في العراق يمكن للمرأة أن تقود ثورة جديدة

ما لم تنهض جميع النساء في كل مكان بصوت واحد ضد هذه العقلية، فلن يتمكن من تدمير النظام الذي سيطر على العالم بأسره.

مزكين مارينوس

لماذا يتم سحق وتدمير الكثير من النساء في بلد تم بناؤه وتشكيله بأيدي النساء وأصبح مركزاً للحياة الثقافية للمجتمعات؟ لماذا ينفر الكثير من الناس من حقيقة وجودهن وهل مقدر لهن العيش داخل حدود جدران المنزل؟ بالطبع، هناك العديد من الأسئلة الأخرى التي يجب طرحها والبحث عن أجوبة لها. وللإجابة على هذه الأسئلة، يجب على المرء أن ينظر ويدرس واقع إنشاء العراق بين أيدي الدول القوية والمحتلة، بما في ذلك القوانين الخاصة بالمرأة.

ونتيجة لذلك، قامت الدولة والسلطة، بإنشاء هذه السلطة على عمل النساء والأمهات وكذلك قتل وتدمير قيم المجتمع لسنوات طويلة وبأساليب قاسية.

 

العراق محاصر من الدول القومية منذ عقود

تعيش الحكومة العراقية في يومنا الراهن أكثر فتراتها اضطراباً وصراعاً وضعفاً بسبب تدخل دول إقليمية ودولية. ومنذ بداية تشكيل الحكومة تم إقصاء المرأة وإبعادها عن المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذا فإن البلاد الآن تتجه نحو الانهيار في كل مجال. ففي العراق، تشكل النساء نسبة أكثر من 50 في المائة من عدد السكان، لكن في الانتخابات التي أجريت قبل 9 أشهر من الآن، كان بإمكان 5% فقط من النساء المشاركة في الانتخابات. إذا نظرنا إلى الوضع في العراق الآن؛ فإننا سنجد بأن العراق يخضع لسلطة الدول القومية، وفقد ظروف وإمكانية صنع القرار ليكون قادراً على تأسيس إدارته الخاصة بقوته. وبسبب نفس المشكلة وصلت مشاكل الناس في المجتمع إلى أعلى مستوى بسبب غياب الحكومة والصراعات الحالية. فالسياسة الحالية في العراق زادت من نسبة الفقر، البطالة، جرائم مرتكبيها مجهولون، انحطاط الأخلاق، القتل، الاعتقال، الخطف... إلخ، وقادت البلاد إلى أسوأ الأوضاع. بعبارة أخرى، يمكن للمرء أن يقول إنه نتيجة لكل هذه الآلام والشرور، فإن النساء هن من يدفعن الثمن ويعانين أكثر من غيرهن. لهذا السبب، عندما ينظر المرء إلى التقارير المعدة بشأن وضع المرأة خلال الستة أشهر الأخيرة فقط، يمكن للمرء أن يفهم كل شيء.

 

على الرغم من وجود العديد من المؤسسات والهيئات النسوية في إقليم كردستان، إلا أنها لم تستطع الاستجابة للمشاكل؟

على الرغم من إنشاء عشرات المؤسسات والهيئات لحماية حقوق المرأة في العراق وإقليم كردستان، إلا أن هذه الهيئات لم تستطع أبداً الاستجابة للمشاكل التي تواجهها المرأة في المجتمع، والقضاء على مشكلة قتل النساء. فهذه المؤسسات ليس لديها مبادرة ولا يمكنها الخروج عن قوانين المرأة الموجودة في اللوائح الحكومية المكتوبة بذهنية الرجل. هذه المؤسسات والمنظمات فقط شكلية وليس لديها ردود فعل قوية من شأنها أن تحدث تغييراً وتواجه سياسات الإبادة المتبعة ضد النساء. ومهما كان السبب، فإن قتل وإبادة النساء هو سياسة. لأن القتلة يعرفون أن هناك نظاماً يدعمهم، لذا يقومون بقتل وإبادة النساء دون تردد. فقط في العراق، عندما ينظر المرء إلى معدل القتل والعنف الممارس ضد المرأة، يجد أن هذا المعدل يتزايد كل عام منذ قيام الدولة وحتى الآن. ووفقاً لتقارير منظمة العون القانوني للمرأة في إقليم كردستان، أحرقت 29 امرأة نفسها أو تم حرقهن بسبب المشاكل الاجتماعية في الأشهر الستة من عام 2022 وانتحرت 31 امرأة، وقُتلت 22 امرأة بحجة جريمة شرف ومشاكل اجتماعية.

المرأة والحياة مفهومان لا يمكن فصلهما بأي شكل من الأشكال وإيجاد معنى كافي بدون بعضهما البعض. مفهومان لا يمكن التفكير بهما بدون بعضهما. لذلك، من حيث الكلمة والمعنى هما كلمتان تكملان بعضهما البعض. فمنذ بداية خلق الإنسانية وتشكيل المجتمعات حتى يومنا الراهن، تم نسج حياة التنشئة الاجتماعية بأيدي النساء خطوة بخطوة حتى وصلت إلى هذا المستوى.

 

لأول مرة نثرت النساء بذور الحياة على هذه الأراضي

العراق الذي كان مضيافاً للبشرية في كل مرحلة منذ بداية الحياة البشرية وحتى اليوم؛ يتجه نحو الجحيم تحت براثن السلطات. على هذه الأراضي نثرت النساء بذور الحياة لأول مرة. وعلى هذه الأراضي، أنشأت المرأة حياة مشتركة لأول مرة ورسخت الثقافة والأخلاق واللغة والعلاقات الإنسانية في المجتمع من أجل استمرار الأجيال الجديدة وقادت الحياة نحو التنشئة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع أساس المعرفة والعلم والفلسفة والحب في هذه المناطق بناءً على عمل وجهد المرأة. ولكن تم الاستحواذ على عمل المرأة الذي كان يمهد للإنسانية منذ آلاف السنين من قبل الرجل المهيمن، وانقلبت حياة المجتمع رأساً على عقب. فقد أفسد وعي وذهنية الرجل المهيمن الأخلاق في المجتمع وقسم الناس وخلق الطبقات وشل العلاقات الاجتماعية وبنى نظامه على العمل الذي تم بناؤه بجهود الناس. بالطبع لم يحدث هذا في فترة قصيرة من الزمن، لقد تغير هذا التاريخ خلال مراحل طويلة المدى وأساليب وحشية تم إنشاؤها بوعي وذهنية الرجل.

 

وضعت القوانين بواسطة عقلية الرجل المهيمن

في فترة وصول الإسلام إلى هذه المنطقة، تمت تغطية النساء اللواتي خلقن الحياة بغطاء أسود وسجن في المنزل. ومع إنشاء وتطوير النظام الرأسمالي، اعتبرت المرأة وسيلة وأداة للتكاثر في المنزل من ناحية، ومن ناحية أخرى تم استخدام أجساد النساء كإعلان وأدوات للتسويق من خلال ذهنية الحرية الليبرالية الزائفة. لقد استُبعدت النساء من العلوم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتم سجنهن في المنزل. وأصبح نظام حكومة العراق ومن ضمنها نظام الحكومة الفيدرالية لإقليم كردستان، التي صيغت قوانينها على أساس مزيف ووعي الرجل المهيمن والتي لا يمكن لأي امرأة أن تتعايش فيها مع حقيقة وجودها وهويتها الأصلية نظاماً لإبادة النساء.

منذ الصغر، يتعلم كل رجل أن يصب غضبه الداخلي وكراهيته على المرأة ويعتبر ذلك من حقه. حيث تعتبر النساء اللواتي تشكلن نصف المجتمع الجنس الثاني الذي يحتل المرتبة الثانية بعد الرجال. لذا يقوم الرجل الذي لا يستطيع القيام بمسؤولياته في الأسرة بصب غضبه على زوجته وأولاده، أيضاً عندما يغضب من الخارج يعود إلى المنزل ويصب غضبه على زوجته وأولاده. وبسبب عقلية الرجل الذي يعتبر المرأة على أنها شرفه، فإن المرأة تقتل في كل ميدان وساحة بأصغر وأتفه الأعذار والحجج وأيضاً بحجة أنه "لم يترك شرفه على الأرض'' من قبل الأب، الأخ، الحبيب والزوج، وتتعرض للتحرش والاغتصاب والعنف الشديد. متى تخرج ومتى تعود إلى المنزل، وماذا ترتدي، وماذا تخطط لحياتها في المستقبل، لا يحق لأي امرأة أن تقرر حياتها. حيث تتخذ هذه القرارات في إطار القواعد والأنظمة التي تم وضعها للمرأة في الأسرة والمجتمع بذهنية الرجل.

 

مزقت المرأة الكردية كفن الموت بفضل الثورة

حسناً، كيف يمكن للمرأة أن تنقذ نفسها من هذا الوضع الخطير؟ كيف يمكن للمرأة أن تعيد هذه الحياة التي أصبحت جحيماً إلى حياة حرة؟ تتمتع النساء بطبيعتهن بروح التمرد والمقاومة، خاصة نساء الشرق الأوسط والكرديات. ففي كردستان، قامت النساء بفضل جهود القائد عبد الله أوجلان، بتمزيق كفن الموت والتمرد والانتفاض والكفاح ضد وعي 5000 عام من الاضطهاد والقمع الذي كان يمارس على المرأة ومازال يمارس عليها. أصبح هذا التمرد منارة وشعاع أمل لجميع نساء العالم. إذا لم تنهض وتنتفض النساء في بلد مثل العراق وأصبحن قائدات للثورة، فمن المستحيل حل المشاكل التي تتخبط فيها العراق الآن. فالثورة النسوية تخلق ثورة المجتمع في نفس الوقت. والمرأة الحرة تخلق مجتمعاً حراً، لذا يجب ترسيخ حرية المرأة في المجتمع كثقافة وأخلاق لأن المرأة هي التي تبني المجتمع وتحمي قيمه وأعرافه. ومن الضروري أن تعزز المرأة نضالها أكثر من أي وقت مضى ضد كل أنواع الإبادة الجماعية والنظام القمعي للرجل. ما لم تنهض جميع النساء في كل مكان بصوت واحد ضد هذه العقلية، فلن يتمكن من تدمير النظام الذي سيطر على العالم بأسره.