هيفيدار خالد: يجب التصدي للسياسات القائمة على العنصرية

في تقييمها للأحداث الأخيرة على الساحة السياسية العالمية، قالت الصحفية هيفيدار خالد، أن العالم يعيش توترات وصراعات خلقتها القوى الحاكمة، مشددةً على أن الحل الأبرز لإنهاء الحرب العالمية الثالثة التي تعد النساء أول ضحاياها، هو مشروع الأمة الديمقراطية.

برجم جودي

الحسكة ـ أكدت الصحفية هيفيدار خالد على أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حرباً عالمية ثالثة، تميّزت بخصائص عسكرية وسياسية مختلفة، وهي الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين، مشيرةً إلى أن المرأة باتت اليوم ضحية الذهنية الذكورية ومفاهيم السلطة الأبوية المتحكمة في روحها وكيانها وكل شاردة وواردة عنها، وأصبحت مناطق الحرب ساحة لقتل النساء وتبرير الجرائم.

أحدثت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، تغيرات كثيرة على مستوى الشرق الأوسط والعالم، فالمرحلة الحالية تعتبر حرب عالمية ثالثة، حيث تمارس القوى المهيمنة عشرات الألاعيب لتحقيق مصالحها، وفي إطار التطورات والصراعات التي تجري حالياً في كردستان والشرق الأوسط والعالم، كان لوكالتنا مع الصحفية هيفيدار خالد الحوار التالي:

هل تقف دول منطقة الشرق الأوسط وراء عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية؟

لقد شنت حركة حماس الفلسطينية هجوماً واسع النطاق ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من تشرين الأول الفائت، ومنذ ذلك اليوم يشهد قطاع غزة تصعيداً كبيراً بين الفلسطينيين والإسرائيليين. طبعاً الهجوم كان كبيراً جداً وخلف العديد من الآثار السلبية على الشعب الفلسطيني الذي يعد المتضرر الأكبر، إذ تُرِكَ الشعب الفلسطيني لمصيره وحيداً وسط معارك حامية لا تبقي ولا تذر، وأوضاع إنسانية صعبة للغاية، بالإضافة إلى فقدان كافة مقومات الحياة، أي أن الوضع الإنساني هناك أصبح كارثياً بكل ما للكلمة من معنى خاصة على النساء والأطفال، كما أن تداعيات الهجوم بلغت ملفات أخرى في المنطقة.

الرد الإسرائيلي على هجوم حماس جعل من غزة كرةً ملتهبة نتيجة القصف المكثف الذي طال أغلب المواقع هناك، وأدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير البنية التحتية والمنشآت الحيوية. إلا أن هذه الحرب لم تقتصر على الطرفين المتحاربين إسرائيل وحماس فقط، بل امتدت إلى العديد من الدول والقوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح ونفوذ في المنطقة. مخلفة العديد من التداعيات والآثار السياسية والأمنية والإنسانية على مستوى شرق المتوسط. وذلك لاندلاعها في منطقة ذات أهمية تاريخية لهذه القوى، كما أنها منطقة معقدة للغاية نتيجة تشابك الحسابات وتداخلها، بالإضافة إلى تغيرات جيوسياسية وجيواستراتيجية مهمة، مثل اكتشاف الغاز الطبيعي في المتوسط، والمعاهدات الثنائية بين إسرائيل وبعض الدول العربية. لذلك ستشكل هذه الحرب تأثيراً على عدة ملفات بطرق مختلفة، فهي تزيد من حدة التوتر بين إسرائيل وتركيا، التي تدعم حماس سياسياً وإعلامياً، وتحاول التوسط لوقف إطلاق النار. كما أنها تضعف موقع مصر التي تلعب دوراً رئيسياً في المصالحة الفلسطينية، وتحافظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، رغم ضغوطٍ شعبية. أما بالنسبة للدول التي أبرمت اتفاقات تطبيع مع إسرائيل مؤخراً، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، فإنها تواجه انتقادات من جانب بعض الدول وخاصة الحركات الإسلامية، التي تعتبرها خيانة للقضية الفلسطينية على حد وصفهم.

العديد من المعطيات تشير إلى أن كلاً من إيران وتركيا وروسيا ليست بعيدة عن كل ما جرى، أي أن الهجوم كان عن سابق إصرار وترصد وتخطيط مسبق. وعلى الأرجح هذا الهجوم جاء بدعم من إيران لحركة حماس، على الرغم من انقطاع حبل الود بينهما لسنوات بعد دعم الحركة للاحتجاجات في سوريا. يحاول النظام العالمي فرض عزلة على إيران، بالتزامن مع انطلاق قطار التطبيع العربي مع إسرائيل الذي وصل لمحطة مهمة، وأقصد هنا السعودية، وما تمخض عن ذلك من توقيع اتفاقات وشراكات اقتصادية بين تل أبيب وعدد من العواصم العربية بدعم ورعاية مباشرة من الإدارة الأمريكية التي تبحث عن تسجيل نقاط تحسب لها في الانتخابات القادمة. طبعاً تطبيع دولة كالسعودية العلاقات مع إسرائيل أمر في غاية الأهمية، خاصة بالنسبة للعرب، لأن ركوب الرياض قطار التطبيع يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت في خبر كان، فيما ذهب البعض أبعد من ذلك واعتبروا الأمر بمثابة تخلٍّ عن قضية لطالما صنفتها الدول العربية على أنها قضية العرب والمسلمين المحورية، وأنها خط أحمر يمنع الاقتراب منه. كما أن مسار التطبيع هذا يشكل خطراً على مسار العلاقات السعودية الإيرانية التي عادت بعد فترة جفاء طويلة برعاية الصين في شهر آذار الماضي.

أما بالنسبة لتركيا فتربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل في السر والعلن وما خفي منها كان أعظم. وهذا لا يمنع أن مسار العلاقات بينهما شهد اضطرابات كبيرة، رغم محاولات تركيا الحثيثة إعادتها لسابق عهدها. طبعاً ضرب واستهداف إسرائيل، وكذلك تعميق الأزمات في غزة في هذه المرحلة يأتي خدمة لتركيا ومصالحها في المنطقة. هي تبحث عن أزمات تحقق من خلالها مكاسب خاصة فتلعب على التناقضات، وتستثمر أزمات الشعوب، وتجد لها موطئ قدم في السياسة العالمية وغالباً ما يكون الدور الذي تلعبه سلبياً كونها تبحث عن مصالحها فقط بعيداً عن تصريحاتها ودموع التماسيح التي تذرفها على الشعوب المضطهدة، أما وجهها الحقيقي فيظهر في عدة بقاع من العالم، في سوريا والعراق وليبيا وآرتساخ وأماكن أخرى مختلفة كان لها دور المزعزع للاستقرار بخلاف ما تدعي. مثال آخر، خير دليل على تحركاتها المريبة، الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة العشرين التي انعقدت في الهند والذي نص على إنشاء ممر اقتصادي بين الهند ودول الخليج مروراً بإسرائيل وصولاً إلى أوروبا، متجاهلاً جغرافية تركيا، الأمر الذي أثار حفيظتها وبدأت تتحرك هنا وهناك، لتغيير مساره.

من جهة أخرى، لم تخف تركيا تحفظها وعدم رضاها على عودة العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، على الرغم من أنها أول دولة إسلامية طبعت مع إسرائيل، فهي تحلل ذلك لنفسها وتحرمه على الدول العربية، والسبب ببساطة أنه بذلك تفقد خصوصيتها ومكانتها، على اعتبار أنه يشل حركتها وينزع عنها صفة الوسيط وبالتالي علاقات مميزة مستمرة مع الجميع، ما دامت الخلافات قائمة بينهم، وأقصد هنا الدول العربية وإسرائيل. ويجب ألا ننسى الصراع التركي مع إسرائيل على ممرات الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

بالنسبة لروسيا هذه الأحداث والتطورات ربما جاءت في وقتها المناسب، وخاصة أنها في حالة حرب ضروس مع أوكرانيا ومن ورائها الغرب منذ نحو سنتين، رأينا الموقف الروسي الذي لم يتعدَّ تصريحات أقل ما يقال عنها إنها عادية وغير واضحة. فاكتفت بالتعبير عن قلقها الشديد مما يحصل في غزة، ووجدت في القضية فرصة لإلقاء اللوم على واشنطن غريمها اللدود.

بالإضافة إلى ذلك هناك أسباب أخرى ساهمت بشكل غير مباشر في التصعيد الأخير، بينها الموقف الغربي غير الفعال حيال القضية الفلسطينية، وعدم تحركها كوسيط محايد لإيجاد حل مناسب يرضي الطرفين وينهي الصراع، وتركت الأمر للولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل دعماً غير محدود، وتصر على الالتزام بأمن إسرائيل في الدرجة الأولى.

كيف تقيمون الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مع مرور شهر على الهجمات الإسرائيلية التي لا تزال متسمرة وخلفت آلاف القتلى والجرحى في ظل الحصار الخانق المفروض على المدنيين؟

منذ شهر وإسرائيل تحاصر قطاع غزة، الأمر الذي خلف العديد من الأزمات الإنسانية التي أثرت سلباً على حياة المدنيين. طبعاً حصار المدنيين وقطع إمدادات المياه والغاز المنزلي عنهم وفقدان الوقود والمواصلات واستهداف البنية التحتية، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي. المستشفيات لم تعد تتسع للجرحى. والمدنيون يواجهون مشقة كبيرة في الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية. وقبل أيام صرحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أن آلاف الأشخاص اقتحموا مستودعات المساعدات في غزة لأخذ مواد غذائية وغيرها من المواد الأساسية. والجميع يعلم بأن إمدادات المساعدات المتجهة إلى غزة توقفت منذ أن بدأت إسرائيل قصف غزة رداً على هجوم دامٍ شنته حركة حماس. في حين أن هذه الحرب المدمرة قد أسفرت عن مقتل أكثر من 9 آلاف فلسطيني، ونحو 20 ألف جريح، كما نتج عنها نزوح قرابة 1.5 مليون فلسطيني داخل قطاع غزة وسط صمت دولي وعربي حيال ما يتعرض له هؤلاء المدنيون وخاصة النساء والأطفال.

كيف ينبغي تقييم الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل واستهدافهم للنساء على وجه الخصوص؟

تشهد منطقة الشرق الأوسط حرباً عالمية ثالثة، تميّزت بخصائص عسكرية وسياسية مختلفة، وتعد الحرب الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين، إذ خلقت حالة من الفوضى في العديد من المجتمعات والدول وأصبحت مستنقعاً للشعوب المظلومة، بحيث لم تعد هذه الشعوب قادرة على الخروج من هذه الفوضى، والسبب يكمن في الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدول لإنقاذ ذاتها؛ لأن هذه الأدوات ليست فعّالة لوضع حلولٍ جذريّة لكلّ ما تتعرّض له من أزماتٍ داخليّة وتدخّلاتٍ خارجية.

فالقضايا العالقة والمشاكل المختلفة المتراكمة منذ عشرات السنين، تركت المجتمع في حالة وهنٍ وضعفٍ لا حول له فيها ولا قوّة. وأشكال الدولة القومية في هذه المنطقة والنظم الاستبدادية وسياسات الحكام والأحكام التي تطبق تحت اسم الدين والشريعة، أصبحت أدوات مقيتة لتدمير أحلام الشعوب الأصيلة. وأضحت هذه النظم المصدر الرئيس لخلق المعضلات، بادعائها إيجاد حلول لمشاكل الشعوب، ووصلت إلى حالة، لن نبالغ أبداً إذا ما أسميناها نقطة الإفلاس، بدلاً عن إيجاد الحلول لها، وبذلك فإنَّ هذه النظم تسدّ الطريق بشكّلٍ كامل أمام جهود وكفاح القوى التي تسعى لأداء دورها في المجتمع.

وما نسمعه ونراه عن انتهاكات تطال النساء خير دليل على ذلك، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع خبراً عن مقتل امرأةٍ هنا أو انتهاكٍ آخر هناك، على يد القوى المتحاربة فيما بينها. وبالطبع لا يوجد أبشع من جرائم القتل التي تتعرض لها المرأة. ولا يمر يوم دون أن نسمع خبراً بأن العشرات من الفتيات اللواتي ما زلن في ريعان شبابهن تلقين مصرعهن على أيدي تجار الحروب والأزمات، والمئات من الأمثلة الأخرى التي لا حصر لها، في مجتمعنا الشرق أوسطي لم يعد أمام المرأة خيارٌ سوى العيش تحت الظلم الذي تتعرض له، فإن تكوني امرأة، يعني أنك أمام مسيرة صعبة وقاسية جداً في هذه الحياة، ولا بد أن تمرّي بأصعب الظروف طوال حياتك، فكل شيء قاسٍ في هذه الحياة يُنفَّذ ويُفرض على المرأة وجسدها وكدحها. بالفعل باتت المرأة اليوم ضحية الذهنية الذكورية ومفاهيم السلطة الأبوية المتحكمة في روحها وكيانها وكل شاردة وواردة عنها.

إلَّا أنَّ ذواتنا يختلجها غيظ كبير من تكرار جرائم القتل ضد المرأة يومياً في المجتمع. لكن في بعض الأوقات نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يُقترف من انتهاكات بحقها، وكل هذه الممارسات ذات جذور تاريخية، تتطلب تحليلاً سليماً ودقيقاً، وذلك من خلال تحديد ودراسة الأسباب الرئيسة وراء كل هذا العنف الممنهج ضد المرأة. المرأة خاوية القوى. المسحوقة والمضطهدة في العائلة.

يوم بعد آخر تزداد وتيرة العنف الممارس بكافة أشكاله العنجهية ضد المرأة في المجتمع دون حسيب أو رقيب، في سوريا وخاصة شمال وشرق سوريا ومؤخراً في غزة رأينا الأوضاع التي تمر فيها المرأة هناك، إنّ هذا العنف الذي يُمارس بحق المرأة اليوم إنما هو نتاج ذهنية الدولة القومية في الشرق الأوسط والتي ترسخ فكرة سلطتها الاستبدادية على المجتمع وعلى وجه الخصوص المرأة لأنها ترى فيها خطراً عليها. لذلك تخلق الحروب وتعمّق الأزمات وتصعّد الخلافات وتعزّز الصراعات وتترك المرأة وجهاً لوجه أمام شتى الانتهاكات التي تمارس بحقها.

وما الانتهاكات التي ارتكبتها حماس بحق الإسرائيليات اللواتي تم أسرهن في هجومها إلا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وجريمة بحق الإنسانية ولا بد من محاسبة عناصر حماس التي ارتكبت هذه الأفعال الشنيعة لأن للحرب والأسرى أيضاً قوانين لا يجوز تجاوزها.

كيف تقيمون موقف القوى العالمية والإقليمية حيال هذه الهجمات؟ وهل ستتحول إلى حرب إقليمية؟

تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة وخاصة مع استمرار الحرب في غزة، وفشل جميع الجهود الإقليمية والدولية في وقف الهجمات الإسرائيلية، التي أدت لسقوط آلاف الضحايا ما بين قتيل وجريح. ومع إصرار إسرائيل على تنفيذ اجتياح بري ورفضها دخول مساعدات إنسانية لأكثر من ٢ مليون فلسطيني، تصاعدت المخاوف من اتساع رقعة الصراع بالمنطقة، ودخول أطراف أخرى على خط المواجهات. ورغم تحذير إسرائيل أطرافاً إقليمية بعدم التدخل، خاصة إيران وحزب الله في لبنان وجماعات أخرى تابعة لطهران في جنوب سوريا، إلا أن الموقف ما زال غامضاً والوضع مهدد بالانفجار في أية لحظة.

وقد عززت أمريكا من إجراءاتها العسكرية وأرسلت حاملة طائرات للبحر المتوسط لدعم إسرائيل ووضعت ٢٠٠٠ جندي من النخبة في حالة تأهب. وكالعادة رفع حزب الله اللبناني من حالة الجاهزية على حدوده مع إسرائيل، وأطلق صواريخ على شمالها، كما انتقلت قيادات عسكرية لميليشيات عراقية تابعة لإيران إلى سوريا. ربما تفتح هذه التطورات الطريق لخلق حروب جديدة وبالتالي تبقى مشاريع الحل السياسي غائبة عن المنطقة. كما أن قوة الرد السريع التابعة للبحرية الأمريكية تتحرك باتجاه شرق البحر المتوسط، وسط مخاوف من اتساع نطاق الحرب في غزة إلى صراع إقليمي. يعني معظم المعطيات حتى الآن تشير على تصعيد الحرب في المنطقة واتساع رقعته أكثر وستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة بشكل عام.

وعليه فإن كافة المستجدات والتطورات الأخيرة، بدءاً من الهجوم التركي على شمال وشرق سوريا، مروراً بهجوم الكلية الحربية في حمص، وانتهاءً بهجوم حماس ضد إسرائيل، تم التحضير لها في مركز واحدٍ، هو على الأرجح ما تعرف بمنصة "أستانا" ومن يقف ورائها ويدعمها، بعد أن باتت أطراف هذا المسار على درايةٍ بأن المنطقة تتجه نحو خريطة سياسية جديدة وربما جغرافية قد تغير المشهد، ولن تلبي مصالحهم وغاياتهم فيما لو استقرت الأمور. والعمل لمنع الاستقرار وبقاء المنطقة على شفير الهاوية، واستمرار الفوضى والدمار والحروب، هو القاسم المشترك بين الأطراف التي تلتقي في "أستانا" هي بالتأكيد لا تلتقي لحل أزمات المنطقة.

هناك تطورات غيرت الكثير من مجريات الأحداث وأثرت على موازين القوى في الشرق الأوسط خاصة بعد تدخل أمريكا في أفغانستان والعراق. ويبدو أن هناك تطورات جديدة، وما يعزز صحة هذه الفرضية تحريك الولايات المتحدة أسطولها الحربي، ووصف كل من واشنطن وتل أبيب لحماس ﺑـ "داعش". كل هذه الأحداث تنذر بتطور الأوضاع بشكل دراماتيكي، وتزيد من مخاوف اتساع دائرة الحرب والصراع في المنطقة، وتجعلها على حافة تغييرات عميقة.

في ظل الهجمات التركية المستمرة على شمال وشرق سوريا واستهدافها البنى التحتية والمدنيين، هل تستطيع دولة كهذه حماية المدنيين في غزة؟

أردوغان كعادته تعامل مع التطورات والمستجدات في غزة وفق مصالحه، يعني حاول كالمرات السابقة الاستفادة من هجوم حركة حماس، من خلال المتاجرة بالقضية الفلسطينية عبر تصريحات شابها النفاق كعادته، وحاول مسك العصا من المنتصف، فهو غالباً ما يتبنى موقف المهادن والتصالحي مع كلا الطرفين، وحينما تستدعي الضرورة يلجأ إلى إطلاق العنان لتصريحات ينتقد فيها هذا الطرف وذاك، خاصة إذا كان بحاجة لتلميع صورته في الداخل أو الخارج، ويريد الهروب إلى الأمام، من مشاكل وأزمات تلاحقه داخل تركيا وخارجها، وفي الوقت نفسه يحال الاستفادة من تأجيج الصراعات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وإذا كانت الفرصة سانحة يلجأ لأسلوب الابتزاز وهو بارع في هذا الشأن.

وهذه ليست المرة الأولى التي يستثمر فيها أردوغان بالقضية الفلسطينية، خاصة إذا كانت هناك مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجميعنا يتذكر، ما فعله في مؤتمر "دافوس" قبل عدة سنوات، وحينها ذاع صيته بين العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، لأنه نجح في إيهام وإقناعهم عبر تمثيلية محبوكة، أنه المدافع عن القضية الفلسطينية، رغم أن علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل كانت في أوجها واستمرت بعدها بوتيرة أقوى، وحتى بعدما سحب سفيره من إسرائيل ازدادت عملية التبادل التجاري معها بشكل تصاعدي.

أردوغان يتحرك وفق مصالح حزبه، فعندما استدعت الحاجة، لبس جلداً جديداً، وبدأ يخطب ود إسرائيل عندما استفحلت الأزمة الاقتصادية في تركيا، وأعاد العلاقات معها على حساب العلاقات مع الفلسطينيين، فطرد قيادات من حركتي حماس والجهاد من تركيا، نزولاً عند رغبة إسرائيل، لكن بعد التطورات الأخيرة في غزة ومن أجل الاستثمار فيها مجدداً بدأ بإطلاق تصريحات، حاول فيها إظهار نفسه مرة أخرى أنه "حامي حمى المسلمين"، لكن حتى اللحظة ليس هناك أي رد فعل تركي لتقديم الدعم للفلسطينيين، في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لهجمات دامية غير مسبوقة، ويتعرض سكانها لمجازر. حتى الآن أردوغان يدعو للتهدئة من جهة ويتصل بالإسرائيليين من جهة أخرى، لكنه بالتأكيد يطمح لتسويق صورته المهزومة في عيون العرب والمسلمين، بعد إعادة علاقاته مع إسرائيل والحكومة السورية وتقويتها مع إيران.

كما أن أردوغان عرض مقترحاً بأن تتولى تركيا جهود وساطة لوقف إطلاق النار، وتجاهلته إسرائيل كلياً طبعاً. ومن الملاحظ أنه تخلى عن حماس التي كان يحرص على أن يُظهر دعمه لها، في السابق بالنظر إلى التقارب الفكري والأيديولوجي بين الحركة التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية الذي يسير على النهج نفسه. وحاول طبعاً اللعب على الحبلين في هذا الصراع. أردوغان ربما استسلم مبدئياً لفكرة أن الأوضاع الحالية تسير لصالح إيران على حساب دور تركيا، وخسارة متزايدة لها في المنطقة، إلا أن هذه الخسارة هي بطعم الفوز، بمعنى آخر أن المجريات الحالية تسير لصالح أردوغان أي أن الأحداث "مرغوب فيها"، لأن تكاليف التضامن مع حماس وإثارة غضب إسرائيل ستكون باهظة. ففي حين أن إيران لا تخسر شيئاً من تبنيها مواقف حماسية تجاه حماس، فإن لأردوغان الكثير مما يمكن أن يخسره إذا تبنى الموقف نفسه، أقله في الظروف الحالية. وقبل أيام خرج بتصريحات جديدة يقول فيها بأن حماس ليست منظمة إرهابية لكن إسرائيل هي المحتل، وحتى الآن لم تسحب تركيا سفيرها من إسرائيل رغم تصريحاته التي وصفت بالنارية في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.

برأيكِ كيف يمكن إنهاء الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس؟

بالنسبة لنموذج وطريق الحل وفض النزاع التاريخي والمعقد والحساس بين الفلسطينيين والإسرائيليين على جميع الأطراف الجلوس على طاولة الحوار واتخاذ من نموذج الأمة الديمقراطية أساساً لهم، الذي يعتبر ويعد من أهم الطرق والأساليب الحقيقية في التنظيم الذاتي لكافة المجتمعات، أي بمعنى أدق القدرة على الإدارة الذاتية. فمن المستحيل التفكير بموضوع طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضيه. وخاصة أن جميع الشعوب الموجودة في هذه البقعة الجغرافية بدءاً من المسحيين واليهود والعرب تستطيع العيش معاً وفق مبادى الأمة الديمقراطية التي ينادي بها القائد عبد الله أوجلان وهي الدواء لكل داء في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالصراعات الطائفية والأثنية والقومية والعرقية القائمة على العنصرية وخلق النعرات الطائفية والتفرقة فيما بين الشعوب الأصلية المتعايشة في المنطقة. لا يمكن القبول بالانتهاكات التي تمارسها حركة حماس ضد الإسرائيليين ولا بممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين بل يجب إيجاد آلية حل تخدم جميع الشعوب المتعايشة في هذه المنطقة وتنهي هذا الصراع الدامي.

ما الذي يقع على عاتق النساء في هذه المرحلة للحد من الانتهاكات الممارسة ضدهن؟

تعيش نساء غزة منذ أكثر من عشرين يوماً أوجاعاً صعبة جداً حيث إن النساء أصبحن تحت النار، وكل شيء تحت القصف بصورة عشوائية ومفجعة، إذ يوجد الآن في غزة أكثر من 493 ألف امرأة وفتاة نزحن جراء الحرب، والعدد يتزايد، ومنهن 900 امرأة أصبحن أراملاً وتحملن مسؤولية إعالة أسرهن بعد وفاة شركائهن، وأكثر من 1700 امرأة فقدن حياتهن، و50 ألف امرأة حامل تنتظرن ولادة مهددة، منهن 5522 ستلدن في الشهر المقبل، وذلك في وقت يوجد فيه 540 ألف امرأة في غزة في سن الإنجاب. وعليه تواجه الأمهات في القطاع مخاطر هائلة، فهن تعشن في حالة من الخوف والصدمات اليومية، مع إمكان محدود للحصول على الإمدادات الطبية، ويمكن أن تواجهن صعوبة في الحصول على التخدير وتخفيف الألم، أو غير ذلك من الأدوية الحيوية خلال حالات الولادة المعقدة.

نعم المرأة في يومنا الحالي هي الضحية الأولى والخاسر الأكبر جراء الإبادة التي ترتكب بحق الشعوب، حيث تواجه هذه الإبادة الممنهجة أكثر من غيرها. المجتمع الذي نعيش ضمنه لم يفقد أنسجته الأخلاقية والسياسية فحسب، بل فقد كل شيء مقدّس فيه، وبينما يغرق طرف في المال والترف والبذخ والرفاهية، يموت الطرف الآخر من المجاعة والبؤس والفقر والعوز، وهكذا يستمر الوضع. وكل ذلك نتيجة السياسات التعسفية والانتهاكات التي تمارس وتطبّق بحق المرأة، فسلطات الدولة القومية تنفذ ألاعيبها على المرأة.

وبالرغم من تعرضها لكافة أشكال العنف، إلا أن المرأة قادرة أكثر من أي وقت مضى على تنظيم ذاتها ومواجهة الإبادة التي ترتكب بحقها.

على المرأة التصدي لسياسات الإبادة التي تواجهها من خلال خوض نضال شامل ومتعدد الأوجه. فهي رغم السياسات التعسفية التي تطبّق بحقها، صاحبة إرادة صلبة وتنظيم قوي يُمكّناها من وضع حد لنظام الإبادة الذي تتعرض له. ووضع برنامج ممنهج قائم على تكاتف النساء وتوحيد صفوفهن وجهودهن في كافة أنحاء الشرق الأوسط، بما يحقق مكتسبات حقيقية على أرض الواقع لجميع النساء دون استثناء فالمرأة مع بنات جنسها تكون أكثر جمالاً وتنظيماً ومنعة. والتصدي للسياسات القائمة على العنصرية والتي تخلق النعرات الطائفية.