"نون النسوة " في برلمان المغرب والمجالس المنتخبة... أين المناصفة؟

سعى المشرع المغربي خلال الانتخابات العامة (التشريعية والمحلية)؛ التي شهدتها البلاد في 8 أيلول/سبتمبر الجاري، إلى تأنيث المشهد السياسي وإعمال مقتضيات الدستور باتجاه تحقيق المناصفة، مما أعاد إلى الساحة السياسية الجدل حول تمثيل النساء وتوسيع مشاركتهنَّ في المؤسسات الرسمية بالمغرب

حنان حارت
المغرب ـ .
 
96 امرأة في البرلمان
تمكنت 96 امرأة خلال الانتخابات التي نظمها المغرب في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري من الوصول إلى قبة البرلمان، من أصل 395 مقعداً؛ وهو ما يمثل 24.3 في المائة من المقاعد، 90 منهن وصلن عبر اللوائح الجهوية، وستة فقط عبر اللوائح المحلية؛ أي ما يمثل 1.96 في المائة فقط من إجمالي المقاعد، في حال استبعاد اللوائح الجهوية التي تضم 90 مقعداً والمخصصة للنساء حصراً.
 
الكوتا أنقدت النساء
وتكون بذلك الكوتا المخصصة للنساء، والمحددة بـ 90 مقعد نيابي، أنقدت التمثيلية النسائية بمجلس النواب، التي حتى وإن لم تصل إلى عتبة 30 في المائة المنشودة من طرف الحركة النسائية، فإنها تكون قد حافظت على استقرار التمثيلية النسائية بمجلس النواب.
وتنتمي أربع برلمانيات من الفائزات في الانتخابات عبر اللوائح المحلية إلى حزب الأصالة والمعاصرة وهن بديعة الفيلالي، وخديجة حجوبي، وفاطمة الزهراء المنصوري، وفاطمة الزهراء بن طالب، فيما فازت مريم وحساة بمقعد عن حزب التقدم والاشتراكية، وحنان عدباوي عن حزب الاستقلال.
فيما يتوزع 90 مقعداً التي تخصصها اللائحة الجهوية للنساء، بين 16 مقعداً لحزب التجمع الوطني للأحرار، و13 مقعداً لحزب الاستقلال، و12 مقعداً لحزب الأصالة والمعاصرة، و11 مقعداً للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و10 مقاعد للتقدم والاشتراكية، و9 مقاعد للعدالة والتنمية، و8 مقاعد للحركة الشعبية، و5 مقاعد للاتحاد الدستوري، ومقعدين لجبهة القوى الديمقراطية، ومقعدين لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، ومقعد واحد للحزب الاشتراكي الموحد، وواحد أيضاً لفيدرالية اليسار.
 
ارتفاع طفيف
أوضحت لطيفة شريف التي فازت بمقعد برلماني عن حزب "الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية "، أن المغرب حقق خلال استحقاقات 2021 تقدماً في مسألة التمثيل النسائي بالبرلمان، معتبرةً أن الفضل في هذه النتائج يعود للقاسم الانتخابي، ولتوجيهات العاهل المغربي الذي أعطى المرأة المغربية فرصة المشاركة في العمل السياسي للبلاد.
وانتقدت النائبة البرلمانية في حديثها لوكالتنا الأحزاب قائلة "الأحزاب لا تراهن على النساء في قيادة لوائحها المحلية التي تعرف منافسة حزبية مباشرة، وتكتفي بما يمنحه لها نظام المحاصصة (الكوتا)".
وأضافت "الأمر يحتاج إلى جرأة والتزام أكبر من الأحزاب المغربية، فالمرأة لها من الكفاءة والقدرات ما يمكنها من شغل مناصب القرار مثلها مثل الرجل".
واستدركت بالقول "عموماً يظل ما تحقق خلال هذه الإنتخابات يبعث على الأمل، وولوج 96 امرأة للبرلمان حتماً سيدفع نحو التغيير، لأنه معروف عن المرأة جديتها وتفانيها ونضالها الكبير في العمل السياسي"، وأضافت "كنا نأمل أن يكون عدد النساء أكبر، لكن إذا ما قمنا بمقارنة مع الانتخابات السابقة سنرى أن هناك تحسناً على مستوى العدد الذي انتقل من 81 إلى 96 امرأة، رغم أن هناك ارتفاع طفيف إلا أني جد متفائلة خلال السنوات الخمس المقبلة؛ لأن المرأة ستكون حاضرة في البرلمان لتناضل من أجل حضور أقوى خلال الانتخابات المقبلة". 
 
تشتيت التنخيب النسائي
وكان المغرب طبق للمرة الأولى نظام الكوتا سنة 2002، حيث تم تخصيص 30 مقعداً للنساء في البرلمان، وواصل ذلك حتى عام 2011 حين زاد عدد مقاعدهن إلى 60 مقعداً كإجراء يهدف إلى تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن في صناعة السياسات العامة وتوجيهها، واستمر هذا الإجراء إلى غاية انتخابات 2016، ثم رفع مشرعو البرلمان عدد مقاعد الكوتا النسائية إلى 90 مقعداً من أصل 395 مقعداً في الانتخابات الأخيرة. 
وصرحت رقية أشمال، أستاذة القانون العام، وعضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال، ونائبة رئيس جهة الدار البيضاء، لوكالتنا أن هناك أموراً مهدت لمشاركة النساء على مستوى استحقاقات 2021 في شقيها التشريعي والترابي.
وأوضحت رقية أشمال أنه بالنسبة للانتخابات التشريعية عرفت توسيعاً كمياً إذ انتقلت من 60 إلى 90 امرأة في البرلمان، وأضافت "بغض النظر عن المشاركة الكمية للنساء التي منحها القانون (90 امرأة)، هناك نساء خضن معترك المشاركة على مستوى الدوائر التشريعية المحلية؛ حيث قيد المشرع مشاركة النساء بعدم مركزتها في محور الرباط الدار البيضاء، مما أدى إلى تشتيت هذا التنخيب النسائي؛ أي قيدت المشاركة على المستوى الجهوي، بحيث منحت الكوتا على مستوى كل جهة"، مبينةً أنه "مثلاً تم تخصيص كوتا بالنسبة لـ 12 امرأة، في جهة الدار البيضاء الكبرى؛ بمعنى أن هنالك عدالة مجالية تخص هذه المشاركة".   
 
تطور غير كاف
وتابعت أستاذة القانون "هناك عيوب شابت هذه القاعدة وهي المعايير التي اعتمدتها الأحزاب في تبوء النساء لهذه المكانة التشريعية خلال هذه الاستحقاقات، وحين نتحدث عن المعايير نتحدث عن القبيلة، بحيث أن هناك بعض البرلمانيين قد جعلوا بعض الدوائر التشريعية لفائدة زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم وما إلى ذلك، ما أدى إلى غياب التدرج التنظيمي عن الإنصاف، هذه المسألة ستسائل مستقبلاً نسبة ولوج أو مدى جاهزية المرأة وإقبالها على الفعل السياسي، مقابل غياب معايير تمكن من توسيع مشاركة النساء بما يضمن لهن تكافؤ الفرص في إطار التمثيلية الطبقية".
ووصفت رقية أشمال ما تحقق في الانتخابات الأخيرة بأنه غير كاف، وذلك في ظل معايير تصعب حصول المرأة المغربية على تزكية الأحزاب للترشح، وفرص متساوية وآليات عمل مماثلة لتلك التي تؤمن للمرشحين، مضيفةً "لا يمكن الحديث عن تطور لأنه تطور كمي وليس كيفياً"، مفسرة حديثها "على المستوى التشريعي النساء حصلن على مجموع 96 مقارنة مع استحقاقات 2016 التي كان فيها حضور النساء في البرلمان يقدر بـ 81 امرأة، لكن إذا تأملنا في التحصيلات سنجد أن نسبة حصول النساء على المقاعد الفردية قد تراجع".
 
هيمنة ذكورية
وكان البرلمان المغربي عدل قانون تنظيم الانتخابات التشريعية بهدف تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، من خلال استبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بالدوائر الجهوية مع اشتراط ضم كل لائحة مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية جهوية.
ومن جهتها قالت أمينة التوبالي، عضو ائتلاف "المناصفة دابا " لوكالتنا "نعي جيدا أهمية المناخ الثقافي والسياسي في تغيير العقليات خاصة في مجتمع لازال يعرف الهيمنة الذكورية بشكل شمولي وحينما نطالب بتحقيق المناصفة، فإننا نعي صعوبة تحقيق هذا المبتغى بشكل فوري... فالمغرب يعتمد قاعدة التدرج وهي القاعدة التي مرت منها أغلب البلدان الديمقراطية التي تتحقق فيها المساواة بين النساء والرجال".
وأوضحت عضو ائتلاف المناصفة دابا أن تعزيز المشاركة السياسية للمرأة المغربية يعود الفضل فيه إلى إرساء آلية الكوتا، لكن ولحد الآن ما تزال الأحزاب السياسية لا تثق في المرأة لإشراكها ضمن دائرة القرار الحزبي، مبرزة أن اللوائح المحلية مثلاً، لم تعرف إدراج ترشيحات النساء بالكثافة المرجوة أملا في ضمان المناصفة. 
 
انتخاب امرأة واحدة رئيسة جهة ضمن 12 جهة
على سبيل المثال، وفيما يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات، تم انتخاب امرأة واحدة على رأس جهة كلميم واد نون، ضمن 12 جهة بالمغرب، في حين تشكيلة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة التي تتكون من 11 عضواً من بينهم فقط ثلاث نساء ولا تحتل أي منهن المراتب الأولى وتموقعهن بالمرتبة السابعة والتاسعة والمتأخرة، وهذه المراتب النسائية تدل على التأثيث أكثر من تولي مناصب مسؤولة مستحقة قانوناً وأخلاقاً. كما تقول أمينة التوبالي عضو ائتلاف المناصفة دابا.
وتضيف "أي تنمية لا يمكن أن تتم إلا بإشراك النساء، خاصة وأن الدولة وفرت منذ الاستقلال نفس التعليم والتكوين الذي يتلقاه الرجل، وربما أكدت الأرقام والمؤشرات أن التفوق دوماً تحققه النساء وبالتالي لا يمكن أن نخجل اليوم من حضورهن على رأس المؤسسات والمجالس، بل يجب أن تكون إرادة حزبية لدى زعماء الأحزاب لتبوء النساء المكانة التي يستحققنها، لا ننكر أن هناك تعزيز لحضور المرأة في الهيئات المنتخبة، إلا أنها ما زالت ضعيفة بسبب هيمنة العقلية الذكورية".
ولتحقيق التناصف ترى أمينة التوبالي أنه "يجب تغيير العقليات، وفسح المجال لتواجد النساء على رأس التدبير والتسيير، وبالتالي فإن هذا الأمر سوف يساهم في تغيير الصورة النمطية حول المرأة وسوف يكون التقييم متعلق بمدى النتائج والإنجازات ومدى خلق جسر الثقة بين المواطنين، وهذا مانسعى إلى تحقيقه في مجتمعنا وهو تغيير الصورة النمطية حول المرأة من خلال خوض تجربة التسيير في المجال السياسي والمؤسساتي، لأن الدستور يمنح حق هذه المشاركة".
وأكدت أن هناك بعض العراقيل التي تقف في وجه تحقيق مبدأ المناصفة من بينها العقلية الذكورية، مؤكدة على ضرورة تتبع منحى تطور مكانة المرأة المغربية في المشهد السياسي، وأنه على الأحزاب استقطاب النخب النسائية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والشفافية.
ورغم الانتقادات التي وجهت للأحزاب في مسألة انتخاب النساء على رأس المجالس الجماعية والمقاطعات، إلا أنه قابلتها إشادات أخرى بتولي ثلات نساء دفعة واحدة لعمودية ثلاث مدن من أكبر وأهم مدن المملكة المغربية، وهي الرباط والدار البيضاء ومراكش، ما يؤكد على أن طريق المناصفة رغم بطئه في المغرب إلا أنه يتجه نحو المساواة.