تركية بن خذر: لا يمكن الحديث عن ديمقراطية فعّالة دون مشاركة فعلية للنساء
شهدت أوضاع المرأة التونسية تراجعاً كبيراً في المشاركة السياسية سواء في بلوغ مواقع صنع القرار أو الحصول على مقعد في البرلمان وممارسة حقها كناخبة في الدور الأول للانتخابات التشريعية.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ أكدت رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية بن خذر أن نتيجة الدور الأول للانتخابات التشريعية بترشح 3 نساء فقط، مقابل 38 امرأة سيخضن السباق الانتخابي في الدور الثاني يوم 29 كانون الثاني/يناير، هي نسبة ضئيلة جداً وتراجع عن مكتسب هام وهو التناصف كمكسب ناضل من أجله المجتمع المدني حتى تكون النساء في مراكز صنع القرار.
للتعرف على أوضاع المرأة التونسية وتراجع مكتسباتها في المجال السياسي ومجالات أخرى، أجرت وكالتنا حوار مع رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية بن خذر.
كيف ساهمت رابطة الناخبات التونسيات منذ تأسيسها في المشهد السياسي في تونس؟
منذ 2011 قمنا بحملات مناصرة لدى المجلس التأسيسي لدسترة حقوق النساء وضرورة إدراج التناصف في القائمات الانتخابية وجندرة الخطاب السياسي.
وفي عام 2014 قمنا بمتابعة المسارات الانتخابية من منظور النوع الاجتماعي ووثقنا كل حالات العنف السياسي ضد النساء كناخبات وكمترشحات وأصدرنا تقريرنا إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإلى الحكومات المتعاقبة، ومجلس نواب الشعب ليأخذوا بعين الاعتبار العنف السياسي وليتم إدراجه في القانون الانتخابي.
كما قمنا بمرافقة القياديات اللواتي ترشحن للانتخابات التشريعية في 2014 من خلال التدريب والتوعية على عدة محاور وهي حقوق الإنسان، النوع الاجتماعي، الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس وخاصة فيما يتعلق بالقانون الانتخابي وسجلنا عدة نجاحات لنساء كنا تعلمن في رابطة الناخبات التونسيات ومنهن من أصبحن من النواب في مجلس 2014 وعددهن 8، كذلك بالنسبة للانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 كان هناك 4 نساء وقامت الرابطة بتأطيرهن وأصبحن نائبات.
وخلال الانتخابات البلدية في عام 2018 قمنا بحملات مناصرة ليتم إدراج التناصف الأفقي في القائمات والذي بفضله أصبح لدينا 37 مستشارة بلدية من بين النساء اللاتي تم تأطيرهن بأربع محافظات تونس الكبرى، جندوبة، نابل ومدنين.
فللتناصف الأفقي أهمية كبيرة في رئاسة القائمات، حيث مكن 47 بالمائة من النساء من أن يكن مستشارات ولكن في المقابل 20 بالمائة فقط أصبحن رئيسات بلديات وهذا يتنافى مع التناصف الأفقي والعمودي في القائمات الانتخابية لأن النساء اللواتي عبرن عن رغبتهن في أن يكن رئيسات بلديات تعرضن إلى عنف سياسي ومادي واعتبرناه عنفاً سياسياً يجب التصدي له ومكافحته، ونحن كرابطة شاركنا في قائمة إعداد القانون عدد 58 المناهض لجميع أشكال العنف ضد النساء وتوصلنا مع المجتمع المدني لأدراج العنف السياسي ضد النساء بهذا القانون، وتعد تونس أول بلد عربي أفريقي يجرم العنف السياسي في قوانينه ولكن هذا القانون غير مطبق فعلياً على أرض الواقع، فتونس لديها العديد من القوانين والمكاسب لصالح المرأة بدءاً من دستور الجمهورية الثانية الذي ينص على التناصف في القائمات الانتخابية، إلى جانب العديد من المعاهدات الدولية ولدينا قانون لمناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء لكن المشكلة تبقى في عدم تطبيق القوانين على أرض الواقع.
ماهي العراقيل التي أدت إلى ضعف نسبة مشاركة المرأة في نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية؟
كرابطة للناخبات التونسيات قمنا قبل 25 تموز2022، بعدة حملات مناصرة لدى مجلس نواب الشعب ولدى الأحزاب ليتم إدراج التناصف الأفقي في رئاسة القائمات لكن بصدور المرسوم عدد 55 تم إلغاء التناصف في القائمات الانتخابية وإلغاء التمويل العمومي ووضع شرط تجميع 400 تزكية لترشح النساء والشباب والرجال وذلك حد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وطالبنا بضرورة إعادة النظر في هذا المرسوم وما توصلنا إليه كنتيجة في الدور الأول للانتخابات التشريعية من ترشح 3 نساء فقط مقابل 38 امرأة سيخضن السباق الانتخابي في الدور الثاني يوم 29 كانون الثاني، وهي نسبة ضئيلة جداً وتراجع عن مكتسب هام وهو التناصف كمكسب ناضل من أجله المجتمع المدني حتى تكون النساء في مراكز صنع القرار.
وبهذه النسبة الضئيلة سيكون مجلس النواب القادم ذكورياً بامتياز ونتوقع ألاّ تتجاوز نسبة النجاح في الانتخابات التشريعية القادمة 15 بالمائة، ونحن كرابطة ناخبات تونسيات قمن بتدريب النساء اللواتي ترشحن لانتخابات 2023 على القانون الانتخابي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لإعدادهن للانتخابات المقبلة ولاحظنا أن هؤلاء النساء رغم العراقيل التي واجهنها كن عازمات على خوض الانتخابات التشريعية ليكن في مراكز صنع القرار لكن بالنسبة للنساء اللواتي لم تتوصلن إلى استكمال الملفات وقبول ترشحهن كان شرط تجميع التزكيات من بين الأسباب الهامة والمهام الصعبة لأنه ليس من السهل على المرأة تجميع 400 تزكية نظراً للعقلية المتوارثة التي تحول دون قيام النساء بحملات تزكية وجمع النساء في الأماكن العمومية والمقاهي والتنقل إلى الأماكن البعيدة كما لعب الإمكانيات المالية دوراً هاماً لأن النساء ليس لديهن إمكانيات مادية للتعبئة فكانت هذه الأسباب أهم العراقيل التي واجهتها النساء اللواتي ترشحن للانتخابات التشريعية 2023 كما أن نظام الاقتراع على الأفراد وضعف الحملات الانتخابية للمترشحين بسبب قلة الإمكانيات المادية للمترشحين والمترشحات في غياب التمويل العمومي ساهم في ضعف النسبة.
كرابطة معنية بقضايا النساء كيف يمكن مواجهة المخاطر التي تواجهها النساء خاصة بعد قانون 25 تموز الماضي؟
لمجابهة الخطر الذي تواجهه النساء في مشاركتها بالحياة السياسية والحياة العامة انضممنا كمجتمع مدني إلى تحالف نسوي ألا وهو الديناميكية النسوية ووجهنا رسائل إلى رئيس الجمهورية ليأخذ بعين الاعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للنساء ويراجع المرسوم 55 لأننا نعتبر أن الذي قمنا به منذ 2011 إلى يومنا هذا هو عمل جيد مكن عدة نساء من بلوغ مواقع صنع القرار.
وتونس كانت دائماً رائدة في مجال حقوق المرأة لكن لدينا حالياً تخوفات من تقهقر حضور النساء ومشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية فاعلة وفعّالة دون مشاركة فعلية للنساء ونحن كرابطة ناخبات تونسيات سنكون على تواصل دائم مع النساء القياديات لتحفيزهن؛ لأن هناك العديد من النساء القياديات والمستقلات، ونقابيات وفاعلات في المجتمع المدني، ولكن في المقابل نجد أن التشريعات هي التي تحد من المكاسب الأساسية للنساء.
ونحن كرابطة سنعمل مستقبلاً على تنقيح الفصول التي تهتم بحقوق النساء ومنها التّنقيحات التشريعية حتى تتمكن المرأة من تطوير حقوقها لتكون متواجدة في مواقع صنع القرار، وفي الحياة العامة، والحياة الاجتماعية ونحن ندرك جيداً قدرة الجمعيات ومدى أهمية دورها في المرافقة والتدريب، فالعمل الجمعياتي حقق نجاحات على جميع الأصعدة ونحن مازلنا على تواصل مع النساء على جميع المستويات بغض النظر عن توجهاتهن السياسية والأيديولوجية وهدفنا هو أن تكون المرأة دائماً في المقدمة وفي مراكز القرار.
ما مدى انفتاح الرابطة على العمل المشترك لنصرة قضايا النساء؟
نشاطنا كرابطة ناخبات تونسيات متواصل في إطار دعم قدرات القيادات النسائية ولدينا مشروع مع منتدى الفدراليات الكندي الذي يهدف إلى تعزيز قدرات القيادات النسائية من أجل التغيير الإيجابي وحالياً نعمل على توعية النساء لخوض الانتخابات البلدية القادمة وكذلك لدينا مشروع مع أوكسفام يتطرق إلى كيفية حماية الفضاء الرقمي، والآليات القانونية والحماية الرقمية وكيفية تمويل الجمعيات أنشطتها وأهدافها.
ماهي الصعوبات التي تواجهها الرابطة وتحول دون تحقيق أهدافها؟
ما يحفّزنا كرابطة هو مواصلة النشاط والعزيمة التي تتحلى بها النساء القياديات لمواصلة مسيرتهن وكمجتمع مدني نلاحظ أن النساء تطالبن دائماً بدورات تدريبية وبأشراكهن في كل الدورات التي نقوم بها وخاصة المتعلقة بالاتصال السياسي ليكن فاعلات في المجال الإعلامي لإيصال أصواتهن والقدرة على الاقناع، وهذا ما يجعلنا كرابطة دائماً على اتصال وبقرب النساء لأننا لا يمكن أن نتقدم، إلا إذا كان لدينا قاعدة نسائية تعمل معنا ولديها العزيمة والإرادة للتقدم.
فكل امرأة تونسية معنية بالشأن الوطني، السياسي، الاجتماعي وواعية بأنه توجد عراقيل يجب أن تتحداها لتحقيق أهدافها والتي تتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية والتعليم والوضع الاجتماعي ووضع النساء الفلاحات اللواتي تعشن في ظل وضع صعب وحقوقهن مهدورة وهناك العنف السياسي خاصة في الفضاء الإلكتروني الذي قمن بدراسة حوله وبينت ارتفاع نسبته خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لذلك طالبنا بضرورة إدراج قانون يجرم العنف بكل أشكاله في الفضاء الافتراضي ومنها العنف السياسي.
ماهي الشرائح التي تستهدفونها من خلال الأنشطة التي تقومون بها؟
عندما نتحدث عن امرأة قيادية لا نقصد التوجه للنخبة فقط بل نحن نعتبر أن كل امرأة هي قيادية في مجالها سواء في المجال السياسي، في المجال الاجتماعي وتكون قيادية وفاعلة في مجالها يعني النساء من مختلف الشرائح مثقفات، مناضلات، عاملات في القطاع الفلاحي مستقلات، حتى ربات البيوت معنيات بالشأن العام والشأن السياسي والاجتماعي، فبالنسبة لنا نحن المرأة التونسية ككل مكملة لبعضها فلا يمكن الحديث عن امرأة في مرتبة معينة لأننا كلنا نتكامل سواء المرأة السياسية التي تعتني بمشاكل المرأة في القطاع المهمش وفي القطاع الفلاحي النساء اللواتي تعملن في العمل غير المنظم والهدف هو أن تكون هذه المجموعة من النساء متكاملة لخلق ديناميكية نسوية تحقق العدل والمساواة بين التونسيات والتونسيين في جميع المجالات.
من خلال تعاملكم مع النساء وقربكم منهن، ماهي الصعوبات والتحديات التي تواجهها المرأة وتحول دون أن تكون فاعلة في الشأن العام؟
هناك مجموعة من التحديات التي تواجهها المرأة وتحول دون تحقيق طموحاتها وأن تكون فاعلة سواء في الحياة العامة أو الحياة السياسية وهي أولاً العقلية الذكورية التي لازالت متغلغلة في مجتمعنا، كذلك القوانين والتشريعات التي لازالت غير متطورة لمجابهة حاجات النساء خاصة الاقتصادية والعنف الاقتصادي الذي يقلل من مساهمة المرأة لتكون فاعلة في الحياة الاقتصادية، وكرابطة طالبنا بضرورة المساواة في الإرث لأن المساواة تقلص من نسبة الفقر عند النساء كذلك عاملات الفلاحة اللواتي تعملن في وضع هش دون حماية اجتماعية ولا طبية وأجر متدن، والأمر كذلك بالنسبة للشباب الذي يتطلب تمكيناً اقتصادياً يحتاج إلى خلق فرص عمل ليستطيع الاندماج في الحياة الاقتصادية، فمن أسباب الهجرة الغير النظامية نجد البطالة المتفشية لدى الشابات والشبان.
تركية بن خدر: نقابية في الاتحاد العام التونسي للعمل، انضمت في عام 2011 إلى المجتمع المدني وتحديداً جمعية رابطة الناخبات التونسيات وهي جمعية نسوية تعمل على توعية النساء بأهمية مشاركة المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية وتعمل من خلالها على دعم قدرات المرأة التونسية لتكون في مراكز صنع القرار.