نساء مغربيات ترصدن معركتهن من أجل نيل الحقوق
عرفت وضعية المرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة، تقدماً ملموساً مقارنة مع عدد من بلدان الجوار، إذ راكمت مجموعة من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية، في تجربة تبقى رائدة على صعيد المنطقة.
حنان حارت
المغرب ـ خاضت مجموعة من رائدات الحركة النسائية المغربية والحقوقيات والسياسيات، معارك لكسب الحقوق، وكانت القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية وقوانين الأسرة أولى بوادر المعركة التي ناضلت فيها.
وكالتنا وكالة أنباء المرأة استطلعت آراء الحقوقيات ونساء في السياسة، للوقوف على المكتسبات التي تحققت لصالح المرأة المغربية خلال معركة نيل الحقوق.
أكدت رئيسة فيدرالية حقوق النساء سميرة موحيا، أن معركة نيل الحقوق بشكل فعلي بدأت منذ عام 2004، فقد عرفت وضعية النساء في المغرب تقدماً مهماً، في عدد من المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مبرزةً أن هذا التقدم وتحقيق عدد من المكتسبات مرتبط أساساً بنضالات الحركة النسائية.
وأوضحت أن المغرب حقق منحى تصاعدياً منذ عام 2004 بدأ مع صدور مدونة الأسرة التي كانت اللبنة الأولى لمأسسة المساواة بين الجنسين، حيث منحت المرأة الحق في التخيير بين أن تزوج نفسها بدون ولي، أو أن تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها، كما تم النص على ذلك في المادتين 24 و25 من مدونة الأسرة، كما أن الطلاق لم يبقى بيد الزوج وحده، بل أصبح للزوجة كذلك، إذ بدورها لها الحق في الطلاق، كما استحدثت حالات أخرى لطلب التطليق من قبل الزوجة؛ كالتطليق للشقاق.
وأشارت إلى أن المكاسب التي جاءت في مدونة الأسرة لصالح المرأة المغربية، فتح الباب أمام مجموعة من الإصلاحات التي همت تعديل مدونة الشغل والتي جاءت بمجموعة من الايجابيات للنساء، ومن بين ما تضمنته مقتضيات مدونة الشغل حظر التمييز على أساس الجنس، وضمان حق النساء في الانخراط في الهيئات النقابية والمشاركة في إدارتها وحظر أي تمييز يتعلق بالأجور بين الجنسين مقابل العمل المتساوي والقيمة، والنظام الأساسي للوظيفة العمومية ومدونة التجارة، ومدونة الأسرة، والقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، بالإضافة إلى ذلك جاء التعديل الجزئي لمنظومة القانون الجنائي رغم التحفظات على طابعه التجزيئي.
ولفتت إلى أن كل تلك المكاسب أعطت دفعة للتمثيلية النسائية في السياسة، "ففي الانتخابات أصبحنا نسمع عن الكوتا، واليوم نشهد ارتفاعاً في عدد النساء في المؤسسات المنتخبة، كما أصبح هناك نقاش حول تمثيل النساء في مراكز القرار"، موضحةً أن تحقيق هذه المكتسبات لم يأتي إلا بالنضال المتكرر للحركات النسائية، بحيث أن كل نضال كان يجر وراءه مكتسب لصالح النساء المغربيات.
ونوهت إلى أن أهم مكتسب كان هو دستور 2011 الذي نص في فصله التاسع عشر على أن المرأة والرجل يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
ورغم كل تلك المكتسبات، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى مستوى تطلعات الحركات النسائية في المغرب برأي سميرة موحيا التي أوضحت أنه "ما زالت هناك نواقص كثيرة في مجالات عدة، فرغم المكتسبات التي جاءت بها مدونة الأسرة، لكننا اليوم نرى أنه يجب أن نخوص جيلاً جديداً من الإصلاحات في صيغة جديدة تواكب تغيرات المجتمع المغربي".
وأشارت إلى أنه برغم كل المجهودات التي قام بها المغرب فيما يتعلق بالنهوض بوضعية النساء، إلا أن المقاربة الحقوقية لم تنصف المرأة ولم تفلح الترسانة القانونية المغربية في منحها مكانتها الحقيقية وصون كرامتها، معتبرةً أن الوتيرة التي كانت حقوق المرأة المغربية تسير بها قبل سنة 2011، حصل فيها نوع من التباطؤ، وذلك في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية المحافظ للشأن الحكومي، فعلى مدى عشر سنوات السابقة "عرفت حقوق النساء تراجعات ولم تحمل تلك الفترة الكثير من التطور، حيث لم تكن الرغبة نفسها التي كانت صاحبة تعديل مدونة الأسرة" على حد قولها.
وأقرت سميرة موحيا أنه ما يزال تنزيل مقتضيات المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يمشي ببطء، فالنضالات النسائية تتقدم بسرعة أكبر، وتتجاوز السياسيين وصناع القرار.
وشددت على أنه للسير قدماً بحقوق النساء "يجب أن يكون هناك تحالفاً وإجماعاً وإرادة من الحكومة الحالية، لأنها مطالبة اليوم بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية وكل ما له علاقة بنهضة المجتمع"، مؤكدةً على أنه يجب القطع مع إنتاج الخطابات والمشاريع الكلامية، ومواجهة أزمة التطبيق والمواكبة.
ومن جهتها قالت السياسية نعيمة فرح "كل باحث في واقع المرأة المغربية سيكتشف العديد من المكتسبات التي حققتها المرأة في كل المجالات سواء السياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تعليمية".
وعن المكاسب التي حققتها النساء في العمل السياسي، قالت "يمكن القول إن هذا المجال بالضبط عرف طفرة قد تحسد عليها المرأة المغربية، هذه الطفرة تجسدت وبقوة في أسمى قانون مغربي وهو الدستور الذي نص على المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين"، موضحةً أنه بعد الدستور تعززت الترسانة القانونية المغربية بعدد من القوانين التي أعطت للمرأة حق ممارسة الفعل السياسي مثلها مثل الرجل؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر كانت اللائحة الوطنية التي سمحت بوصول المرأة لقبة العمل التشريعي في سابقة مغاربية جعلت المرأة المغربية تتبوأ الصدارة في مرحلة ما.
وأشارت إلى أنه "هناك القانون الخاص أيضاً بالانتخابات المحلية والجماعية والجهوية... وقس على ذلك القوانين التي بفضلها صرنا نرى تواجداً للنساء وبقوة في المجالس المنتخبة، كما صرف ذلك على مستوى تحملها لمسؤولية التدبير والتسيير لعدد من الجماعات الحضرية والقروية... كما صرف أيضاً على مستوى تحمل تسيير عدد من اللجان، وبالنسبة للعمل التنفيذي هناك نساء تقلدن وتتقلدن تسيير قطاعات جد مهمة كنا نعتقد بأنها حتى فترة ليست بالبعيدة، حكراً على الرجال".
وأضافت "هذه المكتسبات التي تحققت للمرأة المغربية، جاءت بفضل نضالات وتضحيات النساء المغربيات الرائدات لا سيما في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي".
وعن المعيقات التي تحاول الوقوف في طريق تلك المكتسبات التي تحققت سياسياً لصالح المرأة المغربية، قالت "هذا الذي تحقق يواجه بين الفينة والأخرى صعوبات وعراقيل، يواجه "حراس المعبد القديم" الذين مازالوا يرون بأن المرأة مكانها هو البيت وتربية الأطفال رغم أن تربية الطفل في حد ذاته عمل جد نبيل وبه وبفضله تبنى حضارات... وإبعاد المرأة المناضلة"، مبرزةً أن المرأة عندما تكون في منصب المسؤولية تتم محاربتها واختلاق المشاكل في عملية إلهاء عن الهدف الحقيقي.
وشددت على ضرورة "الربط بين التمكين السياسي للمرأة، وبين الأبعاد الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية، فالمرأة يجب أن تكون ممثلة بشكل يعكس واقعها، هناك حاجة إلى كفاءات يتم انتقاؤها وفق معايير موضوعية، للدفاع عن قضايا النساء والبلاد".
ومن أجل تحقيق عدالة وإنصاف ومساواة كاملة للمرأة في المشهد السياسي المغربي تقول نعيمة فرح إن ذلك سيتجلى بوضوح عندما تؤمن المرأة بنفسها بأن العمل السياسي هو نضال؛ "لابد أن تقتنع المرأة بالدرجة الأولى بأن قضية المرأة هي قضية نضال".
وبدورها ترى رئيسة جمعية المرأة المناضلة ثريا البراج أن النساء لازلن بعيدات عن مراكز صنع القرار، وتتحكم الأحزاب بهن، "رغم أن هناك تقدم ملموس إلا أنه نسبي ولا زلنا نطمح لوصول النساء على قدم المساواة مع الرجال فيما يخص المراكز الأولى لأعلى مراكز القرار".
ولفتت إلى أن تجربة المرأة في المغرب وبفضل نضال الحركات النسائية هي تجربة رائدة فعلاً ويظهر ذلك من خلال تحقيق بعض المكتسبات المهمة كمدونة الأسرة والتي هي الآن أيضاً محط نقاش من أجل تجويد بنودها وملاءمتها مع التطور الحاصل في المجتمع.
وأوضحت أنه رغم التطور والقفزة النوعية للنساء في عدد من المجالات وتطور وضعيتهن الاقتصادية والسياسية، إلا أن ذلك لم يحقق تحسناً على مستوى تمثيلها السياسي لأن الأحزاب لازالت ترى النساء كائن غير سياسي، أي أن غياب الإرادة السياسية للأحزاب تحول دون وصولها، حيث أن ضعف مشاركتها في ضعف تمثيليتها بالهيئات السياسية داخل الدولة كالحكومة، وتساءلت "متى يمكن أن نعيش تجربة امرأة رئيسة حكومة؟ فالنساء لهن القدرة على تولي هذا المنصب ولكن في غياب تلك الإرادة السياسية فصعب تحقيقها، سيظل الحراك النسائي يناضل دائماً من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات وتحصينها لتحقيق عدالة اجتماعية".