الكوتا النسائية.. خطوة مهمة لإنهاء تهميش المرأة سياسياً (2)
باعتبار أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية لأي دولة من العالم تعد من أهم المؤشرات الدالة على تقدم وتمتع تلك الدولة بالحرية والمساواة والعدالة
الكوتا النسائية في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا
مركز الأخبار ـ عملت العديد من الدول الغربية على إشراك النساء في السياسة بشكل أكبر وأكثر فاعلية من خلال تطبيق نظام الكوتا مع أن هذه التطورات في حقوق المرأة لا تنفي وجود عقبات كبيرة ما يزال على المرأة اجتيازها.
الكوتا في أمريكا اللاتينية
وافقت معظم دول أمريكا اللاتينية في العقدين الأخيرين على قانون الحصص "الكوتا"، بغية الحد من عدم المساواة بين الجنسين في الساحة السياسية وضمان فاعلية المرأة ومشاركتها في مراكز صنع القرار.
وتعتبر الأرجنتين أول دولة في العالم تطبق نظام الكوتا الترشيحية التي تجبر الأحزاب على ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها من خلال النظام الانتخابي الذي صدر في عام 1991، ما فتح الطريق أمام بعض الدول التي كانت تتبع قانون الحد الأدنى لعدد المرشحات وتخصيص نسبة معينة من مقاعد البرلمان للنساء لتحذو حذوها.
وعدلت دول أمريكا اللاتينية قوانين مشاركة المرأة في العمل السياسي وعليه ظهرت مجموعة كبيرة من النساء في مجلس النواب والشيوخ.
وطالبت الحركات النسوية في دول أمريكا اللاتينية خلال العقود الماضية إلزام الأحزاب السياسية بتحديد نسبة محددة للنساء لمواجهة التحديدات التي تقف عائقاً أمام مشاركتهن في الحياة السياسية، وكانت الأرجنتين أول من استجاب لهذه المطالب وفرضت نظام الكوتا على الأحزاب وتبعتها عدة دول.
فيما شهدت انتخابات التجديد النصفي في الدورة الـ 16 للكونغرس الأمريكي لعام 2018، صعوداً واضحاَ للنساء، حيث وصلت أكثر من 100 امرأة إلى مقاعد الكونغرس الذي شكل أعلى دورة في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أنها ما تزال منخفضة مقارنة بالعديد من البلدان التي تتمتع بنسبة تمثيل أعلى للنساء في مجالسها التشريعية بحسب ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وأوضحت تقارير أمريكية في عام 2013، بأن نسبة تمثيل المرأة في الكونغرس الأمريكي وصل إلى (23.7%) من أعضاء الكونغرس البالغ عددهم 535، أي حوالي ربع مقاعد مجلس الشيوخ، ووصلت نسبة تمثيلهن في مجلس النواب إلى (23.4%).
ومع استمرار سباقات الكونغرس، ستنضم إليه 141 امرأة على الأقل في عام 2021، محطماً الرقم القياسي البالغ 127 امرأة في عام 2019، وفقاً لبيانات مركز المرأة الأمريكية والسياسة في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من أنهن سيبلغن رقماً قياسياً إلا أنهن لن يبلغن المساواة مع الرجال في الكونغرس الأمريكي.
تصدرت رواندا قائمة الدول صاحبة أعلى معدل لتمثيل المرأة في البرلمان على مستوى العالم بنسبة بلغت الـ 60% في انتخابات مجلس النواب عام 2018، وفق تقرير أجراه الاتحاد البرلماني الدولي حول المشاركة البرلمانية للمرأة لعام 2018، تلتها كوبا التي بلغت نسبة تمثيل النساء فيها (53.2%) في البرلمان، بينما بلغت نسبة تمثيل النساء في مجلس نواب بوليفيا (53.1%)، وكذلك بلغت نسبة تمثل النساء في مجلس النواب المكسيكي (48.2%).
التحايل على الكوتا
لم تصل الكوتا النسائية دائماً إلى النتيجة المرجوة، فمثلاً في البرازيل (11%) فقط من أعضاء مجلس النواب هم من النساء على الرغم من أن نسبة الكوتا تمثل (30%)، ويقوم عدد من الأحزاب السياسية بجعل أكثر من مرشحة تتنافسن على مقعد واحد في البرلمان، وفي بعض الأحيان تلتزم الأحزاب بحصة المرأة ولكنها تدعم المرشحين الرجال.
بينما تلجأ بعض الدول إلى حيل أخرى لدعم المرشحين الرجال، كما حدث في بوليفيا، حيث قام المرشحون الرجال بتغيير اسمائهم إلى أسماء سيدات في عام 1999، وكما هو الحال في المكسيك التي خصصت في عام 2002 نسبة كوتا قدرها (30%) لتمثيل النساء، إلى أن الأحزاب المكسيكية وضعت المرشحات في مناطق يتعذر الفوز فيها فضلاً عن وضع اسمائهن في أسفل القائمة الانتخابية، وبعد تشديد قواعدها عام 2009، قدمت ثماني نائبات مكسيكيات استقالتهن في غضون أسبوع من أدائهن لليمين، وبهذا شغل النواب الرجال مقاعدهن.
كانت زيادة نسبة تمثيل النساء في البرلمانات الوطنية حول العالم في عام 2018 ضعيفة نسبياً مقارنة بنسبة تمثيلهن في عام 2017، إذ لم تتعدى نسبة الـ 1% بحسب التقرير الصادر عن منظمة الاتحاد البرلماني الدولي الذي يرصد منذ تأسيسه عام 1889 أعداد ونسبة تمثيل النساء اللواتي تنتخبن للبرلمانات الوطنية، ويضم 178 مجلساً تشريعياً حول العالم.
الكوتا النسائية في الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة
بقيت دول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة ما يقارب الـ 70 سنة حتى تمكنت من تحقيق الكتلة الحرجة لتمثيل النساء منذ حصولها على حق الاقتراع مع ذلك نجح من خلال تطبيق نظام الكوتا النسائية في البرلمانات الوطنية خاصة في بلدان شمال أوروبا المؤلفة من "السويد، أيسلندا، فنلندا، الدنمارك والنرويج"، في زيادة تمثيل المرأة في الحياة السياسية على المستوى الوطني واحتلت بلدانها أعلى مرتبة في العالم خلال ثمانينات القرن الماضي.
وتعتبر الكوتا الحزبية الترشيحية أكثر الأنواع استخداماً في دول الشمال الأوروبي، وتم إدخالها لأول مرة في أنظمة الانتخابات الأوروبية في سبعينات القرن الماضي، بواسطة الأحزاب الاشتراكية في غرب أوروبا.
واستقرت الدول الأوروبية في النهاية بالأخذ بنظام الكوتا الإجباري ضمن قوائم مرشحيها في المقاعد المتنافس عليها في كل قائمة باعتبارهم أن هذا النظام هو الأكثر انسجاماً مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "CEDAW".
وعلى الرغم من أن فنلندا اعتمدت الكوتا التشريعية لتحقيق التوازن بين الجنسين عن طريق تعيين نساء في الجهات الحكومية والهيئات البلدية، كما اعتمدت القائمة النسبية والقوائم المفتوحة الإجبارية، إلا أن أحزابها نادراً ما تعتمد على الكوتا النسائية في الانتخابات البرلمانية، وشكلت نسبة تمثيل النساء في البرلمان الفنلندي حتى عام 2007 (40%) أي 80 عضوة من إجمالي 200 عضو في البرلمان.
بينما تترك إيسلندا والدنمارك الحرية لكل حزب لاتخاذ القرار بشأن تقديم قائمة حزبية مفتوحة أو مغلقة للناخبين والناخبات قبل الانتخابات البرلمانية الوطنية، وقد حققت 6 دول من أصل 24 دولة الكتلة الحرجة في البرلمانات القومية والتي تستخدم الكوتا النسائية في التشريعات القومية ألا وهي "كوبا، فنلندا، الدنمارك، نيوزيلندا، أندورا وبيلاروس" على الرغم من أن بعضها اعتمد الكوتا الغير مباشرة كما هو الحال في نيوزيلندا.
وبمقارنة المملكة المتحدة التي تقع شمالي غربي أوروبا مع دول الشمال الأوروبي فهي قد فشلت في الوصول إلى الكتلة الحرجة لتمثيل النساء في البرلمان ومجلس العموم على الرغم من اعتمادها الكوتا النسائية الحزبية الطوعية.
ويتشابه ويتباين تاريخ المملكة المتحدة مع دول الشمال الأوروبي فيما يتعلق بالتاريخ والسياسة والمجالات الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال حصلت المرأة البريطانية في عام 1918 على الحق في التصويت والترشح للمناصب العامة، وتشترك مع الدول الغرب أوروبية في التمثيل الديمقراطي المستقر، وكانت نسبة تمثيل النساء في برلمانات الشمال الأوروبي والغرب أوروبية منخفضة قبل اعتمادها الكوتا النسائية الحزبية.
وكانت الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية والاجتماعية في الدول الغرب أوروبية أول المحتجين على نظام الكوتا الحزبية في السبعينات، كما احتجت أيضاً بعضاً من الأحزاب المحافظة.
كما انتشرت الكوتا التشريعية في تسعينات القرن العشرين في دول جنوب شرق أوروبا وغرب أوروبا، كما هو الحال في فرنسا إلى جانب بعض الدول الأخرى في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، نتيجة نضال الحركات النسائية المتعددة الجنسيات.
ويتمتع البرلمان الإسباني الجديد الذي أدى اليمين الدستورية في 21 أيار/مايو 2019، بأكبر تمثيل نسائي مقارنة مع أي مؤسسة تشريعية أخرى في أوروبا، وبرزت فيها قضية حقوق المرأة على صعيد النقاش السياسي لأكثر من عشر سنوات.