حقوقيات يطالبنَّ بإصدار قوانين تضمن المناصفة بين النساء والرجال في المغرب
احتدم الجدال حول المناصفة بين الجنسين بقوة في ساحة النقاش العام
حنان حارت
المغرب - ، إذ تتعالى هذه الأيام أصوات الحقوقيات والسياسيات، من أجل تفعيل المساواة بين الجنسين، وحضور المرأة في الساحة الوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
أسفر النقاش الذي دام لشهرين تقريباً عن توقيع عريضة "تفعيل المناصفة الدستورية الفعلية في أفق 2030"، والتي ضمت أكثر من 20 ألف توقيع، تم رفعها إلى رئيس مجلس النواب. ويأتي ذلك على بعد أشهر من انطلاق الانتخابات التشريعية.
هذه المبادرة التي تبناها ائتلاف "المناصفة دابا" أي "المناصفة الآن"، وهي مبادرة مدنية تضم عدداً من جمعيات الدفاع عن حقوق النساء والإنسان والقيادات الحزبية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني وأساتذة وإعلاميين، تهدف حسب القائمين عليها، إلى جعل المناصفة المعلنة في عدد من البرامج والخطابات والمناسبات فعلية يؤطرها القانون، على أن تقدم معالجة أفقية لحقوق المرأة المغربية، علاوة على تشكيل مقاربة مندمجة يتعين على جميع الأطراف تنفيذها.
وتطالب العريضة بإعطاء المناصفة الانتخابية الأولوية في الورش التشريعي المتعلق باستحقاقات 2021 وما يليها، وبألا يقل عدد النساء في المؤسسات والهيئات المنتخبة على المستوى المحلي عن 30 في المائة، وألا يقل حضورهنَّ في المؤسسات والهيئات المنتخبة على المستوى الوطني عن 40 في المائة، وألا يزيد عن 60 في المائة.
وكالتنا "وكالة أنباء المرأة"، وفي تطرقها لموضوع المناصفة بين النساء والرجال في المغرب، طرحت سؤالين محوريين على عدد من الفاعلات الحقوقيات والسياسيات البارزات في المغرب المدافعات عن حقوق المرأة، بشأن تعزيز حضور النساء في مجال تدبير الشأن العام، فكانت أسئلتنا كالتالي: ماذا بعد رفع عريضة المناصفة بين النساء والرجال إلى قبة البرلمان المغربي وهل يمكن للقوانين تجاوز العقلية الذكورية؟ وهل المناصفة ستنصف المرأة المغربية؟
وفاء حجي، وكيلة العريضة ومنسقة الائتلاف أوضحت أن انتظار نتائج هذه العريضة لا يعني فقط أعضاء الحركة، بل يهم أيضا كل من وقع وتعاطف مع هذه المبادرة التي تطالب بتفعيل الفصل 19 من الدستور وكل المواثيق الدولية المعنية بالنهوض بقضايا المرأة والتي التزم بها المغرب، مشيرة إلى أن الائتلاف مستمر في الدفاع عن هذا المشروع عبر مجموعة من الإجراءات أهمها إعداد أوراق تقترح مجموعة من الاصلاحات القانونية التي يمكن أن تتحقق فيها المناصفة في جميع المجالات، مضيفة أن أمل الحركات النسائية في المغرب يبقى تجاوب المؤسسة التشريعية مع كل الطموحات التي تم رفعها في العريضة إلى قبة البرلمان المغربي.
وتتوقع وفاء حجي رداً إيجابياً من الأحزاب السياسية وكذا الحكومة، ومرد ذلك التعاطف الذي لمسه الائتلاف من لدن الجميع خلال المشاورات واللقاءات الترافعية التي واكبت المشروع من بدايته، حسب منسقة الائتلاف.
وأضافت أن الهدف الجماعي هو اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لأجل تفعيل أحكام الدستور وعلى سبيل الأولوية اتخاذ القرارات التي سوف يترتب عليها وجود تمثيلية نسائية في المرحلة الانتخابية المقبلة المزمع انطلاقها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وفي تعليقها عما يقال لدى عامة المواطنين المغاربة، إنه أولا يجب تغيير العقليات المتحجرة، قبل التفكير في استصدار قانون يؤطر المناصفة، قالت وكيلة العريضة ومنسقة الائتلاف وفاء حجي إن تغيير العقليات لا يمكن أن يتحقق إلا بتفعيل القوانين، لكونها تنظم أغلب الممارسات داخل المجتمعات، فحينما تكون القوانين ملزمة لأجل تحقيق فعل معين سوف يتعود عليها الجميع؛ مواطنين ومسؤولين، ولكون الأمر مرتبط بالديمقراطية، فإنه بعد إصدار قانون يؤطر هذا الأمر سوف يتطبع معه المجتمع المغربي، حسب اعتقادها.
انصاف المرأة داخل الأحزاب أولاً
من جهة أخرى تعرف الأحزاب المغربية سيطرة قيادات ذكورية على التزكيات واللوائح، وهو ما يجعل العديد من المناضلات متخوفات من استمرار تحكم السياسيين في توزيع مقاعد الترشيحات فيما بينهم، وإقصاء الكفاءات النسوية عن الاستحقاقات المقبلة، ومن جهتها دعت بشرى عبدو مديرة مركز التحدي للمواطنة التابع لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة، قادة الأحزاب السياسية في المغرب إلى إنصاف المرأة أولاً داخل الأحزاب، قبل الانخراط في مبادرة رفع عريضة تفعيل المناصفة التي جرى رفعها أخيراً إلى مجلس النواب المغربي، وذلك بالترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة كوكيلات للوائح مناصفة مع الرجال، ولتأكيد حضور المرأة المغربية بشكل قوي في المعركة الانتخابية.
وأضافت بشرى عبدو أنه آن الأوان لفتح المجال أمام المناضلات السياسيات اللواتي قدمنَّ خدمات وتضحيات في هيئات أحزابهنَّ، لأجل الترشح في اللوائح النسائية، وفق معايير الكفاءة والنضال السياسي، وإعطائهنَّ الحق في قيادة اللوائح المحلية في المدن، عوض منح الرجال الأولوية في الحصول على التزكيات، وتضيف عبدو أنه بحصول ذلك سيكون المغرب خطى أولى خطواته نحو المناصفة.
وتتفق خديجة بركات مديرة الملتقى العام للمنظمات الأهلية العربية والإفريقية، مع بشرى عبدو حول تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين على صعيد التمثيلية النسائية، وشددت على أنه "يجب ألا تظل المرأة تابعة للرجل فما دمنا نؤكد على طرح نقاش المناصفة في هذه الظرفية، فإنه يجب أن تصدر اللوائح الانتخابية خلال الانتخابات المقبلة".
وأبرزت خديجة بركات أنه علاوة على حضور المرأة المغربية في السياسة، فإن حضورها في جميع المجالات، يبقى ذا أهمية وآثار إيجابية على الأسرة أكثر من الرجل، خاصة وأن الحركة النسائية في المغرب تنتظر رفع التحفظات عن عدد من المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة وأيضا ترسيخ مقاربة النوع الاجتماعي والسياسات العمومية ومبدأ التمييز الايجابي في المجال السياسي.
وأشارت خديجة بركات مديرة الملتقى العام للمنظمات الأهلية العربية والإفريقية، إلى أن نجاح المناصفة الآن مرتبط بتغيير العقليات وتغيير النمطية والذهنيات والأنا. حيث أنها لم تستبعد وقوف العقليات الذكورية عائقا أمام لائحة المناصفة التي تم رفعها إلى مجلس النواب، فلا يمكن فصل التمثيلية عن الديمقراطية، لأن الشكل التنميطي مسيطر ويسيء للعملية الانتخابية برمتها، على حد قولها.
وعلقت البرلمانية حنان رحاب عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قائلة "إن الدستور المغربي جاء فيه أن الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية... كما نص على أن تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وهذا السعي الذي كانت تأمل النساء المغربيات أن يكون سعياً جاداً وبوتيرة معقولة، يسجل أنه سعي بطيء جداً رغم الإرادة السياسية المعبر عنها من قبل أعلى سلطة في البلاد، وفي الكثير من المحطات والمناسبات".
وحول إن كانت المناصفة ستنصف المرأة المغربية أجابت النائبة البرلمانية "إن التغيير حتمي، إلا أن الجهود الحميدة التي تراعي مصلحة البلاد، وإجماعها على عدد من القيم، من شأنها أن تساعد على تسريع وتيرة التغيير، تغيير واقع يتنافى مع روح الدستور والإرادة التي عبر عنها عاهل البلاد في أكثر من مناسبة وفي أكثر من خطاب ورسائل".
صعوبات تعيق مبدأ المناصفة
وتعتقد حنان رحاب أن أهم تفعيل المناصفة في المغرب هي عدم التشبع بروح الدستور، وعدم توفر القناعة لدى الساهرين على الشأن العام بأن المساواة بين الجنسين مبدأ ضمنه الدستور وأن المناصفة حق من الحقوق الدستورية.
وأوضحت أن عدد النساء في المناصب العليا بلغ 137 تعييناً، من أصل ما مجموعه 1160 منصباً، وهو ما يمثل نحو 12 بالمائة فقط من مجمل التعيينات منذ سنة 2012، وهذا الرقم له الكثير من الدلالات خصوصاً في ظل دستور أجمع عليه المغاربة والأجانب على أنه دستور متقدم، ولعل هذا الرقم يعكس أيضاً غياب الإرادة لدى المسؤولين في التجاوب مع روح الدستور، ذلك أن الشروط التي توضع في وجه النساء من أجل اعتلاء هذه المناصب تصير تعجيزية، إذ رغم كفاءة العديد من النساء وتأهيلهنَّ لهذه المناصب، من حيث الخبرة والتكوين الأكاديمي والبدل والعطاء، إلا أنها لا تتدرج في المسؤوليات، لتجد نفسها أمام شرط أساسي وهو الأقدمية لمدة 15 سنة في منصب من مناصب المسؤولية، فكيف لها أن تتجاوب مع شرط 15 سنة وهي لم توكل إليها هذه المسؤولية، ولذلك لو كنا متشربين لروح الدستور، وحريصون على السعي نحو المناصفة لكنا أقدمنا على وضع تمييز إيجابي ينصف النساء، خصوصاً اللواتي لهنَّ من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهنَّ لهذا المنصب أو ذاك.
وعن رأيها حول استصدار قانون يؤطر المناصفة، تقول عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حنان رحاب "أعتقد أن القوانين توضع لتحترم بالتأكيد، وأن العقلية الذكورية تشكل خطراً على المناصفة حين يكون المسؤولون هم من يعتنقونها ويحملونها، أما العقلية الذكورية التي يقال إن الرجال والنساء يحملونها، فهي تحتاج من الجميع الاشتغال على الجوانب الثقافية، وعلينا محاربة هذه العقلية لدى الناشئة من خلال برامج تعليمية ومناهج تربوية تزرع قيم المساواة بين الجنسين وتقوي ثقافة عدم التمييز، والوعي بالحقوق والواجبات".
ويرجع النقاش حول المساواة بين الجنسين في المغرب إلى ما كان يعرف بـ"خطة إدماج المرأة في التنمية"، أي قبل عدة سنوات منذ أن حدث انقسام في الشارع بين الحداثيين والإسلاميين، وبعدها جاء الدستور الذي طرحه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وصوت عليه المغاربة في تموز/يوليو من سنة 2011، والذي كفل للمرأة المغربية حق المناصفة، حيث حمل عنوان الحريات والحقوق الأساسية، ونص فيه الفصل 19 على أن "الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ومكافحة كل أنواع التمييز"، وهي البنود التي تشكل تحرك الجمعيات الحقوقية المغربية، التي تنتقد العقليات المتحجرة وتأخر حكومة الإخوان التي مر على تنصيبها ما يقارب تسع سنوات في التعاطي مع تفعيل مبادرة المناصفة.