مطالب نسائية بوقف "العنف السياسي" ضد المرأة المغربية
رغم حضور النساء المغربيات في السياسة، منتخبات ومترشحات، أو تعيينهن في مراكز القرار سواء في البرلمان أو المشاركة في الحكومة، أو المجالس المنتخبة، إلا أن هذا الحضور يظل ضعيفاً لا يرق لتطلعات النساء
حنان حارت
المغرب ـ ، وتربط الحركات النسوية هذا الضعف بـ "العنف السياسي"، الذي يؤدي غالباً إلى انكماش وابتعاد المرأة عن السياسة.
ممارسات خطيرة
في سياق ما يعيشه المغرب من دينامية سياسية، تناولت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، قضية العنف السياسي الممارس ضد النساء، وأصدرت بيانات بخصوص ذلك تدين من خلالها بعض هذه السلوكيات، التي تقول إنها وقفت عليها، وصنفتها ضمن العنف السياسي ضد النساء، وعبرت الجمعية عن قلقها الشديد تجاه ما تراه ممارسات خطيرة.
وقالت عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح لوكالتنا، أن هناك مجموعة من المضايقات التي تعرضت لها النساء اللواتي كن عازمات على الترشح داخل الأحزاب السياسية للحصول على التزكيات، خلال الاستحقاقات الأخيرة التي نظمتها البلاد في الثامن من أيلول/سبتمبر الماضي، والتي حولت نظام الحصة "الكوتا النسائية" من آلية ديمقراطية من أجل مشاركة سياسية أكبر للنساء في تسيير الشأن المحلي والوطني إلى أداة للتحكم والإقصاء والمتاجرة، قد تصل حد الابتزاز، على حد قولها.
تحكم وابتزاز
وأوضحت الناشطة الحقوقية أن هذا النوع من الإقصاء يصنف ضمن العنف السياسي، مشيرةً إلى أنه خلال الانتخابات الأخيرة وقفت الجمعية على أشكال من التضييق والإقصاء والعنف أو التحكم والابتزاز عند تقديم طلب ترشيحهن للانتخابات التشريعية والجهوية، التي نظمت في الثامن من أيلول/سبتمبر.
وأشارت إلى أن "الجمعية سجلت اعتداءات تعرضت لها مستشارات في الولاية السابقة"، منوهةً إلى أنها ليست حوادث عرضية تخص حالات منفردة، بل هي ظاهرة تدخل في إطار العنف السياسي المبني على النوع الاجتماعي، والذي يهدف من خلاله المعتدون إرهاب النساء وعزلهن عن الفضاء العمومي وإقصائهن من العمل السياسي، مما يزكي أهمية مراجعة قانون مناهضة العنف ضد النساء.
وأكدت على خطورة مثل هذه الممارسات التمييزية وأثرها الجسيم على المشاركة السياسية للنساء، كونها، من جهة، ترمي إلى إرهاب النساء وإبعادهن عن العمل السياسي وإقصائهن من تدبير الشأن العام الوطني والترابي، ومن جهة أخرى تتسبب في نوع من النفور والعزوف في صفوف النساء من خلال تسويق صورة سيئة ومسيئة عن المشاركة السياسية.
وطالبت خديجة الرباح الجهات المختصة بضمان الحماية للنساء وتوفير الظروف الملائمة لهن مستقبلاً كمنتخبات وسياسيات والعمل على الحد من التمييز والإقصاء الذي تتعرض إليه النساء عن طريق مأسسة المساواة داخل الأحزاب السياسية والتسريع بتفعيل هيئة المناصفة ومناهضة جميع أشكال التمييز.
المنظومة الانتخابية
ودعت خديجة الرباح إلى إصلاح المنظومة الانتخابية وعلى رأسها القانون التنظيمي للأحزاب السياسية باعتماد مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والجمعيات النسائية لضمان تمثيلية أكبر للنساء وتمكينهن سياسياً وفاءً بالتزامات المغرب بإعلان وبرنامج عمل بجين، وبأهداف الألفية للتنمية.
ودعت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إلى التمكين السياسي للنساء أولاً عن طريق تسهيل ولوجهن للمجالس المنتخبة وطنياً وترابياً، وثانياً من خلال توفير الظروف المناسبة لقيامهن بالأدوار السياسية التي انتخبن من أجلها وكذا العمل على توفير الحماية لهن من كل أشكال التضييق والتمييز والعنف، إحقاقاً لمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور وتعزيزاً لحق النساء في المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام بعيداً عن العقلية الذكورية الإقصائية التي تعتبر السياسة حكراً على الرجال.
إقصاء وليس عنف
من جهتها تحفظت أستاذة القانون والدراسات السياسية والدولية حسنة كجي، على مصطلح العنف السياسي ضد النساء، "في اعتقادي لا يجب الحديث عن العنف بمعنى العنف المتعارف عليه، ولكن يمكن الحديث عن الإقصاء، وأيضاً عن عدم التمكين للنساء، الذي يرجع لمجموعة من العوامل، فهناك ما يتعلق بالتربية التي يتم تلقينها للمرأة منذ الطفولة، بحيث يتم إعدادها لتصبح زوجة وأم سواءً عن طريق الألعاب التي يتم اقتناؤها لها كالعروس التي تعمل على تزيينها، أوعن طريق الكلام أو الإيحاءات".
وتضيف "يتم تربية المرأة كذلك على الإيثار والعطاء فهي من تهتم بأخيها الصغير والكبير، وكبار السن، وهو الأمر الذي يتناقض مع الزعامة، في المقابل يتم تربية الطفل على سلوكيات معينة تدل على الفتوة والقدرة والاقتحام، كما يمكن كذلك الحديث عن المدرسة ففي المناهج التعليمية نجد أنه يتم رسم صور نمطية للمرأة، تظهرها وكأنها لصيقة بالمطبخ والأعمال المنزلية، وفي المقابل دائماً ما يظهر الرجل يقرأ الجريدة أو يشاهد التلفاز".
كما أوضحت أن لوسائل الإعلام أيضاً عدم تمكين النساء سياسياً "بعض وسائل الإعلام هي الأخرى تسوق لصورة المرأة المرتبطة بالمساحيق وبسلوكيات معينة، حيث لا يتم إعطاء نماذج نسائية ناجحة على المستوى السياسي، وهناك أيضاً البعد الاقتصادي"؛ وتفسر ذلك بالقول "حينما نتحدث عن الفقر نتحدث عن تأنيث الفقر أي الفقر بصيغة المؤنث، ونحن نعلم أن العمل السياسي يحتاج لقدرات مالية، بحيث يجب أن تكون هناك مجموعة من الاحتياجات المادية ملباة لدى من يمارس السياسة".
وأشارت إلى أن الإقصاء من السياسة لا يمس فقط المرأة، وإنما الشباب والمثقفين أيضاً، وعليه حينما تكون المرأة شابة ومثقفة تجتمع فيها الصفات الثلاث التي تحدثت عنها، وبهذا يتم إقصاؤها.
ونوهت حسنة كجي إلى أنه من بين الأسباب الأخرى المؤدية إلى إبعاد النساء عن السياسة، أنه في غالب الأحيان تستمر الاجتماعات الحزبية لساعات متأخرة وهذا يعرض المرأة للتحرش، فالمجتمع ينظر للمرأة التي تتأخر في العودة إلى منزلها أو تخرج في وقت متأخر من الليل، نظرة دونية.
إضافةً إلى كل ذلك تقول أن "هناك صورة متوفرة في ذهن المرأة نفسها حول أن العمل السياسي محفوف بالمخاطر وهذا ما يجعلها تبتعد عن العمل السياسي".
وأكدت على أنه لا يجب الحديث دائماً عن المرأة في المناطق الحضرية فقط، بل يجب أن يشمل الحديث المرأة القروية وأيضاً النساء اللواتي يقطن في المدن الصغرى، فهناك إكراهات في هذه المناطق أكثر منها في المدن الكبرى، وتتجلى في كون أن المجتمع يكون محافظاً أكثر، ما يجعل العمل السياسي صعباً للنساء في هذه المناطق.
مفارقات بين الجنسين
وأوضحت حسنة كجي أن المجال السياسي فيه مفارقات واسعة بين الرجال والنساء، فالمرأة اقتحمت كل الميادين، وفرضت نفسها على كافة الأصعدة، ولكن على المستوى السياسي لم تستطع ذلك، "معظم الحملات الانتخابية تقوم بها النساء، فهن من يطرقن المنازل ويحاولن إقناع الناخبين لصالح المرشح، وحينما يقتنع الناخب يكسب المرشح أصواتاً عديدة، أما إذا اقنع المرشح الناخبين بنفسه، فإنه يحصل على صوت واحد، هنا يمكن القول إن النساء أكثر قدرة على الإقناع، لكن للأسف يتم استغلالها كأداة في العملية الانتخابية ولكن كفاعلة فإنها لا تصل، والدليل أن عدد البرلمانيات اللواتي ولجن للبرلمان خلال الولاية التشريعية الحالية بعد انتخابات الثامن من أيلول/سبتمبر، قد يبدو العدد مرتفعاً، ولكن إن طرحنا 90 مقعداً جاءت عن طريق التمييز الإيجابي (الكوتا) من أصل 96 مقعداً، يعني فقط 6 نساء وصلن عن طريق اللوائح المحلية، إذاً هذه علامة استفهام كبيرة تطرح".
وعن إقصاء النساء من الأحزاب تقول "يتم إعطاء النساء المناضلات منحة "الكوتا" أو ما أسميه بـ "الريع"، وتمنح مقاعد من البرلمان لنساء ليس لهن علاقة بالنضال أو العمل السياسي، إذاً هنا يمكن الحديث عن عنف تساهم فيه المرأة ضد المرأة، وهذا إشكال كبير يجب أن يطرح، عنف مَن ضد مَن؟".
وفي الختام لفتت حسنة كجي إلى أنه رغم الإقصاء الذي تتعرض له النساء في السياسية، إلا أن حضورهن أصبح اليوم لا باس به، سواء على مستوى تشكيلة الحكومة الحالية ونوع الحقائب التي أسندت لهن، أو على مستوى حضورهن على رأس المجالس المنتخبة لأكبر المدن.