الغزو الروسي لأوكرانيا: كيف وصلت مجريات الأحداث إلى هذه النقطة؟

تحول الربيع العربي عام 2011 إلى حرب أهلية سورية، وأعقبها حرب أهلية ليبية، وضم شبه جزيرة القرم من قبل الاتحاد الروسي في مارس/آذار عام 2014

قيمت محررة الأخبار الخارجية في قناة T24، ميليس كاراجا، الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وقالت إنه يعود إلى الحرب الباردة وتأسيس حلف الناتو.  
 
إليف أكغول 
اسطنبول ـ ، واحتلال تركيا لعفرين بداية عام 2018 وحرب كاراباخ نهاية عام 2020، واليوم غزو روسيا لأوكرانيا... عانت شعوب العالم من الآثار المدمرة للحروب على مر العصور والتي أصبحت أكثر حدة واشتداداً وتكراراً منذ سنوات. الغزو الروسي لأوكرانيا كان الأخير، لكنه أصبح أيضاً مثالاً على رد الفعل القوي للدول الغربية، كما هو الحال في "وسط أوروبا" في القرن الحادي والعشرين. 
تحدثت وكالتنا إلى محررة الأخبار الخارجية في قناة T24 ميليس كاراجا عن الصراع الحالي الذي يدور بين روسيا وأوكرانيا، وأصوله التي تعود إلى الحرب الباردة وتأسيس حلف الناتو، وكيف ستتأثر تركيا به.
قالت ميليس كاراجا أن أصل الأزمة تستند إلى تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، ورغم تصاعد التوتر والأزمة، وتهديدات الدول الأوربية لفرض عقوبات على روسيا كانت أوكرانيا "وحيدة في يوم الحرب". الوضع حرج بالنسبة لتركيا التي لديها شراكات اقتصادية واستراتيجية مع كل من أوكرانيا وروسيا. 
 

"روسيا تريد الحفاظ على نفوذها في الجغرافيا السوفيتية"

ما أصل الأزمة الأوكرانية الروسية؟ 
تعود جذور الأزمة الأوكرانية الروسية إلى نهاية عام 1991، عندما انهار الاتحاد السوفيتي. روسيا اتبعت سياسات مختلفة للحفاظ على نفوذها على الجغرافيا السوفيتية السابقة منذ ذلك الحين. وكمثال على ارتفاع وتيرة الصراعات والتوتر، يمكننا أن نبين أن الاحتجاجات التي بدأت ضد الرئيس الموالي للنظام الروسي فيكتور يانوكوفيتش في ثورة ٢٠١٤ المعروفة باسم الثورة الأوكرانية أو "ثورة الكرامة" بدعمٍ من الغرب، حيث انتهت سلسلة من الأحداث العنيفة التي شارك بها متظاهرون وشرطة مكافحة الشغب في العاصمة كييف، بطرد الرئيس الأوكراني المُنتخب فيكتور يانوكوفيتش، وإسقاط الحكومة بعد "ثورة الكرامة". وفي نهاية هذه الثورة قررت روسيا ضم شبه جزيرة القرم وهي أراضي أوكرانية وفقاً للاتفاقيات الدولية.
وقد خرجت مظاهرات موالية لروسيا في مدينة سيفاستوبول عاصمة شبه جزيرة القرم. وفي نهاية الاضطرابات تم إجراء استفتاء مثير للجدل وضم شبه جزيرة القرم لروسيا. 
في نهاية هذا الحدث أعلن الانفصاليون الموالون لروسيا حكومات انفصالية في معظم مناطق دونيتسك ولوهانكس المعروفة باسم "دونباس" في شرق أوكرانيا. وفقاً لأوكرانيا فقد 13 ألف شخص حياتهم في الصراعات في دونباس، وانتهت معظمها بوقف إطلاق النار عام 2015. 
 

الخطوات المؤدية الى الحرب 

كيف وصلت الأزمة إلى مرحلة الحرب؟ 
هذه الحرب عملية تدريجية، يمكننا متابعة تطورات هذه العملية من خلال حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية منذ العام الماضي وحتى اليوم. وقد أثار بدء روسيا في جمع الجنود في المنطقة قلق أوكرانيا والدول الغربية، وبدأت أخبار الصراع تأتي من دونباس حيث استمرت هذه العملية لأشهر. أخيراً حذرت المخابرات الأمريكية من أن عدد القوات قد وصلت إلى مستوى كافٍ لـ "غزو كامل لأوكرانيا".
على الرغم من تصريحات روسيا بأنها لا تنوي الغزو، والهدف من حشد القوات هو للحفاظ على أمن وحماية الحدود، إلا أنها كانت تبذل جهود دؤوبة لعدة أشهر لمنع نشوب صراع مع الدول الغربية من خلال العمليات الدبلوماسية.
 

"لطالما كان موقف روسيا من عضوية أوكرانيا في الناتو واضحاً"

في وقت كانت العلاقات مع روسيا متوترة، أعربت أوكرانيا علانيةً عن استعدادها للانضمام إلى الناتو. جادل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن عضوية أوكرانيا في الناتو يمكن أن تنهي الحرب في شرق البلاد. 
ومع تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا طلبت روسيا من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضمانات أمنية بأن الحلف لن يتوسع شرقاً، وأن عضوية أوكرانيا لن تكون على جدول الأعمال. وأعطت روسيا التي لم تقبل ضماناتها الأمنية رسالة إلى الغرب مفادها أن "خيار الدبلوماسية لم يتم النظر فيه".
 

٢١ شباط/فبراير كانت نقطة انقطاع المرحلة الدبلوماسية 

في النقطة التي وصلنا إليها اليوم، يمكننا القول إن 21 شباط/فبراير كانت نقطة فاصلة عن جميع العمليات الدبلوماسية. بينما زعمت أحزاب الإدارة الانفصالية وأوكرانيا أن وقف إطلاق النار المتبادل قد تم انتهاكه. وردت أنباء في 21 شباط/فبراير مفادها أن النزاعات في دونباس زادت وحينها طلبت الإدارات الانفصالية من بوتين الاعتراف باستقلالها. 
في خطاب طويل لبوتين أمام الشعب وبعبارات مشككة في شرعية أوكرانيا أعلن اعترافه بالإدارات الانفصالية وإرسال "قوات حفظ سلام" إلى المنطقة. كان إرسال جنود روس إلى الإدارات الانفصالية يعني دخول روسيا إلى الحدود الأوكرانية. 
في صباح يوم ٢٤ شباط/فبراير أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما كان يكرر دائماً عن نيته بتطهير أوكرانيا من "النازية الجديدة" وبمزاعم تطهير الأرض أعلن أنهم بدأوا عملية لنزع السلاح في كافة البلاد، ومنذ 24 شباط/فبراير هاجمت روسيا أوكرانيا من عدة جبهات.
 

"أوكرانيا في ساحة القتال بمفردها في يوم الحرب"

كيف تقيمون مسؤولية الأطراف في هذه العملية أي مسؤولية الناتو وكذلك أوكرانيا وروسيا؟ 
قال الناتو أنه على الرغم من أن غزو روسيا يمثل تهديداً لأن أوكرانيا ليست دولة عضواً، إلا أنها سترد على روسيا بعقوبات مختلفة بمجرد أن تبدأ. منذ بداية التوتر أخذت الولايات المتحدة والدول الغربية زمام المبادرة بخطوات استخباراتية سباقة لروسيا وحذرتها.
في حين كان من المتوقع أن تعزز هذه التحذيرات العمليات الدبلوماسية، إلا أن النتيجة لم تكن على هذا النحو. تعيش أوكرانيا حالياً في حالة حرب، وكثيراً ما تقول إنها تتوقع عقوبات أشد لروسيا ومساعدة عسكرية من الدول الغربية.
وللأسف عندما أتى يوم الحرب والهجوم نرى أن أوكرانيا وحيدة في ساحة المعركة، حتى فيما يتعلق بالعقوبات، لم تعمل آلية صنع القرار المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي بسرعة. 
 

"الحرب الروسية الأوكرانية حاسمة للغاية بالنسبة لتركيا"

ماذا يمكن أن تكون عواقب هذه العملية على تركيا حيث تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من الناتو وروسيا؟ 
يمكننا القول إن الحرب بين أوكرانيا وروسيا بالغة الأهمية بالنسبة لتركيا. هناك العديد من اتفاقيات الصناعة الدفاعية بين أوكرانيا وتركيا. فأوكرانيا تستخدم سلاح SİHAs التركية الصنع وكانت روسيا قد أعربت في السابق عن استيائها من اتفاقيات الصناعة الدفاعية بين أوكرانيا وتركيا.
منذ اليوم الذي اعترفت فيه روسيا بالانفصاليين في شرق أوكرانيا وحتى الاحتلال، تحولت الأنظار إلى تصريحات تدلي بها أنقرة. وصرحت تركيا أن خطوات روسيا في غزو أوكرانيا كانت "غير مقبولة" و"تنتهك القانون الدولي".
صرح سفير أوكرانيا في تركيا فاسيل بودنار، أنه منذ بدء الغزو طلبوا من تركيا إغلاق المضيق أمام السفن الحربية الروسية. وأدلى وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو ببيان بشأن هذه المسألة. قال فيها أن "تركيا يمكن أن تغلق المضيق، لكن لا يزال لروسيا مثل هذا الحق".
 

"تركيا لا تريد أن تدمر علاقاتها مع روسيا"

يعتبر تورط تركيا في قرار عقوبات جماعية احتمالاً ضعيفاً. إنها لحقيقة أن تركيا التي تتعاون اقتصادياً ودفاعياً مع روسيا، لن ترغب في التخلي عن هذه العلاقة. 
بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية للأزمة التي قد تحدث في فترة هشاشة الليرة التركية، قد يكون للتوترات مع روسيا في نقاط حرجة مثل سوريا وليبيا عواقب سلبية أيضاً.
وبالنظر إلى تصريح أردوغان "لا يمكننا التخلي عن كلا البلدين"، يمكن ملاحظة أن تركيا تحاول الحفاظ على سياسة التوازن، لكن المرء يتساءل عما ستكون عليه النتيجة.