقة الشرقية".
وحول مظهرها الخارجي قالت هبة هلوم "للفرملة أو الكردية زخارف عدة لكل منها زخرفة القمرات والشحاطة والمنزلة، وزخرفة السلاتي، وللكردية نوعين الأول كان منتشر بكثرة في الفترة القديمة، فكانت عبارة عن قماش من المخمل أو كما يطلق عليه هنا "الكاتفة"، مزخرفة بالفضة، وكانت هناك الألوان الوردي والأصفر والأزرق، فيما بعد اقتصرت الألوان على لونيين هما الأزرق والأحمر فقط، وتبطن من الداخل بقماش من الحرير، وتُلبس عادة ما يعرف في ليبيا "بالبدلة الصغيرة"، والتي يكون عادة حرير وليس "مطعم" بالفضة".
ولفتت إلى أن الكردية من القطع الجميلة الفنية التي تستطيع أن ترتديها المرأة الليبية مع أي قطعة لباس أخرة ليس من الضرورة أن تكون مع "الرداء" فقط، وعلى الرغم من أنها أُهملت ذات فترة، إلا أنه عاد الاهتمام بها من جديد، وتم استعمال خامات بسيطة في صنعها تستطيع أي امرأة شرائها.
من جانبها قالت المتخصصة في الموروث الشعبي الليبي بمختلف أشكاله سليمة العبيدي "الكردية إحدى القطع التي يتم ارتدائها مع الزي الليبي النسائي ومع البدلة الكبيرة، وقد كانت تصنع من "الكتيفة" بعدة ألوان ولكن أكثرها شيوعاً اللونين الأحمر الغامق والأزرق، ويتم زخرفتها بتشكيلات معينة بخيوط الفضة الحرة، وعليها أزرار متوازية من كلا الجانبين مصنوعة أيضاً من الفضة".
وأكدت على أن "امتزاج الثقافات يخلق نوع من الإبداع في كل قطعة يتم العمل عليها خاصة التراثية، فأصحبت الكردية بعد ذلك جزء مهم من الزي الليبي النسائي التقليدي، لا يمكن الاستغناء عنه".
وأوضحت أن "تقديم الكردية للعروس من أبرز الشروط إلى جانب المهر، ترتديها العروس في اليوم السابع بعد العرس والمسمى في ليبيا "الأسبوع"، ومع تطور الحياة وتغير شكل الرداء الليبي تغيرت الكردية أيضاً من "الكتيفة الحمراء أو الزرقاء" وأصبحت تصنع من اللون الفضي متداخل معه بعض الألوان مثل الأحمر، وتطورت مرة أخرى فأصبحت باللون الفضي الخالص ومطعمة بالفضة وتباع بالوزن".
وعن تغيير اسمها من الكردية إلى الفرملة النسائية قالت سليمة العبيدي إن "الفرملة يرتديها الرجل وهذا شيء متعارف عليه في تراثنا الليبي، أما الكردية فترتديها المرأة بعد الزواج، وأن الاهتمام بالزي التقليدي بدأ نوعاً ما يتلاشى خاصة في مناسباتنا فقد كان فيما مضى من ضمن شروط مهر العروس هي إحضار ثلاث بدل لها والمتكونة من "الرداء والكردية، والسورية والسروال"، ترديها في الأسبوع التذي يلي يوم الزفاف".
ودعت إلى ضرورة المحافظة على التراث الليبي الذي يعد الزي التقليدي النسائي أحد أبرز جوانبه، وشجعت على تطوير تصميم الرداء الليبي، مؤكدةً على أهمية المحافظة عليه، وخاصة الكردية التي هي جزء لا يتجزأ من اللباس النسائي قديماً وحديثاً.
ويعد مشغل بوحجر لصناعات الزي النسائي التقليدي الليبي في مدينة بنغازي أقدم المشاغل لصناعة الكردية، تديره النساء بعد أن كان رجال من تونس أو طرابلس يخيطونها، حيث قالت سعاد العبدلي إن "الليبيات هن من تقمن بتصميم وخياطة وابتكار زخارف جديدة للكردية وأن الرجال لم يعملوا أبداً عليها خاصة هنا في بنغازي، وخاصة بمشغل بوحجر تحديداً الذي بدأ عمله هذا في مطلع الثمانينات واستعان بخبرات نسائية للتصميم وللخياطة وجميع ما يتعلق بها".
وعن مراحل خياطة الكردية قالت إنه "في المرحلة الأولى لخياطة البدلة الصغيرة يتم تركيب السير ثم تركيب باقي قطع الكردية وتكون ذات نقوش ناعمة، ويبدأ الرسم على الكردية المخصصة للبدلة الكبيرة ورسم النقوش عليها ثم تطريزها، وقد طورت النساء من تصميم الكردية ولكن لم تخرجن عن نقوش التراث المعروفة، والكفاءات النسائية الليبية هي التي تبدع في صناعة الزي الليبي كونها أكثر معرفة به".