كيف يدعم الطب النفسي المرأة لدحض خرافات العلاج الروحاني
خيط رفيع يفصل بين الطب النفسي والعلاج الروحاني لكثير من الأمراض أبسطها القلق والخوف، وأكثرها تعقيداً الاضطرابات الذهنية، فما هي أسباب تعويل المرأة حالات القلق والاكتئاب لديها على الحسد والسحر؟
ابتسام اغفير
بنغازي ـ خوفاً من وصمهن بأنهن مريضات نفسية ونبذهن تعول العديد من النساء في ليبيا ترد حالتهن النفسية إلى أصابتهن بالحسد أو السحر، وتلجأن إلى العلاجات الروحانية التي قد تؤدي بهن للجوء للمشعوذين والتبرك بأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع.
تعليق خرزة زرقاء أو علامة "الخميسة" جعل كثير من النساء تعانين أمراض نفسية مزمنة تحتاج لعرضها على الطبيب النفسي بدلاً من المرشد النفسي، حيث قالت المتخصصة في الإرشاد والعلاج النفسي وتعديل السلوك الدكتورة نزيهة سليمان إنه "معتقد سائد في المجتمع الليبي، فعندما يصاب المريض باضطراب نفسي أو تظهر عليه أعراض الاضطراب لا يلجأ لأطباء متخصصين كمرحلة أولى، وبالطبع هذا لا يعمم على الجميع فهناك عائلات لديها ثقافة نفسية فبمجرد ملاحظة بعض الأعراض النفسية يتوجهون مباشرة إلى المرشد النفسي أو المعالج النفسي، وهذه الفئة نادرة الوجود".
وأوضحت أن "الاضطرابات النفسية تصنف إلى نوعين الاضطراب العصابي الذي يصاب به أي إنسان طبيعي مثل الدخول في حالات الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة، وخضوعه لضغوطات نفسية لفترة طويلة، والنوع الثاني الذي نطلق عليه العدو الصامت، حيث يبدأ عادة بأعراض بسيطة غير واضحة، وأحياناً يصاب بأعراض حادة تعبر عن نفسها بشكل واضح".
وأشارت إلى أن "الاضطرابات العصابية تحتاج في الغالب إلى تدخل المرشد النفسي أو المعالج النفسي دون اللجوء إلى الدواء، أما في حالات الإصابة بالاضطراب العقلي الذي نطلق عليه في علم النفس الذهان، هنا لا مناص من تدخل الطبيب المعالج بإعطاء المريض الدواء".
وأكدت نزيهة سليمان أن "المريضة تلجأ إلى الطبيب النفسي في محاولة متأخرة جداً بعد الخضوع للعلاج الروحاني الذي يشخص أنها مصابة بالعين أو الحسد، وبالتالي لابد أن تخضع لجلسات روحانية منها الرقية، وهذا سبب انكار ذويها أنها تعاني اضطراب أو مرض نفسي، وبالتأكيد ليس من السهل أن يشخص الإنسان خاصة المرأة بأنها تعاني مرض نفسي، سواء كانت زوجة أو بنت أو أخت، وعدم الاعتراف به والتوجه لعلاجه بطريقة مغايرة وبعيدة كل البعد عن الجانب النفسي، هنا يتم تأصيل المرض وتصبح أعراضه صريحة وغير مسيطرة عليها لذلك يضطرون للتوجه للطب النفسي".
وأضافت أنه "من الصعب إخضاع من يعاني من أمراض ذهنية للعلاج بالطريقة الروحانية، فلا نستطيع أن ننصح مريضة للجوء للعلاج بالرقية فقط لاعتقادها أنها مصابة بالسحر أو بالعين، فالأمراض الذهانية هي في الغالب أمراض عضوية تحتاج للعلاج الدوائي وهنا يحدث الخلط فيما بينهما، فكلما خضع المريض مبكراً للعلاج بالطب النفسي سيوفر وقت وجهد وتقصير مدة المرض وإطالة أمد الشفاء".
وعن كيفية إقناع المرأة بضرورة التوجه إلى الطب النفسي وعدم الاعتماد على ما يسمى العلاج الروحي، قالت "في مجتمع لا يحبذ أفراده الخضوع للعلاج النفسي خاصة المرأة بحكم أنها تصبح مجنونة في نظره، وغالباً وصمة العار هذه ليست في ليبيا فقط، فالدول المتطورة تنظر للطب النفسي بنظرة مغايرة ومنفتحة"، لافتةً إلى أنه "عندما يبدأ المرض النفسي في بعض الحالات يكون مستقر وتظهر الأعراض ولا تتفاقم، لكن عندما لا تخضع المريضة للعلاج ستصل إلى مرحلة أنها مريضة نفسياً، وبالتالي حالتها هذه ستنتشر ولن تبقى في الخفاء، والوضع بشكل طردي يزداد سواء متى تم الحرص على إخفاء المريضة عن المجتمع، ولكن لابد من التدخل مبكراً للعلاج النفسي، فهناك حالات كثيرة شفيت تماماً بعد التوجه للعلاج النفسي بشكل مبكر".
وأضافت نزيهة سليمان أن "العلاج والإرشاد النفسي وتعديل السلوك ومدى نجاحه ثبت نجاعته، فهناك حالات شفيت بعد جلستين فكلما كان للمريضة قابلية للعلاج كلما تم الحصول على نتائج أسرع، فنحن لا نستطيع أن نلغي العلاج وندخل في مرحلة العلاجات الروحانية فهذا يعد هدراً لوقت المريض".
وعن شائعات إدمان المريض على العلاج تقول "لا يوجد إدمان على العلاج وهناك علاج نفسي دون دواء وبالتالي نحن لا نستطيع أن نقول للمريض استمر على العلاج والإرشاد النفسي وأترك الطب النفسي، ودائماً أشبه المريض الذي يعاني اضطرابات نفسية بمريض الضغط والسكري فعندما يلتزم بأخذ علاجه في أوقاتها المحددة، وينتظم في أخذ العلاج والمراجعة الدورية سيحصل على نتائج مرضية، ويقوم الطبيب بتقليل كمية ونوعية الأدوية بطريقة سلسلة بعيداً عن الإدمان".
وأكدت أنها من خلال عملها لاحظت أن النساء هن أكثر من تخضعن للعلاج النفسي، كونهن الأكثر عرضة للضغوطات النفسية، وهذا مبني على الملاحظة ولا يقوم على دراسة علمية ولكن الفتيات في فترة المراهقة وفترة الدراسة للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية فهذه مراحل يكثر فيها الضغط والتوتر، أو اللواتي يدرسن في كليات ذات مستوى تعليمي صعب وتحتاج لمجهود مضاعف هنا تصاب الفتاة بمرض نفسي".
ولفتت إلى أن "الاستعداد الوراثي بالإضافة إلى ما سبق والشخصية الهادئة لابد أن نخاف عليهم أكثر من الفتيات اللاتي يعبرن عن رأيهن بصوت مرتفع، في المرحلة الثانية التي تهدد بالإصابة بالمرض النفسي للفتيات هي العلاقات خاصة العلاقة المسمومة، ففي الغالب الضغوطات النفسية على مدى سنوات إما تصل لمرحلة تفجر الأعراض أو الوصول إلى مرحلة التأقلم وهنا لن يعد باستطاعتها ممارسة حياتها بشكل طبيعي".
وفي ختام حديثها قالت نزيهة سليمان "لكل فتاة أو امرأة تعاني أو شعرت بأي خلل في مستواها الأكاديمي أو حياتها الشخصية فأنها بحاجة لتدخل نفسي وليس بالضرورة للعلاج وانما لإعادة ترتيب أفكارها أو مشاعرها كي تستعيد صحتها النفسية لإطارها السابق أفضل من البقاء في دائرة مفرغة وفي أحيان كثيرة جلسة واحدة لمدة ساعة تعيد التوزان لنفسية المرأة".