المغربيات في عالم السياسة... أزمة قوانين أم العقلية الذكورية؟

حسب إحصائيات رسمية، تشكل المرأة المغربية أكثر من نصف السكان، بحيث يقدر العدد بـ 17.67مليوناً، ويغلب عليها الطابع الشبابي، وهو ما يجعلها شريكاً أساسياً في تحقيق التنمية المجتمعية

حنان حارت
المغرب ـ .
لا يرتبط إدماج العنصر النسوي في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة المغربية فقط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى مؤسسات الدولة بقدر ما يرتبط بتمكينها الفعلي في اتخاذ القرارات، لكن ذلك  يصطدم بعدد من الاكراهات التي تعوق هذه المشاركة، وكالتنا وكالة أنباء المرأة تسلط الضوء في التقرير التالي، على مشاركة النساء المغربيات في السياسة؟ ولم ظل حضورهن محدوداً؟ وما طبيعة العراقيل التي تعترض وصولهن لمراكز القرار الحزبي؟ وهل لذلك علاقة بالموروث الثقافي؟ أم أنها أزمة قوانين؟
دخول المرأة المغربية إلى المعترك السياسي تصويتاً وترشيحاً كان سنة 1963، وبعد ثلاثين عاماً من النضال، أي في سنة 1993 تمكنت من عبور قبة البرلمان نائبتين فقط، هما بديعة الصقلي ولطيفة بناني سميرس، فيما لم تعرف انتخابات عام 1997 أي تغيير في عدد المترشحات.
عرفت انتخابات عام 2002 قفزة نوعية وتحولاً كبيراً، حيث فازت في هذه الانتخابات 35 امرأة؛ هذه النقلة النوعية جاءت نتيجة اعتماد نظام الاقتراع باللائحة النسبي (كل حزب يقدم مرشحيه في لائحة واحدة)، وأيضاً اعتماد نظام "الكوتا"، حيث خصصت 10 في المئة من مقاعد مجلس النواب للنساء، ما ضمن 30 مقعداً لهن في انتخابات 2002، والتي عرفت فوز 35 امرأة، ومن بعدها انتخابات 2007، والتي فازت فيها 34 امرأة.
في حين أن الانتخابات التشريعية المبكرة لسنة 2011، تم فيها تخصيص 60 مقعداً عوضاً عن 30 والتي كانت معتمدة في الاستحقاقات السابقة. 
وعلى المستوى الحكومي حصلت المرأة على ثلاث حقائب وزارية عام 2002، فيما حكومة 2007 عرفت تعيين 7 وزيرات، على رأس وزارات لها وزن كبير كوزارة الصحة والشباب والرياضة ووزارة الطاقة والمعادن.
هذا المنحى التصاعدي لتولي المرأة للمناصب الوزارية، تراجع مع حكومة الإسلاميين خلال سنة 2011، والتي  ترأسها حينذاك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله ابن كيران، حينها لم تحظَ سوى امرأة واحدة فقط بحقيبة وزارة التضامن والمرأة، وهو ما خلق استياءً في صفوف المنظمات النسوية.
وبعد إقالة العاهل المغربي الملك محمد السادس لعبد الإله ابن كيران من منصبه، بعدما لم يتمكن من تشكيل الحكومة، وتم تعيين سعد الدين العثماني زميله في الحزب خلفاً له، حاول هذا الأخير الرفع من تمثيلية النساء، فتولت النساء ثمانية مناصب وزارية، إلا أنه سرعان ما تقلص تمثيلهن مع تقليص عدد أعضاء الحكومة إلى 23 وزيراً، وأضحى عدد النساء المستوزرات أربعة في الحكومة الحالية.
الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب تعد واحدة من الجمعيات التي تدافع وبشدة عن حضور المرأة في المشهد السياسي المغربي، فكيف ترى موقع المرأة في الساحة السياسية؟ وكيف ترى تعاطي الحكومة المغربية مع مسألة تمثيلية النساء في المؤسسات السياسية؟.
 
غياب إرادة حكومية
فيما يتعلق بالشق السياسي تقول عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح لوكالتنا، ما تزال مكاسب النساء المغربيات في هذا المجال هشة، فالأمر يتعلق بغياب إرادة سياسية للحكومة التي لا تريد القيام بمجهودات بخصوص توسيع التمثيلية للنساء، على حد تعبيرها.
وقدمت خديجة الرباح بعض المعطيات المتعلقة بتمثيلية النساء في البرلمان المغربي، بحيث لا يشكلن إلا 20% فقط، في حين لا تتعدى نسبتهن إلا 3% في الجماعات، فيما لا يتجاوزن في مجالس العمالات 5%، أما على مستوى الغرفة الثانية أي مجلس المستشارين تصل النسبة إلى 11%.
 
حضور باهت
تؤكد خديجة الرباح، بأن مشاركة النساء المغربيات في السياسة باهت، فنسبة ولوج النساء إلى المؤسسات المنتخبة خاصة في البرلمان والجماعات ومجالس العمالات تبقى هزيلة جداً، وإلى الآن لم يتم تحقيق مبدأ المناصفة الذي تم التنصيص عليه في الدستور. وأضافت قائلة "للأسف لم نراوح مكاننا في تفعيل المقتضيات الدستورية، وهذا يظهر أن كافة النضالات التي تقوم بها الحركات النسائية في المغرب من أجل تعزيز المشاركة السياسية للنساء لم تجد آذاناً صاغية خاصة لدى الرجل السياسي".
وإذا كان نظام "الكوتا"؛ فرض على الأحزاب السياسية فتح الباب أمام النساء القياديات، من أجل تأهيلهن لتمثيل الحزب في الأوساط السياسية، فالواقع يوضح عكس ذلك، حيث أن الاهتمام بالمرأة ما هو إلا ضرورة اقتضاها التسويق الخارجي، وأن القيادات الحزبية لا تثق كثيراً في أداء المرأة ووضعها في دوائر القرار.
تعلق خديجة الرباح قائلة "إن الأحزاب في المغرب لم تقم بالمجهود المطلوب منها فيما يتعلق بالبحث عن كوادر وكفاءات نسائية على المستوى المحلي، كما أن الأحزاب في المغرب لا تريد أن توضح مواقفها الأصلية من المشاركة النسائية".
 
المرأة في السياسة بالأرقام
حسب بيانات الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014، والانتخابات الجماعية لسنة 2015، فإن الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 35 ألف نسمة، يؤدي فيها اختيار مقعد تكميلي، بدل اللائحة الجماعية الخاصة بالنساء إلى إضعاف موقعهن، ويفرض عليهن أن يكن خلف الرجل وعرضة لهيمنته، وتوجد جماعتين في إقليم الخميسات ( يقع على بعد 86 كم عن العاصمة الرباط) وهما الغوالم وأولماس، لا تحققان العتبة القانونية.
وهناك جماعات قليلة جداً تتجاوز العتبة القانونية، فمثلاً جهة الدار البيضاء سطات، وجهة الرباط سلا القنيطرة، يتجاوز التمثيل النسوي العتبة القانونية في 52 جماعة فقط، بحيث تمكنت 25 امرأة فقط من الفوز بمقاعد من بين 3927 مقعداً متوفراً؛ أي أن 0.6 في المئة من الأعضاء المنتخبين في انتخابات المرشح الواحد، دون احتساب المقعد التكميلي، هن نساء. 
 
ثلاث نساء يترأسن دائرة من أصل 26
وتعد جماعة الهرهورة (جماعة شبه حضرية تابعة لعمالة الصخيرات تمارة بجهة الرباط سلا القنيطرة)، تعد الوحيدة التي تضم أقل من 35 ألف نسمة، إذ نجحت امرأتان في تحقيق هذا الإنجاز، في حين لا تترأس النساء سوى ثلاث دوائر من أصل 26، وهي مقاطعة حسان في الرباط ومقاطعتي تابريكت وبطانة في سلا، ما يجعل مدينة سلا المدينة المغربية التي تشغل فيها النساء أكبر عدد من المناصب القيادية.
 
غياب إرادة حزبية
نظام الانتخاب على دورتين لتعيين الرؤساء لا يصب في مصلحة النساء، وذلك لغياب إرادة حزبية لتعزيز حضورهن على مستوى المناصب الرئيسية، ففي الوقت الذي تمثل النساء 21 في المائة من أعضاء المجالس الجماعية، فإن 17 منهن فقط تمكن من رئاسة جماعة ما، أي 1.1 في المائة من الجماعات المغربية، هناك مجلس عمالة واحد تترأسه امرأة، وهو مجلس عمالة مراكش (جنوب المغرب).
 
نتائج لا تعكس التطلعات
ومن جهتها تؤكد السياسية في حزب الأصالة والمعاصرة خديجة الكور، أن الجهود المبذولة على مستوى بلوغ غاية تحقيق المناصفة ومكافحة أشكال التمييز على مستوى الخطة الحكومية للمساواة (إكرام 2) 2017 ـ 2021 وهي خطة حكومية للمساواة، تراها غير كافية، لكونها وضعت مؤشرات كمية، فرغم أهميتها إلا أنها لم تأتِ بالنتائج المنشودة، ولم تعكس تطلعات السياسيات، وتضيف خديجة الكور قائلة "إن رهان المساواة بالمناصفة يبقى غير مكتمل وتحقيقها يبقى بطيئاً".
 
عوامل ثقافية
وتفسر الناشطة السياسية قائلة "إن الأمر ربما مرتبط بعوامل ذات طابع ثقافي، وهي التي تجعل مسار الانتقال غير مقنع لنا كفاعلات نسائية ضمن العمل السياسي، وأن التطلع إلى أفق المساواة بالمناصفة يستدعي بالموازنة مع جهود الفاعلين السياسيين، نضالاً خاصاً داخل البنيات السياسية من أجل تأكيد الوجود والحضور النسائي في المشهد السياسي المغربي، لأنه من الصعب أن نؤكد أننا تخلصنا من النزعة الذكورية، كما أنه من الأكيد أن العوامل الثقافية والاجتماعية لها تأثير على الممارسة السياسية، وهو ما يدفعنا كنساء إلى المساهمة الفعلية في تغيير هذه الثقافة من الداخل باعتبار أن الخطاب الحقوقي والقانوني يبدو في بعض الأحيان على أهميته غير كافٍ لتكريس المساواة بالمناصفة"، على حد قولها.
وتؤكد خديجة الكور أن حضور المرأة يبقى جد ضعيف في المؤسسات المنتخبة وطنياً وجهوياً وإقليمياً، حيث لم يتضمن القانون التنظيمي المتعلق بتأليف وتسيير أشغال الحكومة أي مقتضيات من شأنها إعمال المناصفة، كما لم تفرز الممارسة السياسية أي جديد في هذا الموضوع.
تضيف "الأكيد أن العمل الحزبي هو الواجهة النضالية للعمل النسائي بالموازاة مع العمل الجماعي والنقابي، لكن تحقيق المناصفة خصوصاً في الوصول إلى مراكز القرار والمسؤولية السياسية يتطلب الارتقاء بالعمل الحزبي لأن مراكز القرار مرتبطة بشكل كبير بالأحزاب السياسية والفعل السياسي. فأي تفكير في تحقيق المناصفة سياسياً فهو مرتبط ارتباطاً بالعمل الحزبي، ما يتطلب من  بالأحزاب ابتكار وإبداع آليات جديدة لتحقيق غاية المناصفة".
 
تجاوز الحضور الكمي
وحول تجاوز الحضور الكمي تقول خديجة الكور "طالبت الأحزاب بتجاوز الحضور الكمي والعددي للنساء إلى حضور نوعي من خلال تأهيل الأطر الحزبية لترسيخ الحضور الفعلي للنساء في العمل السياسي، وبالتالي كسب ثقة المواطنين لأنه في آخر المطاف نظام "الكوتا" مجرد وسيلة انتقالية تضمن تحقيق لا يتناسب مع حجم المرأة في المجتمع بنسبة 50.3 في المائة، وحضورها السياسي الذي لا يشكل في أكثر تقدير 21.18% و38% من المقاعد على التوالي على الصعيدين المحلي والجهوي".
 
عقلية ذكورية
أما الإعلامية حكيمة أوحاجو المهتمة بالشأن السياسي في المغرب، فهي ترى أن مشكلة المشاركة السياسية النسائية مركب فيه ما هو قانوني وجزء منه يرتبط بالعقلية الذكورية الموجودة داخل المجتمع.
تقول في تصريحها لوكالتنا "إن النساء السياسيات يعانين الأمرين من أجل إثبات أنفسهن داخل الأحزاب ناهيك عن الممارسة الحزبية التي يطغى عليها الفكر الذكوري حتى داخل الأحزاب التقدمية، تضيف السياسيات المغربيات أنه رغم "الكوتا" التمييزية التي منحها لهن القانون لم ينجحن بعد في بلوغ مناصب المسؤولية وحتى الآن لم تصل إحداهن لقيادة حزب مغربي، غير حزب واحد هو الذي تقوده امرأة.
وتشير الإعلامية المغربية إلى أنه حتى اللواتي يتمكن من بلوغ هيئات مثل المكاتب السياسية أو اللجان السياسية يحصلن عليها بدعم من الرجل خاصة بعدما تحولت "الكوتا" الخاصة بالنساء لمناصب يتم ترشيح الزوجات والأخوات والقريبات عوضاً عن النساء اللواتي تربين في الأحزاب.
ومن جانبها تقول طالبة شعبة العلوم السياسية هدى فجري (25 عاماً) "إنه رغم التقدم الذي تعرفه المرأة في المغرب، ورغم الحقوق التي يكفلها لها الدستور إلا أن  حضورها في السياسة ومراكز القرار يظل ضعيفاً مقارنة بالرجل، وهذا في رأيي له علاقة بالعقلية الذكورية التي لا ترغب بفسح المجال للنساء وريادتها لمواقع سياسية مهمة، لتظل دائماً تابعة للرجل ويظل متفوقاً عليها، كما أن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة تلزمه مشاركة مجتمعية شاملة لا جزئية، ولكي نفهم على نحو جيد مفهوم المشاركة السياسية، علينا مقاربة النوع الاجتماعي وإشكاليته الأساسية؛ فالنساء هن الضحية الأولى للفقر والبطالة والأمية وضعف المشاركة السياسية، وبالتالي لابد من تجاوز وتقليل الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة".
ومن أجل معرفة رأي الرجل في مسألة تمكين المرأة سياسياً، وهل يرى أن العقلية الذكورية هي التي تمنع المرأة من ولوج المؤسسات السياسية؟ اتصلت وكالتنا بأستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط بلعباس الوردي، فقال إنه رغم تسجيل ضعف في حضور النساء في المشهد السياسي، إلا أنه لا يمكن الإنكار بأن المشاركة السياسية للنساء منذ الاستقلال إلى الآن، تصاعدت  في المؤسسة التشريعية وتقلدن مناصب المسؤولية في الجهاز التنفيذي وهو ما يعتبر مكسباً حقيقياً للنساء المغربيات، مشيراً إلى أن هذا المنحى التصاعدي تحقق بالأساس بفعل الإرادة الملكية، التي تحث على ضرورة إشراك النساء في الحياة السياسية، إضافة إلى تأسيس صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء، وكذا اعتماد "الكوتا" بالبرلمان المغربي من خلال اللائحة الوطنية للنساء التي أعطت دفعة لضمان مشاركة المرأة في تدبير قضايا الشأن العام.
وتابع بلعباس الوردي قائلاً إن الرفع من التمثيلية النسائية تجد مقوماتها في مجموعة من مقتضيات دستور 2011، فالفصل (19) ينص على مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، والفصل (7) حدد مهمة الأحزاب السياسية في القيام بعملية تأطير المواطنات والمواطنين من أجل إشراكهم في الحياة السياسية.
مشيراً إلى أن رغم ذلك هناك بعض العقليات الذكورية مازالت حتى الآن لا تقبل بولوج المرأة في مراكز القرار السياسي على مستوى مبدأ المناصفة، مبرزاً أنه لتحقيق تفوق النساء سياسياً وضمان وصولهن لمراكز القرار الحزبي، يجب أن يتم وفقاً لخصوصيات المرأة التي تنسجم مع العادات والتقاليد المغربية للحفاظ على التوازن الأسري.