المرأة والصراعات... من المنتصر في حرب التاريخ الحديث؟
في ظل الحروب والنزاعات التي يشهدها الشرق الأوسط إلى أين تسير المنطقة؟ وما هو واقع المرأة في ظل ما يحدث؟
فاديا جمعة
بيروت ـ أكدت الإعلامية اللبنانية نعمت بدر الدين أن الانتهاكات الحاصلة في الحروب والأزمات أسفرت عن حدوث مستويات أعلى من العنف ضد النساء والفتيات، وما يحدث في غزة ما هو إلا نسفٌ لكل القوانين الدولية والإنسانية وضرب لمصداقية المجتمع الدولي.
ما يجري في غزة ولبنان وسوريا والعراق والسودان، يدل على أن المنطقة تمر بمنعطف خطير مشرع على احتمالات عديدة، ولا أحد يعلم إلى ماذا ستفضي التطورات المحتملة في سياق هذا الصراع المحتدم، ما هو لافت للانتباه أن المرأة لم تعد بعيدة عن الأحداث، فالتحركات النسوية عبرت عن رفضها لحرب الإبادة التي يتعرض لها المدنيين في غزة ولبنان وغيرها من الدول سواء العربية أو الغربية، فضلاً عن نضالات يومية تكرس حضور المرأة أكثر في الميدان العام سواء ناشطة أو مؤثرة في سياق المشهد السياسي العام.
في هذا الإطار قالت الإعلامية اللبنانية والناشطة السياسية والاجتماعية نعمت بدر الدين إن "المنطقة منذ فترة طويلة تشهد سلسلة من الحروب المتواصلة والمتنقلة من بلد لآخر تبعا لما يقتضي الصراع الأشمل الدائم والتاريخي الذي بدأ من تأسيس إسرائيل وتهجير الفلسطينيين، وهو صراع للسيطرة على الموارد والممرات والمقدرات بين قوى الاستعمار الجديدة والقوى الاستقلالية المعبرة عن إرادة "السكان الأصليين"، والمرحلة الحالية هي امتداد لغزو العراق عام 2003 وبعده العدوان على لبنان عام 2006، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مشروعها لبناء شرق أوسط جديد تبين فيما بعد أنه عبارة عن مجموعة دول منزوعة السيادة والسلاح، وهذا المشروع لاقى مواجهات دفاعية قامت بها دول وقوى ومنظمات شعبية".
وأشارت إلى أن "ما يحدث في غزة على مرأى ومسمع العالم وبإقراره ودعمه أو بمجرد السكوت عنه وعدم القيام بما يلزم لمنعه وإيقافه وملاحقة مرتكبي الجرائم ما هو إلا نسفٌ لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وضرب لمصداقية وبراءة المجتمع الدولي في الصميم، فالساكتُ عن العدوان هو معتدٍ آثم ويعتبر شريكاً في الجرائم ويستحق الملاحقة الجنائية والإدانة والعقاب".
وعما يحدث في سوريا والعراق ولبنان تقول "هناك سوريا المحاصرة بقرار من الكونغرس الأمريكي تلتزم به دول العالم، والأزمة الاقتصادية والحرب المشتعلة على الحدود العراقية السورية، وأزمة النازحين الذين يعانون في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، وكذلك لبنان الغارق في أزمة نظامه السياسي الطائفي وجشع السلطة السياسية المقيت، والواقع بين شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتخلي المجتمع الدولي عنه حيث جرى وقف الدعم عنه ودفعه إلى الانهيار وتطبيق حصار غير معلن عليه، كما أن لبنان لا يزال غارقاً في الفراغ الرئاسي والسلطة التنفيذية لا تزال تصّرف الأعمال والمجلس النيابي معطّل، لا يجتمع نوابه إلا لإقرار موازنة ترهق ضرائبها كاهل الشعب فيما أموال المودعين لا تزال محتجزة لدى المصارف فيشهد التاريخ على أكبر سرقة"، لافتةً إلى أن "لبنان بلد غارق في أزمة اقتصادية غير مسبوقة زادها استعصاء ملايين النازحين السوريين الذين أصبحوا يتسابقون مع سكان البلد على من يرحل في قوارب الموت، بينما القصف على جنوب البلاد يحصد أرواح المدنيين العزل".
وبينت نعمت بدر الدين أن مختلف التطورات الخطيرة الجارية تكاد تغير خارطة المنطقة العربية، مؤكدةً أن "نتائج هذه التطورات يحددها سير الحروب الدائرة بين محورين باتا معروفين ومعلنين، والساحة الرئيسية لهذه الحرب الآن هي غزة، ولا مبالغة في القول إن نتائجها هي التي ستحدد صورة المنطقة ومستقبلها، إننا أمام حرب ذات طبيعة تاريخية ولعل هذا ما يفسر حجم الإجرام فيها، فالقوى العالمية لا تزال مصرة على تسيّد الكون ولا تريد التراجع في هيمنتها المكلفة، وهي تقاتل في بلادنا دفاعاً عن هذه الهيمنة من خلال هدر دماء ونهب مقدرات شعوب المنطقة، واستماتتها في التصدي لصعود عدد من الدول تزيل أوراق التوت التي كانت تغطي سياساتها العدائية والتوسعية وهذا بحد ذاته مؤشر ضعف تلاحظه الشعوب والقوى المناوئة له، خصوصاً في منطقتنا".
وعن واقع المرأة في ظل ما هو قائم من حروب وأزمات قالت "تواجه النساء في النزاعات والحروب والأزمات تحديات متعددة تتراوح بين الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن أن يسفر النزاع عن حدوث مستويات أعلى من العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك عمليات القتل العشوائي والتعذيب والعنف الجنسي والزواج القسري، وتتعرضن بصفة رئيسية وعلى نحو متزايد للاستهداف من خلال العنف الجنسي، بما في ذلك استخدامه كأسلوب من أساليب الحرب".
وأضافت "يمكن أن تواجه الفتيات عقبة إضافية تعترض سبيل حصولهن على التعليم وذلك لأسباب من بينها الخوف من الهجمات والتهديدات المحددة الهدف التي تُوجه لهن، وكذلك المسؤوليات الإضافية المتعلقة بتقديم الرعاية والقيام بالإعمال المنزلية والتي كثيراً ما تكون الفتيات مُجبرات على القيام بها، كما تُجبر النساء على البحث عن مصادر بديلة لكسب الرزق، ويمكن أن يتعذر حصولهن على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية بما فيها خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وتزداد بالتالي إمكانية تعرض النساء والفتيات لتزايد خطر الحمل غير المخطط له والإصابة بالأمراض الجنسية والإنجابية الخطيرة".
وأكدت نعمت بدر الدين أن المرأة في الشرق الأوسط تستطيع لعب الأدوار الأساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية "المرأة هي الأساس ويمكنها أن تكون فاعلة ومؤثرة في إحلال السلام والمشاركة في عمليات الحوار الداخلي وصنع القرار في بلدها، وهناك ضرورة لمشاركة النساء النوعية في عملية صنع القرار وأخذ المبادرة، فلو أردن انتظار الإدارة السياسية في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والأردن لتعطيهن الفرصة فهي حتماً لن تأتي"، مضيفةً "عليهن العمل والضغط على المشرّع وصناع القرار من أجل تنفيذ الخطط الوطنية التي تهدف إلى تنفيذ القرار 1325 المتمثل في محاور الوقاية والحماية والمشاركة والإغاثة وبناء السلام وإعادة الإعمار والتوعية والمناصرة، لذلك على المرأة انتزاع الفرص لتنفيذ السياسات كشريكة فاعلة وحقيقية في التنمية والبناء والمصير الاجتماعي".