'نجاح الحركة النسوية مرهون باستقلالها عن الأجسام السياسية'
ترى الناشطات أن نجاح الحركة النسوية مرهون باستقلاليتها عن أي جسم سياسي، لاعتبارها حركة منظمة جاءت لتدافع عن النساء ولتحمل معاناتهن وأوجاعهن للمجتمع والسلطة السياسية لإصلاحها وتحسينها.
زهور المشرقي
تونس ـ أكدت الناشطة النسوية رجاء الدهماني أن الحركة النسوية في تونس كان لها دور مهم في الشأن السياسي والعام وكانت حاضرة في كل المحطات السياسية والاجتماعية التي عاشتها البلاد، كما أن نضالها جعل التونسيات تصلن إلى مراكز القرار وقيادة الحكومة.
مر تاريخ الحركة النسوية في تونس بثلاثة مراحل أساسية الأولى تمثلت في مرحلة الإصلاح ومعركة التحرير أي قبل الاستقلال عام 1956، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الاستقلال وبناء الدولة العصرية ما بين (1956-2010)، أما المرحلة الثالثة والأخيرة وهي فترة ما بعد الثورة، فلم يكن مسار تحرير وتحرر النساء في تونس هيناً بل رافقته عراقيل وصعوبات مضاعفة قاومتها الحركة من أجل تحرير النساء بسن تشريعات تضمن حقوقهن، في مجتمع ذكوري لازالت النظرة الدونية فيه قائمة.
وبالرغم من ذلك لازالت بعض الأصوات النسوية غير راضية عن هذا المسار بل تنتقده وتعتبره انحيازاً لطبقة ما بعيداً عن أصوات الكادحات، وترفض أخريات ربطهن بالدولة التي تعتبرنها رمزاً للهوية لا غير، بل يتهمنها بالتقصير في تحقيق مطالب النساء المشروعة للعيش.
وترى نسويات أن المجتمع المدني لا يمكن أن يكون مرتبطاً بالدولة لاعتبار دوره الرقابي والنقدي يمنعه من الانحياز لها، فيما تعتبر أخريات أنه لا توجد حركة نسوية مرتبطة بالسلطة، فهي تنظيم يعمل عكس الرأسمالية والسلطوية.
وقالت الناشطة النسوية رجاء الدهماني إنه لم يكن هناك حركة نسوية بالمفهوم النسوي الحديث في تونس؛ بل كان هناك حراك نسائي قديم ارتبط بالحركة الوطنية التحريرية وقليلاً بالحركة النقابية باعتبار أنه زامن الحركتين قبل الاستقلال، لافتةً إلى أن "هناك نساء شاركن في الحراك السياسي والنقابي وكن حاضرات بالقوة النسوية التي تُبنى وتتطور بشكل يومي ولا توجد نسوية حاضرة على المقاس".
وأوضحت أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي تعتبر من أبرز وأول الجمعيات المؤسسة للحراك النسوي في تونس والتي تأسست عام1989، وسبقتها تجمعات وتقاربات من قبل طالبات يساريات وناشطات سياسيات ومفكرات كن قد التقين في مركبات ثقافية لتتناولن الأفكار والتوجيهات والنقاشات من أجل تشكيل فكر نسوي يتماشى مع المرأة التونسية، وانتهت تلك اللقاءات المدروسة بتلك الحركة النسوية التي أدت إلى تشريعات وقوانين انتصرت للتونسيات.
وأشارت إلى أن تلك الحركات لاقت صعوبات من قبيل الرفض وعدم التجاوب في بداية المسيرة واصطدم مشروعهن بالقرار السياسي حينها الذي يؤجل قضايا النساء ويعتمدها كشعار فقط، لكنهن ناضلن وكن متأكدات أن مطالبهن ستكون يوماً ما حقيقة إيماناً منهن بأن قضية المرأة ليست موسمية أو شعارات مزيفة، علماً أن الحركة النسائية حينها كانت محل تجاذبات من قبل السلطة التي تريد استقطابهن لإسكاتهن في فترة ما.
وكانت جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية أول جمعية تأسست في البلاد تلتها النساء الديمقراطيات كأول حراك نسوي قوي ومتماسك وتلتهمها مجموعة جمعيات أخرى تبنت قضاياهن وباتت أولوية لينطلق النضال بالرغم التضييقات من السلطة حينها من أجل تغيير واقع المرأة وسن قوانين تحميها وتضمن كرامتها لتحقيق المساواة التامة والفعلية.
وأكدت رجاء الدهماني أن الحركة النسوية كان لها دور مهم في الشأن السياسي والعام وحاضرة في كل المحطات السياسية والاجتماعية التي عايشتها تونس، وتنطلق إيماناً بمرجعية حقوق الإنسان وبتقديس المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية.
ولفتت إلى أن هذه الحرب هي ضد الفكر الذكوري والبطريركي الذي يساهم في تأخر النساء وعدم حصولهن على حقوقهن وجذبهن إلى الوراء والإصرار على تركيز هذا المجتمع التراتبي المكون من نساء ورجال ما يؤدي إلى التمييز في كل المجالات.
وأكدت أنه بالرغم من التشريعات والحركة النسوية الصامدة والتعطيلات والصعوبات، لازالت التونسيات تعانين من الإقصاء وعدم المساواة في الأجور وتفقير النساء عبر عدم توفير فرص عمل لهن، علاوة على ضعف تمكينهن من التدريب والبحث.
وقالت "إن نضالات الحركة أوصلت التونسيات إلى مراكز القرار وقيادة حكومة كأول تجربة في شمال إفريقيا والمنطقة، متطرقة إلى المقاومة لفرض قوانين تقدمية ومراجعة الفصول التي لم تعد تتناسب مع ما بلغته النساء اليوم بالضغط واعتماد أساليب نضالية حديثة وسلمية".
وتطرقت إلى دور النسويات من عهد الرئيس الراحل إلى اليوم وقد تمخض النضال عن إنشاء مجلة الأحوال الشخصية التي كانت ثورية في وقتها في ظل مجتمع ذكوري "لا يمكن إنكار دور الحركة النسوية في تغيير السياسات والضغط على الحكومات من أجل تثبيت حقوق النساء".
ووفقاً لقولها "كان القانون 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء آخر التشريعات المتقدمة جداً في مجال الدفاع عن حقوق النساء في تونس، حيث اعتبرته الهيئات الأممية من أبرز القوانين المتقدمة من حيث تعريفه وتناول كل أشكال العنف السياسي فيه، وكان متطوراً على تاريخ الأمم المتحدة".
من جانبها أكدت الباحثة أم الزين بن شيخة أن نضالات الحركة النسوية طويلة مروراً بأقطاب الحركة النسوية التونسية والمنظمات التي تدافع عنهن، مشيرة إلى أن مساهمتها تأتي عن طريق بعد فلسفي نضالي للدفاع عن حقوقهن وتعميق مكاسبهن وجعل القوانين تعمل بشكل جدي وملموس، مساهمة بالكتابة والتحليل، متطرقة إلى إصدارها كتاب جديد "صخب المؤنث" الذي يعتبر مساهمة فكرية في إطار هذا الاثراء للزخم الإبداعي الذي يجعل من التونسية امرأة قوية لا تكتفي بالشعارات والنضالات المناسباتية بل تتخذه من أجل حقوقها نضالاً يومياً ووجهة نظر، أي لا تتخذ من النصوص مجرد مطالبة بتطبيق قوانين لحمايتها من العنف لكن تتخذ أسلوب فكري وفلسفي وهو ما تحتاجه الحركة النسوية لتزويدها برهانات جديدة وتحويلها إلى مطالب أخرى فما يحدث للمرأة اليوم في العالم من عنف وتنكيل واستهداف للجنسين وخاصة المرأة، مؤكدة أن البحث الفلسفي في هذا الإطار ضروري جداً وليس خياراً.
ولفتت إلى أن الحديث عن حقوق ومكاسب وإشكاليات النساء بشكل مناسباتي لن يغير واقع النساء في تونس، معتبرة أن كل تغيير يجب أن يصاحبه نفس فلسفي وفكري للأحداث تغيير حقيقي لأن الإصلاح يبدأ من العقل، من أجل إثراء نوع جديد من السلوك عند الجنسين في إرساء قيم جديدة وآداب مختلفة وسلوكيات جديدة، مؤكدة أن البحث النسوي قادر على المساهمة في ذلك "إن الترسانة النضالية هي مكانة نضال وليست مجرد كلام للتأثير في المجتمع وإحداث التغيير".