الانتخابات التونسية من منظور ناشطات سياسيات لبنانيات
لفتت الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في تونس انتباه النساء في العالم عموماً والناشطات السياسيات اللبنانيات خصوصاً، لا سيما وأن التنقيح المجحف الذي طاول قانون الانتخاب وأدى إلى معارضة واسعة وتقاعس النساء عن المشاركة ترشحاً واقتراعاً.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أثارت الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في تونس الكثير من التحليلات والمواقف المحلية والعالمية، خصوصاً بعد تنقيح على قانون الانتخاب الذي تم نصه بعد ثورة الياسمين عام 2011، ولا سيما لدى المعارضة التونسية ولدى النساء اللواتي وجدن في هذه التعديلات إجحافاً بحقوقهن التي اكتسب عبر السنوات، وهو ما ناقشناه مع ناشطتين سياسيتين لبنانيتين.
حول دور المرأة في الانتخابات التونسية قالت عضوة بلدية قبيع في قضاء بعبدا محافظة جبل لبنان سناء رافع الأعور "هناك تشابه بين ما تعاني منه المرأة في المجال السياسي سواء في العالم أجمع، أو في البلدين الشقيقين تونس ولبنان لا سيما لجهة الاستحقاقات السياسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس أو الانتخابات النيابية في لبنان، أو ما سيحصل في الانتخابات البلدية اللبنانية في أيار من العام 2023، حيث يسود التنمر وهو شكل من أشكال العنف ضد المرأة وعدم الثقة بها والذكورية الطاغية والتمييز الجندري".
وأضافت أن "الأحزاب تعتبر المرأة كزينة أو كمالة العدد ولتظهر انفتاحاً، فلم تحظ النساء بمساحة إعلامية عادلة بسبب افتقادهن للموارد المالية خصوصاً وأن الأحزاب لم تدعم النساء بشكل كاف، كما وأن النظامين في البلدين متشابهين، حيث كان النظام النسبي والصوت التفضيلي في لبنان مجحفاً بحق المرأة وحرم النساء في لبنان من الوصول إلى مراكز صنع القرار، فحتى لو كانت المرأة ناشطة وضمن لائحة، فلن يختار الناخبون النساء لصوتهم التفضيلي لأن بنظرهم القرار والسلطة بيد الرجل، وهو ما حصل، أما في تونس فبينما كانت المرأة في الطليعة من ناحية المشاركة إلا أن التعديلات والتنقيح التي استفرد الرئيس التونسي قيس سعيد بفرضها شكلت تحديا للشعب التونسي، الذي واجهها بالمقاطعة والتقاعس عن الانتخابات ترشحاً واقتراعاً وخصوصاً من النساء، والدليل أن
نسبة مشاركة المرأة انخفضت من 26 بالمئة إلى ما دون 10 بالمئة، فقد وصلت الرسالة سلفاً للمرأة بأنها لن تصل إلى مراكز هامة".
وأوضحت "من التعديلات المجحفة تخفيض عدد المقاعد في البرلمان من 217 إلى 161، وتقديم موعد الانتخابات التشريعية مع اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين، وجرت الأولى في 17 كانون الأول 2022، والثانية ستجري في 29 كانون الثاني 2023، وإقرار إمكانية سحب الحصانة من النائب، وهي جميعاً تصب في خانة إقصاء المرأة".
وأكدت على أن "المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل تدعم وتربي النصف الآخر، وأدعو النساء القادرات والكفؤات إلى الترشح للانتخابات البلدية القادمة، وأن تكون المرأة جزءاً من مشاريع التنمية في المجتمع، لذلك عليها أن تعمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة كأم وربة منزل ومربية لأطفالها، والمساهمة في خدمة المجتمع والدخول في العمل السياسي، فالمرأة تعمل نحو التغيير، بينما الرجل يعمل من أجل السلطة".
وعن دخولها المعترك السياسي قالت "كنت أتابع ما أستطيع من دورات وتدريبات مختلفة وفي كافة المجالات، وبادرت لتقديم طلب حر للدراسة الثانوية، وتمكنت من النجاح، وبدأت نشاطي الاجتماعي منذ حوالي 17 عاماً، بالانضمام لجمعيات وأنا حالياً رئيسة جمعية قبيع الخيرية، وفي الهيئة الإدارية لتجمع الجمعيات في الجبل والذي يضم أكثر من 75 جمعية، أما لجهة الانتخابات البلدية فقد حصلت حينها سابقة هي الأولى من نوعها في بلدتنا والجبل، فقد جرت العادة في الجبال وحتى في المدن أن يجتمع الرجال لاختيار المرشحين للمجلس البلدي، وفي حالتي اجتمع الرجال والنساء لتأييد ترشحي وبعدها تم اختياري، وأنا المرأة الوحيدة في مجلس يضم 12 عضواً".
وأوضحت "لم يكن لدي خبرة في العمل البلدي، وتقدمت لدراسة دبلوم في إدارة ومالية البلديات في الجامعة اللبنانية الأميركية بعد انضمامي لعضوية البلدية، وقد ترأست لجنة النشاطات والمعارض، كما وقمت بتقديم بعدها لمشاريع عدة لدى جهات مانحة أهمها مشروع War Child من هولندا وهو مخصص لدعم النساء والأطفال، على مدى سنتين ونصف السنة، حيث تمت إقامة دور رعاية وحضانة للأطفال وتم توظيف 39 امرأة من البلدة في المشروع".
وأضافت "حالياً أدرب النساء افتراضياً ومجاناً في دورات عدة على مهارات التواصل وكتابة المشاريع وقانون البلديات وغيرها"، لافتةً إلى إمكانية إعادة ترشحها لعضوية البلدية.
ومن جانبها قالت عضوة بلدية صوفر منيرة الدمشقي "وصلت المرأة إلى مراكز متقدمة سياسياً بالإضافة إلى حقوقها المدنية لجهة قانون الأحوال الشخصية لجهة الطلاق والخلع وغيرها، وتفاجأت بتراجع نسبة مشاركتها السياسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة بسبب الفكر الذكوري المسيطر وعدم وجود قوانين تحميها من هذا العنف الممارس ضدها، خصوصاً لجهة التنقيحات على قانون الانتخابات وهو القانون الأكثري الجديد لم يلحظ إي كوتا للمرأة، ما يعتبر مجحفاً بحق المرأة وتهميشا لدورها على الرغم من تغطيته بستار المناصفة، وهذا الحضور الشكلي ونسبة المشاركة الضئيلة والتي تقدر بـ 8.8% عكست خيبة أمل التونسيين واستياءهم من الأزمات السياسية والاقتصادية الحالية في البلاد".
وأوضحت "كانت تونس ولا تزال في طليعة الدول لجهة وجود المرأة بمراكز صنع القرار، ولن أفاجأ بأن تعود المرأة التونسية إلى أقوى مما كانت عليه، فلطالما عانت المرأة مثل كل النساء في الدول العربية من الإجحاف والتقاليد البالية لكن تمكنت من تجاوز هذه المعوقات، فالمرأة التونسية قادرة وكفؤة ولديها من الوعي للوصول إلى مواقع صنع القرار".
وعن نشاطها السياسي قالت "كنت وما زلت ناشطة ثقافيا ومنذ بداية عملي في التعليم الرسمي بعمر 17 سنة ولمدة سنة، لأنتقل بعدها إلى مدارس المقاصد كمنسقة الأنشطة اللامنهجية بين هذه المدارس المنتشرة في عدة مناطق في لبنان، حيث وجدت في هذه المدارس وانفتاحها على كافة مشارب وطوائف المجتمع ونظامها المنفتح ضالتي لأتطور علمياً وثقافياً، وقد بدأت بتدريس الرياضيات لمدة 15 سنة، وقد تقاعدت مؤخراً بعد أن درست أكثر من 30 سنة في هذه المدارس، إلا أن مروحة علاقاتي التي كونتها عبر مرحلة التدريس أفادتني في مجالات عدة خصوصاً في نشاطي السياسي من خلال عضويتي في البلدية، كما وشاركت بثورة 17 تشرين".
وأضافت "منذ سبع سنوات تم انتخابي كعضوة في المجلس البلدي في بلدة صوفر على الرغم من وجودي خارج البلدة معظم حياتي، وقمت بدراسة قانون البلديات ومتابعة الكثير من الدورات حول المشاركة السياسية للمرأة لدى جهات عدة، منها Global Partners Governance وفيفتي فيفتي ولوست LOSTو DRIوغيرهم، ونحن امرأتان من أصل 13 عضوا فزنا بالعضوية، ونقوم بتحضير مهرجانات "سوسنة صوفر" وهي نبتة نادرة تعتبر رمزاً للبلدية ونشاطات عدة".
وقالت "أنوي الترشح في الانتخابات البلدية التالية بأيار 2023، لأن لدي الكثير من المشاريع التي أنوي متابعتها أو تنفيذ مشاريع جديدة".
وعن المشاريع المستقبلية التي تأمل تنفيذها "أخطط لمشاريع تساهم بتمكين المرأة لا سيما كبار السن اللواتي ليس لديهن مدخول، فالتمكين الاقتصادي والاستقلال المادي يساهم بوعي المرأة بحقوقها، وأن تعرف ما تريده في الحياة".