الأدب النسائي لا يقف عند معالجة قضايا المرأة
تتناول الكاتبة هيام الفرشيشي قضايا نسوية في كتابتها وتعتمد على شخصيات نسوية، تتحدثن عن المعاناة والأزمات التي تعيشها المرأة وأيضاً إنجازاتها وإبداعها.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ تؤمن الكاتبة هيام الفرشيشي بأن الكتابة ضرورية لمناهضة الأفكار الرجعية والتصحر الثقافي وبأن النقد الأدبي مقياس للتطور الفكري، معتبرةً أن العقلية الأبوية لازالت حائلاً دون تطور المرأة في العديد من المجالات لاسيما منها الوسط الأدبي.
خلال حوار مع وكالتنا أوضحت الكاتبة والناقدة هيام الفرشيشي أن هناك صورة مختلفة عن المرأة في الأدب، وإن الكتابة النسائية لا تكتفي فقط بعرض قضايا المرأة وما تعيشه من ظروف وإنما تبحث في الأدب النسائي عن الإشراقات الروحية وتلك الومضات الذاتية التي تعبر عن توقعها للأبداع والخروج من ذلك الواقع.
عاشت تونس مؤخراً على وقع مسابقة البطولة الوطنية للمطالعة فما هو تقييمك لهذه الظاهرة الثقافية؟
اعتبر حدث البطولة الوطنية للمطالعة مهما جداً فهي تمتد على شهور العام بحيث يقع تقسيم المشتركين أو المتسابقين إلى فئات عمرية معينة وكل فئة تقوم بمطالعة عدد من الكتب في الشهر ويقوم المتسابقون بقراءة تلك الكتب وبفهمها حتى يكونوا في الاختبارات الشفوية والكتابية مطلعين بالشكل الكافي على الشخصيات والأحداث والجوانب التي تبدو هامشية.
ولاحظنا إقبال الأطفال على المسابقة وإقبال الأبوين أيضاً حيث قررت بعض الأمهات المرافقات لأبنائهن المشاركة في هذه المسابقات، لأنها بالنسبة لهن مغامرة جديدة وتجربة جديدة للاطلاع على عالم الأدب ومعرفة أسماء الأدباء والتوجه نحو كاتب معين لأن ذلك الكاتب ربما أرضى خيال تلك المرأة أو ذلك الشخص الذي تقدم إلى المسابقة، ثم أن المسابقات الجهوية تصبح مسابقة وطنية ويأتي كل هؤلاء من مختلف البلدان إلى ملعب رادس، باعتبار إن الأدب أو المطالعة بقيت نخبوية، وعندما نتحدث عنها فإننا نتحدث عن طاولات مهجورة أو عن بعض الأطفال يتصفحون بعض الكتب وربما خيالهم في اللعب أو في أشياء أخرى في الحقيقة هناك تصحيح وتعديل وتوجيه للأطفال والشباب والكهول إلى المطالعة لتكون تلك الجاذبية وتلك المتعة التي تجعلهم يتسابقون على المستوى الجهوي ثم على المستوى الوطني فنحن حقيقة نحتاج إلى مثل هذه المبادرات القيمة لأنها تساهم في بناء الوعي وبناء الشخصية.
لاحظنا عزوفاً من الناشئة عن المطالعة فكيف يمكن إعادتهم إلى الكتاب حسب رأيك؟
في السابق كانت المطالعة نابعة من ذواتنا وكانت المؤسسات التربوية تلعب دوراً كبيراً في عملية الترغيب فيها من خلال تخصيص حصة لها حيث يقوم التلميذ بتلخيص ذلك العمل، وباستخراج العبارات الجذابة والبحث في القواميس لشرح معاني بعض الكلمات وبالتالي يكون الدافع إلى المطالعة، هو اكتشاف العديد من الاحداث، خاصة وإن الطفل في البداية ينشأ على قراءة الأدب الخيالي فتمثل له المطالعة ذلك العالم الذي يحقق فيه جوانب الحلم وجوانب الخيال وكذلك تنمي فيه الجانب الخيالي فيعيش بعض القصص خارج تلك الكتب.
فقد أصبحت المطالعة بحاجة إلى البحث عن تحفيزات وصيغ جديدة تجعل الطفل مقبلاً عليها، ولاسيما ونحن نعيش عصراً مختلفاً يقبل فيه الاطفال على كل ما هو إلكتروني "الهواتف والإنترنيت والفيسبوك" وبالتالي وجب علينا أن نقدم مضمون تلك الكتب في قالب آخر جذاب من خلال القصص المصورة "الرسم"، أو ترك الطفل هو الذي يوجه أحداث تلك القصة بطريقته، ومن المؤكد أن كل هذه الطروحات سوف تمكن الطفل من تنمية إقباله على المطالعة وفي نفس الوقت تنمية الخيال ويصبح قادراً على اكتساب معجم لغوي ثري ويكتسب فطرة التفكير المنطقي لأنه سيدخل في مرحلة البحث عن أسباب الإحداث ونتائجها وبالتالي ينخرط في العملية الإبداعية.
كل كاتب أو ناقد هو قارئ جيد لما كتب غيره فماذا عنك وعن تجربتك مع القراءة؟
انطلقت تجربة المطالعة بالنسبة لي في البداية مع رموز الأدب العربي وخاصة مع رموز الأدب المصري قبل الأدب التونسي واهتممت بالأدب التونسي من خلال الإعلام الثقافي ثم توجهت نحو دراسة اللغات حيث درست الألمانية في تونس ثم درست الإنجليزية في اسكتلندا ودرست هناك المادة الإبداعية، لأنها لا تُدرس ببلادنا وكذلك اتجاهات النقد الأدبي والنقد الثقافي بمعنى أن هذه اللغات مكنتني من الاطلاع على الأدب الغربي حيث لاحظت أن هذا الأدب يعالج الداخل الإنساني ويراعي البعد الذاتي والبعد الذهني في الشخصيات أكثر من النصوص العربية التي أراها تركز خاصة على الجانب الخارجي أكثر من احتمالات الفكر والذات.
وتوجهت إلى الأدب التونسي والشعر التونسي وكان الانفتاح على كل الوسائل الإعلامية والثقافية المتخصصة في النقد وحالياً لدي ركن بجريدة الشارع المغاربي يهتم بالإصدارات الأدبية الحديثة وخاصة التركيز على الأدب التونسي لأنه عاش العديد من التطورات على مستوى الشكل وعلى مستوى المضامين دون أن يفقد ملامح هويته الثقافية وتجذره في واقعه الاجتماعي.
وخلال عامي 2015 -2016 احتجبت العديد من الملاحق الثقافية التونسية التي كانت مكاناً للأفكار والأبداع والنقد فشعرت بفراغ مطلق وفكرت في أن أنقل الفضاء الإعلامي إلى الفضاء الثقافي وفكرت في تأسيس نادي للأدب والنقد في نفس الوقت بمحافظة بن عروس باعتبار أنها تخلو من النوادي الأدبية والثقافية ونجح في استقطاب المبدعين باختلاف توجهاتهم الفكرية.
الجوائز الأدبية في تونس تلاحقها الكثير من الاتهامات خاصة اسنادها عن طريق المحاباة، فما هو رأيك؟
الإعلان عن كل جائزة في تونس يعقبه ضغط ونقد شديد حول حيثيات إسناد الجوائز لأنها تخضع إلى لوبيات معينة وأحياناً تعتمد على بعض الجوانب الأيديولوجية، التي تطرحها الأعمال لتكون نحو وجهة معينة فكنت من الذين نقدوا هاته الجوائز لأنها لا تذهب إلى مستحقيها، وإنما هناك بعض الاعتبارات التي ذكرتها وكذلك بعض الاعتبارات الأخرى وحين كُلّفتُ بأن أكون عضواً في البداية في لجنة إسناد جائزة علي البلهوان وهي جائزة بلدية تونس فقد التزمت منذ البداية، وأوصيت كل أعضاء اللجنة إن نكون منضبطين إلى الشروط والتقنيات التي اعتمدناها، في دراسة الكتب المتقدمة للجائزة ثم تضاعفت هذه المسؤولية حين عُينتُ رئيسة لجنة تحكيم لأنها جائزة مهمة احتجبت قرابة العشرين عام وبالتالي في عودتها لابد أن تحافظ على قيمتها الأدبية وأن تذهب لمن يستحقها.
هناك من يعتبر أن للأدب النسائي خصوصياته فكيف تتعاملين معه كناقدة؟
تعاملي مع أي نص إبداعي هو تعامل بدرجة أولى مع الهو ومع الأسلوب ومع طريقة العرض والتقديم ثم القضايا الفكرية والاجتماعية المهمة التي يطرحها ذلك العمل ثم الانساق الثقافية المهيمنة على ذلك العمل الإبداعي إذا عندما أتناول أي كتاب سواء كان خاصاً بالمرأة أو الرجل فإنني أحاول إن أحلل ذلك العمل انطلاقاً من نمط الكتابة، ويجب أن أكون متفطنة بداية إلى هذه الجوانب وفي الأعمال الأدبية التي كتبتها نساء هناك تناول لقضايا نسوية خاصة عندما تكون شخصيات هذه الأعمال كلها شخصيات نسائية وكل تلك الشخصيات تتحدث عن معاناة في فضاءات مختلفة إذاً الازمات التي تعيشها المرأة في تلك الفضاءات مهما كان مستواها فهي تعكس الجانب النسوي في النص، إلا إن الكتابة النسائية لا تكتفي فقط بعرض قضايا المرأة وما تعيشه من ظروف بالعكس نحن نبحث في الأدب النسائي عن الاشراقات الروحية عن تلك الومضات الذاتية التي تعبر عن توقها للأبداع والخروج من ذلك الواقع وبالتالي هناك رؤية معينة من خلال ذلك العمل لكي يكون هو الهدف وهدف ابداعي وفكري يعني هي لا تعكس ما تعيشه المرأة وما تتعرض له ولكن باعتبارها هي الكاتبة والمؤلفة وهي امرأة وبصدد خلق عمل فني تحاول أن تبرز قيمة الفن، لأنه يرتقي بنا إلى مسار الروحانية والجمال والفكر وبالتالي يعكس لنا صورة مختلفة عن المرأة من خلال ذلك الأبداع من خلال لغتها، من خلال عرضها لعمل مختلف حتى من حيث الشكل وبذلك نلاحظ تفوق الكثير من الكاتبات النسويات في المجال الأدبي والإبداعي وحصولهن على العديد من التكريميات والجوائز لان تلك التجربة افرزت الأبداع.
ماهي مشاريعك المستقبلية وماهي مقترحاتك لتحفيز النساء على الأقبال على الكتابة وتذليل الصعوبات التي تواجههن لاسيما منها العقلية الأبوية؟
في الأنشطة الثقافية التي اشرف عليها حالياً والتي سأشرف عليها مستقبلاً عملت على أن يكون الحضور النسائي قوياً وكبيراً كما حرصت على الاهتمام بالإبداع النسائي، لا من منطلق النسوية بل من منطلق ما ينطوي عليه النص النسائي، من شروط الأبداع كما أنني ساعدت العديد من المبدعات على النشر في الصحف والمجلات لأني أدرك أن القضاء على الممارسات الأبوية أو توجيه إبداع المرأة يتم من خلال فتح الطرق الآمنة للإبداع النسائي فهو لا يقل قيمة وتميزاً، كما عملنا على تكريم المرأة وتحفيزها في مناسبات عديدة منها اليوم العالمي للمرأة وما قمت به يدخل في باب الدعم والتشجيع والهدف من ذلك أن تتصالح المرأة مع إبداعها بعيداً عن الشروط والمنغصات.