كبيرة شاطر: رغم الزخم النضالي الواقع الحزبي يحجم القدرة النسائية (1)

تعتبر السياسية المغربية كبيرة شاطر أن هناك فكر ذكوري أجبر المرأة على المكوث خارج المنظومة الحزبية، بل أعاق عطاءها السياسي بمقولات موروثة.

حنان حارت

المغرب ـ أكدت السياسية المغربية كبيرة شاطر على أن تواجد النساء داخل الأحزاب السياسية لازم نشأتها، لكن السيرورة الوجودية للواقع المجتمعي عرقل ارتقاء النساء في السلم الحزبي.

للتحدث حول الأيديولوجيات القومية التي كانت تظهر التقدمية واليسارية، بينما تبطن العنف الثقافي الصارخ  ضد المرأة، كان لوكالتنا حوار مع السياسية المغربية كبيرة شاطر.

 

برأيك لماذا لم تتسلم النساء بعد إدارة الأحزاب في المغرب؟

إن تواجد النساء داخل الأحزاب السياسية لازم نشأتها لكون المرأة هي نصف المجتمع، ومع كمون الشروط  الموضوعية والذاتية في السيرورة الوجودية للواقع المجتمعي تعرقل ارتقاء النساء في السلم الحزبي.

وتتوزع العوامل من مجتمع إلى آخر؛ ففي المغرب تفاعلت النساء مع حركة المقاومة فأمددن المقاومين بكل متطلبات المرحلة، بحيث نقلن الأسلحة ونظمن التواصل بين مختلف الأطراف وتطلعن إلى غد أفضل في سنوات الأربعينات وسجلن مطالبهن التي لازال العديد منها قيد الطرح. كما لعب تنظيم الاتحاد التقدمي لنساء المغرب في نقابة عمالية دوراً مهماً، حيث ركزن آنذاك في مطالبهن على التعليم والصحة الإنجابية ونددن بتعدد الزوجات وأدبياتهن تثبت هذا.

إلا أننا نلاحظ نقصاً هائلاً للنساء في الهياكل التنظيمية لهذه الأحزاب، ويتجلى ذلك في قيادة المكاتب المحلية أو التواجد في المجالس الوطنية والمكاتب السياسية؛ الشيء الذي امتد حتى للأحزاب الإدارية أو الإدارات الحكومية، ورغم ارتفاع عدد اللواتي حصلت على الانتماء البطائقي فإنهن بقين مجرد أرقام يلجأ إليها عند الحاجة، أما تواجد نسبة لا تتجاوز الـ 20% فهي مسألة تتعلق بشروط قانون الأحزاب السياسية الصادر أخيراً لإلزامها بتمثيلية نسائية دنيا.

وأنا أعتبرها خطوة أساسية لكسر الجليد وتحفيزهن على انخراط أوسع، متأثرة بشكل ما بمعطيات المحيط، مما يجعلني أنتقد وبشدة العقلية المعششة فيما يصطلح على تسميته بـ "التامغربيت"؛ هذا المصطلح الذي طمس ريادة النساء في جبال الأطلس والريف والسهول، حيث كانت النساء تواجهن الغزاة والاستبداد والظلم.

ومع الزخم النضالي النسائي يفرض علينا الواقع الحزبي تحجيماً للقدرة النسائية، بل هناك فكر ذكوري يجبر النساء على المكوث خارج المنظومة الحزبية، وأعاق عطاءها السياسي، أي أن الأمر أعقد من اهتمام المرأة بالعالم السياسي، ومع ترسخ الدور الانتخابي للأحزاب منذ عام 1962، أصبحت النساء مجرد ورقة انتخابية.

ومما زاد الطينة بلة هو سواد الأمية بينهن الشيء الذي أراح الحكومات المتتالية على البلاد، إلا أن تطور  المجتمع المدني وحقوق الإنسان دفع بجيل السبعينات إلى اقتحام هذه الأسوار العالية واختراق أسرارها مع آلية الكوتا التي انتشرت في الآونة الأخيرة لدى كل الشعوب لدعم القدرات النسائية.

وفي الانتخابات التشريعية بالمغرب الأخيرة دخلت المرأة إلى المجالس الترابية الجماعية والمحلية والإقليمية والجهوية والبرلمان بغرفتيه، إن تشجيع النساء على الترشح للانتخابات جاء استجابة للمطالب المشروعة  للجمعيات الحقوقية والتنظيمات السياسية النسائية.

ويبقى السؤال معلقاً حول موضوع تحمل المسؤولية التنظيمية سياسياً لنساء عديدات في هذه الأحزاب حتى التي تشكلت مؤخراً، رغم أنهن ساهمن بأصوات انتخابية بعد التوجه بهن في الشاحنات للتصويت في البوادي والقرى، هذا الزخم التصويتي النسائي هو مجرد أرقام تلبي حاجيات قانون الأحزاب، والذي يشترط نسبة كوتا 20% من النساء في المكاتب السياسية واللجان الإدارية أو المجالس الوطنية حسب تسميات وهياكل كل حزب والقانون الأساسي.

ومن هنا برز التهافت على الانتماء النسائي والعمل على استقطابهن إلى الحزب وليس إلى الفعل السياسي الناجع والمنتج، ويمكن القول إن الإقبال على الاستقطاب السياسي للنساء لم ينعكس إيجاباً على أوضاعهن في المجتمع، وسيتضح هذا في مجالات الحياة المختلفة منها السياسية والاجتماعية والثقافية خاصة.

 

ما الأسباب الكامنة وراء عدم قيادة النساء في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأحزاب السياسية؟

إن رفض القيادة النسائية للأحزاب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط انغرس من مراحل تاريخية تشكلت عبرها ذهنية الرجل ومن ثم سادت الآفات المناهضة لأخذها القيادة، واللافت للأنظار في الثقافة الشفوية هو انتشار  أمثلة تبطن العنف الثقافي ضد المرأة رغم أنها ساهمت في تطوير اقتصاد وأعمال هذه المنطقة؛ فمصر كانت رائدة في بداياتها مع هدى الشعراوي وبعدها نوال السعداوي وغيرهن كثيرات.

ومع نشاط الأدب النسائي والعمل على تحرير المجتمع من الاستعمار وتفشي حركة الإسلام السياسي التي حالت  دون تحقيق الأهداف المرجوة من الحركة النسائية سواء في سوريا ولبنان والعراق، فالأيديولوجيات القومية كانت تظهر التقدمية واليسارية بينما تبطن العنف الثقافي الصارخ ضد المرأة، هذه التوجهات لم تستطع الفطام عن أدب (العنعنة) مما حافظ على حبال السرة مع الماضي المتوارث.

خلال الامتداد النضالي النسائي في المغرب، ظهرت المهندسات والأستاذات والطالبات متل فاطمة البيه وتوريا التناني وسعيدة المنبهي وغيرهن ممن وجدن أنفسهن في المعتقلات السرية منهن من اغتيلت بعد قيامها بإضراب عن الطعام دام لأسابيع لتبقى وصمة عار على جبين الجلاد.

إنها مرحلة التعذيب الجماعي للمغاربة رجالاً ونساءً إنها سنوات الجمر والرصاص، فما سجلته أمهات المختطفين والمعتقلين السياسيين في المغرب إبان الاستماع إلى ضحايا العنف والتعذيب خلال جلسات الاستماع في هيئة الإنصاف والمصالحة أثبتت شهاداتهن دورهن في تطوير العمل السياسي داخل المجتمع المغربي.

ويبقى تأسيس الأحزاب من اختصاص الرجال ماعدا حزب الخضر الذي تترأسه الأستاذة فاطمة العلوي منذ التسعينات إلا أنها لم تتمكن من توسيع قاعدته لأسباب اجتماعية وسياسية تحول دون الإقبال الجماهيري عليه، لقد تأثر المغرب بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مطلع شباط 2011 سواء في تونس أو مصر، هذه الثورات المشتتة والممتدة لم تؤدي إلى صعود النساء إلى مراكز صنع القرار السياسي، هذه الطروحات ذات النزعة التحريفية أعاقت تطور المجتمعات والثقافات في هذه المنطقة من المغرب إلى العراق وسوريا والأردن.

 

برأيك ما أسباب ابتعاد النساء من العمل السياسي، رغم أنهن تشكلن ورقة ترجيح كفة البعض من المرشحين  في الانتخابات؟

كلنا يعلم أن المرأة فاعلة في نتائج الانتخابات وفي تشكيل المجموعات المؤثرة، إلا أنني ألاحظ أن المرأة  أصبحت ورقة ضغط في يد الأزواج والأقارب وحتى الوافدين، فهناك من رشح زوجته أو أخته لكي تتوفر اللوائح على المطلوب؛ وعندما تمثلن في المجالس يصادر حقهن في التعبير عن حاجاات المصوتات في منطقتهن بحجة أنهن لا تفهمن خبايا اللعبة، فلن تتمكن من نقل معاناة هؤلاء النساء. لأنهن فاقدات لحق إبلاغ قضايا الواقع المجتمعي إلى المسؤولين إلا بإذن من وكيل اللائحة أي الشخص الذي رشحها، وهناك شكاوى قدمت في هذا المجال  تفضح هذه السلوكيات، إن هذا الواقع يصدمنا نحن المناضلات لا كحقوقيات وأيضاً كسياسيات.

هذا أحد الأسباب الرئيسية في العزوف عن العمل السياسي، إضافة إلى كون هناك أسباب أخرى تبدو بسيطة بالنسبة للرجال ولكنها مهمة بالنسبة للنساء خاصة في المدن الكبيرة، متل الدار البيضاء ومراكش وفاس والرباط وطنجة وغيرها من المدن، وهي كون الاجتماعات تستمر إلى ساعات متأخرة في الليل، وكون جدول العمل تطول نقاشاته وتتفرع إلى نقط أخرى، كما أن رأي ومقترحات المرأة لا يتم اعتمادها بقبول كبير، ثم المسؤوليات  الأسرية متنوعة ومتعددة، بالإضافة إلى الأعباء المنزلية تتحملها دون شريكها أو إخوتها تجاه أسرتها.

كل تلك العوامل تدفع المرأة إلى الانسحاب من العمل السياسي والانخراط في العمل المدني باعتباره أرحب لاستعادة طاقاتها، وهو يحافظ على كرامتها مما يجعلها تعمل وفق أجندة تلائمها.